بعدما اعتادت على التواجد في أزقة المدن العتيقة والأسواق والأحياء الشعبية بجميع حواضر المملكة، تغير حال المهن الموسمية التي تنشط مع إطلالة شهر رمضان المبارك، هذا العام تنفيذا لحالة الطوارئ الصحية التي فرضتها السلطات الحكومية بسبب انتشار فيروس كورونا الجديد وهذه المهن التي تبعث سحرا ودفئا خاصين خلال هذا الشهر الكريم وتضفي نكهة فريدة بانتشار روائح مميزة في كل فضاء تتواجد به، تكاد تغيب تماما هذا العام، مما أقفر فضاءات البيع المعتادة التي استسلمت للإغلاق مكرهة على أمل أن يكون القادم أفضل. هكذا، لم تجد مهن يتعاطى أصحابها لها حصريا في شهر رمضان بعدما يكون قد غيروا مهنا اعتادوها طول العام، ضالتها في زمن الطوارئ الصحية المفروضة بالمملكة منذ 20 مارس الماضي، والحديث هنا عن “الشباكية أو “المخرقة” و”البغرير” و”البريوات” و”السفوف” ومعهم مختلف “المكونات التقليدية التي تؤثث مائدة الإفطار . الأمر ينطبق على الحسين، المعروف كبائع للإسفنج، والذي غير الوجهة المهنية نحو بيع وريقات البسطيلة ومختلف أنواع الفطائر والشباكية، هناك داخل متجره الكائن وسط مدينة القنيطرة، الذي يحترم فيه إجراءات السلامة الصحية كما هي مقررة من قبل السلطات العمومية. وأفاد الحسين في دردشة مع وكالة المغرب العربي للأنباء، بينما هو داخل متجره مستعملا حواجز السلامة عند المدخل ، بأن لا يبيع إلا عن طريق الطلبيات عبر الهاتف لتجنب أي تجمع محتمل أمام المتجر الذي يظل مفتوحا طيلة النهار وإلى غاية الساعة الخامسة عشية. أما رشيدة التي تبيع وريقات البسطيلة والبغرير بالخبازات ، وهو حي شعبي معروف بالقنيطرة ، فكشفت أن عائداتها تقلصت بشكل كبير خلال شهر رمضان، في ظل الظروف الحالية التي تجتازها المملكة مع إقرار حالة الطوارئ الصحية، وذلك مقارنة مع مداخيل هذا الشهر في العام الماضي. وتابعت رشيدة ، الأم لأربعة أطفال ، أنها كانت من بين المستفيدات من المساعدات التي خصصتها لجنة اليقظة الاقتصادية لفائدة الأسر التي تتقوت من القطاع غير المهيكل والتي لا دخل لها في ظل حالة الطوارئ الصحية. “أشكر صاحب الجلالة الملك محمد السادس للعناية الخاصة التي يوليها لشعبه”، تقول رشيدة، مشيرة كذلك إلى الدعم والمساعدة المقدمين من قبل السلطات المحلية والوكالات البنكية ووكالات نقل الأموال، لسهرهم على حسن سير هذه العملية في احترام تام لإجراءات السلامة. ولم يفوت بعض التجار، من جهة أخرى، مناسبة الطوارئ الصحية لعرض منتوجاتهم الرمضانية على حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات أخرى كالانستغرام والواتساب وحتى بواسطة المكالمات الهاتفية. ويقترح هؤلاء تسليم طلبياتهم للزبناء الذين يتلقونها عبر موزعيهم مع الأداء البنكي عن بعد، في عملية تمكن الطرفين من تجنب أي اتصال مباشر سواء بالنقود أو الأشخاص. والهدف الحفاظ على تقاليد مائدة الإفطار الرمضانية كما اعتادها المغاربة ولو في زمن محكوم بظروف الجائحة. ومن دون شك، فإن المهن الصغيرة في رمضان تبعث مع إطلالة هلاله أجواء خاصة، وتشكل فرصة للكثير من الأشخاص ، صغارا وكبار- نساء ورجالا، للتعاطي معها بل والاستمرار فيها قد تكون مفتاح رزق وزيادة دخل للأشهر اللاحقة. خدمات توصيل الطلبيات إذا كانت الأزمة الصحية الحالية الناتجة عن تفشي جائحة كورونا (كوفيد 19) قد تسببت في انهيار نشاط غالبية القطاعات، إلا أن وقعها، بالمقابل، كان مفيدا على قطاعات أخرى، من بينها خدمات توصيل الطلبيات التي تشهد حاليا اقبالا مكثفا عليها من قبل المستهلكين. ويبدو أن العديد من الأسر قد وجدت ضالتها في هذه الخدمة، كطريقة أفضل لحماية أنفسها من هذا الفيروس وتجنب أي خطر للعدوى. وأمام الطلب المتزايد على هذه الخدمة، سارع مهنيو قطاع توصيل الطلبيات للمنازل الى اقتراح خيارات شراء متنوعة وتوفير خدمة التوصيل مع الامتثال الصارم لتدابير السلامة الصحية. وفي ظل الأزمة الصحية حيث يكون للوقاية الأولوية على كل شيء آخر، يسهر مقدمو خدمات التوصيل على توفير خدمة في احترام التام للاجراءات الاحترازية من خلال تطبيق جميع متطلبات وتوصيات الصحة والسلامة. في هذا السياق، أكد المدير العام لمنصة (جوميا المغرب) للتجارة الإلكترونية ، العربي العلوي البلغيتي أن ” التجارة الإلكترونية تلعب حاليا دورا رائدا في مساعدة المغاربة على اقتناء مشترياتهم من المنتجات اليومية الأساسية”، مبرزا أنه منذ بداية الحجر الصحي ، تغيرت عادات الشراء لدى المغاربة لتصبح أكثر تركيزا على منتجات الضروريات الأساسية. وقال العلوي البلغيتي في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء “كان علينا ، في ظل الظروف الاستثنائية الحالية، مراجعة واعتماد عدد معين من الإجراءات الصحية، وأخرى متعلقة بالنظافة”. وأضاف أن توصيل المنتجات اليومية يتم بأمان من أجل الحفاظ على صحة كل من الزبون وعون التوصيل، مبرزا أن “منصتنا توفر خيارات التوصيل بدون احتكاك بدني، مما يلغي الاتصال الجسدي وبالتالي يسهل التباعد الاجتماعي.” وأوضح العلوي البلغيتي أن أعوان التوصيل استفادوا من تكوين يهدف إلى توعيتهم بضرورة احترام المعايير اللازمة أثناء عملية التوصيل ، مبرزا أن الأمر يتعلق ،على وجه الخصوص، بالحفاظ على مسافة الأمان التي يجب أن لا تقل عن 2 متر أثناء التوصيل، وارتداء كمامات وقفازات مع اعتماد المعاملات غير النقدية. وأفاد بأنه بمجرد وصوله إلى العميل ، يقوم عون التوصيل بالاتصال أو إرسال رسالة نصية قصيرة إلى هذا الأخير لإخباره ، ثم يودع الطرد أمام الباب ولا يغادر حتى يستلم هذا العميل بضاعته. وهي استراتيجية يتم احترامها بحذافيرها من قبل المتعاونين في هذه المنصة، وهذا ما يؤكد لنا عمر (23 سنة)، عون توصيل في (جوميا المغرب) ، الذي يعتبر استخدام المطهر الكحولي لتعقيم يديه ،وهاتفه ومقود دراجته النارية ،خطوة أساسية قبل أن يرتدي قفازتيه. في السياق ذاته، تلتزم شركة ” Glovo Maroc”، وهي مؤسسة متخصصة في توصيل الطلبات للمنازل،وفقا لمديرها العام كريم دبار بتطبيق الإجراءات الوقائية، لكونها تضح على صحة وسلامة الاعوان والزبناء ضمن الأولويات الرئيسية. وأشار إلى أنه “منذ بداية الحجر الصحي، قمنا بتكييف جميع ممارساتنا المهنية من أجل اتباع توصيات منظمة الصحة العالمية والسلطات العمومية “. وذكر الدبار أنه للحد من الاحتكاك البدني بين أعوان التوصيل داخل مراكزها ، حددت شركة Glovo Maroc عدد الأشخاص الذين يمكنهم الولوج إلى الداخل في نفس الوقت في ثلاثة أشخاص، مع احترام مسافة الأمان في مترين على الأقل بينهم، مشيرا إلى أن الشركة قامت بتوزيع أقنعة وقفازات ومطهرات كحولية على جميع الموزعين. وفي ما يتعلق بالمواد الأكثر طلبا من قبل المغاربة في هذه الفترة الاستثنائية، ذكر السيد الدبار أن هذه المواد تتوزع بين الماء والحليب والفواكه والخضروات والمعجنات والمطهرات. والواقع أن هذا الارتفاع المذهل في خدمة توصيل الطلبات للمنازل لن يكون عابرا، لأن غالبية الزبناء الذين ترددوا قبل كوفيد19 على اختبار هذه الخدمة ، قدروها واعتادوا عليها.