أحد ما استند إلى الفيلسوف اللاهوتي طوماس الأكويني، وكتب يقول أن «الصداقة السياسية هي أرقى أشكال السعادة .. الأخلاقية». ووضع لتحقيقه أربعة شروط منها وجود فعلي للسعادة الاخلاقية، ومفادها أن الناس عندما يشعرون بالصداقة، لا يكونون في حاجة الى العدالة، فهي قائمة في نشيد الصداقة كما يقول مونطاني.، ومنها المواطنة .. بمعنى أن الذي يتخلى عن مواطنته لا يمكنه أن يصنف نفسه من الذين يمكنهم أن يكونوا أصدقاء في السياسة!! ليس لدينا محاولات حقيقية في تفسير أو تفكير الصداقة السياسية، وحتى الكتابات القديمة لدي العرب لم تحاول أن تقترب من منطقة التلاقي بين الحميمية والسياسة، بين الدولة والفرد، وجدليتهما عندما يتعلق الأامر بالصداقة السياسية. في كتابها عن «الحياوات السياسية» تتحدث حنة آردنت عن الأهمية السياسية للصداقة. وصعوبة فهمها والتفكير فيها. تقول فيلسوفة المناهضة الأخلاقية للشر في صفحات كتابها (34/35، منشورات غاليمار )، في تفسير صعوبة إدراك الأهمية السياسية للصداقة :« عندما نقرأ، مثلا قول أرسطو بأن الفيليا أو الصداقة بين المواطنين هي أحد الشروط الأساسية للرفاه المشترك، نميل إلى الاعتقاد بأنه يتحدث فقط عن غياب الفصائل والحروب الأهلية داخل المدينة.،والحال أن جوهر الصداقة عند الإغريق يكمن بالضبط في الخطاب، حيث كانوا يعتبرون أن «الحديث المشترك القار، وحده يوحد المواطنين، وفي الحوار تتجلى الراهنية السياسية للصداقة. وإنسانيتها الخاصة بها.» وتضيف أن العالم لا يصبح إنسانيا لأن الانسان صنعه، بل «لا يصبح إنسانيا إلا إذا أصبح موضوعا للحوار». إنسانية الانسان تتحقق في محاورات الصداقة.. وعندما يحكي عبد الرحيم بوعبيد عن المهدي بن بركة مثلا، فهو يحاورنا - من خلال المحاورة معه - حول عالم يسمى المغرب ما بعد الاستقلال. وعندما يتحدث عبد الإله بنكيران مثلا عن باها، فهو يعطينا الصورة التي يريد أن تكون عليها السياسة في البلاد.. أي أن السياسة لا تصبح إنسانية، إلا إذا تحدثنا عنها مع من يشبهنا،.. وفي الحديث عن الصداقة نجعل السياسة إنسانية. الصداقة، اشتقاقيا قريبة من الصدق، وهي تحتاج الى الثقة لبناء الفعل المشترك. في المغرب لم تكن الصداقة دوما مثالا للنموذج السياسي عندما تكون في قلب الدولة، والحال أن الصداقة، في حد ذاتها شيء أساسي وتمرين على حيوية إنسانية أخلاقية. بالنسبة للملوك أيضا ، تكون الصداقة، ليس فقط اختيارا سياسيا وله أهمية سياسية، حسب زاوية كل رئيس دولة على حدة( محمد السادس ليس هو الحسن الثاني، والهمة ليس هو اكديرة) لكن الصداقة، بما هي عربون للثقة، تشكل الوجه الإنساني السياسي الذي يكون أقرب للحاكم. هي الوجه الإنساني في سلوكه السياسي. وهذا لا يلغي أن الصداقة تحظى دوما بنفس التلقي: هناك من يتفادى الحديث فيها لأنها بكل بساطة تعني موقفا قد لا يكون هو ما يحبه أصحابها.. وربما لأنها صداقة قد تكون موجهة أيضا ضد صداقة أخرى مقابلها!. وهنا يمكن للصداقة، حسب جاك دريدا ( سياسة الصداقة دار غاليلي) أن تعود جيميالوجيا الى الثنائي: الصديق / العدو، وبالتالي تكون « مرتبطة عبر هذه الثنائية (صداقة /عداوة) بالمفهوم المهيمن للصداقة!. وعندما تميل الصداقة الى العدم، يمكن أن نشاهد الحروب التي تقع في التنظيمات الجماعية أيا كانت هويتها. جون واتربوري، كان يعترف بأن هوية السياسيين المغاربة هي هوية «وضعياتية» أو مرتبطة بالأوضاع وتتغير حسب الأوضاع. و«لهذا فإن الذي يتغذى معك، لا يعني أنه لن يتعشى بك»!! هناك سياسيون يسارعون الى قتل أصدقائهم، أو خيانتهم إما بدعوى أن هناك بلادا تحتاج الى بناء بقتلهم أو خيانتهم، أو بدعوى أن هناك ثورة تنتظر صنعها، أو بدعوى حرب ما لابد من ربحها أو أحيانا بدون دعوى حتى .. على حد ما كتبه الكاتب الفرنسي جيل مانغار.. تحتاج الصداقة أيضا، بما هي شكل راق من أشكال السعادة الأخلاقية، إلى الشجاعة في قول الحق أو في التعامل مع السلطة (الشيخ ياسين كان في حاجة الى صديقه، وهذا الأخير لم يخنه عندما أراد أن يتوجه الى الراحل الحسن الثاني برسالته الإسلام أو الطوفان )، وتحتاج أيضا الى الوضوح في القناعة. هناك الصداقة أيضا كفضاء للسياسة، كما مثلها المرحوم باها وعبد الإله بنكيران، فهي لوحدها موضوع سياسي، دستوري أيضا ( اقرأ مادة البارحة حول الموضوع). لم نجد بداية لهذا الملف في الواقع سوى الجملة الأولى لصاحب كتاب ««الصداقة كفضاء للسياسة» «في كتابه، وهنا «يتعلق الامر بإعادة التفكير في السياسة من خلال موضوعة الصداقة» ، ونضيف بتقديم نماذج ناجحة ولها أثر في الحياة اليومية للناس، أنصارا كانوا أو خصوما.. الصداقة التي تحول السياسة الى مكان خاص، هي تلك العلاقة المتواطئة التي يقبل فيها الصديق عمق اختلافه مع الصديق. ختاما لعل أرسطو كان على صواب عندما ربط بين السياسة والصداقة بمقولته المعروفة« الهدف الرئيسي للسياسة هي خلق الصداقة بين أفراد المدينة»!.