في مقال لجريدة لوموند «علوم و طب»، ثم الإعلان عن تسلم كل من البروفيسور من جامعة كيوتو اليابانية تاسوكو هونجو، وزميله من جامعة تكساس للطب البروفيسور جيمس أليسون، جائزة نوبل للطب و الفيزيولوجيا لسنة 2018، عن أبحاثهما الرائدة في مجال المعالجة المناعية للسرطان. فقد استطاع كل من البروفسورين -بفضل أبحاثهما الطبية في هذا المجال-المساهمة في إنقاذ حيوات كثير من المرضى، الذين تم تشخيص حالاتهم وإصاباتهم بأنواع من السرطان التي تعذر إيجاد علاج لها من قبل، عبر استعمال تقنية المعالجة المناعية السرطانية، والمؤلفة من عدة مناهج تعمل على تعديل الجهاز المناعي للمريض، و ذلك بغرض استغلال مكونات الجهاز المناعي لاستخدامه كعلاج فعال للسرطان. و جائزة نوبل-للإشارة-تعرف بكونها جائزة سويدية، أسسها المخترع السويدي ألفرد نوبل في عام 1895، كتكفير عن ذنبه في ابتكار الديناميت، الذي ساهم في مقتل العديد من الناس أثناء الحروب. وتأتي الجائزة على شكل شهادة تقديرية و مبلغ مالي مهم، إذ يمكن لعدة أشخاص من نفس المجال الحصول عليها، وهي تتنوع ما بين نوبل للسلام و نوبل للأدب، كما توجد نوبل للطب و الكيمياء و الفيزياء وأيضا نوبل للاقتصاد. و يتم توزيع الجوائز على الفائزين بمدينة ستوكهولم السويدية، باستثناء جائزة نوبل للسلام التي يتم توزيعها في احتفال يقام بمدينة أوسلو النرويجية، وهي تصادف تاريخ وفاة مؤسسها ألفرد نوبل من كل سنة. أما بالنسبة لآلية عمل المعالجة المناعية للسرطان، فهي ليست بالجديدة. فقد حاول العلماء منذ أكثر من 100 سنة، إدخال الجهاز المناعي في كفاحهم السرطان، من خلال تحفيزه بمساعدة نوع محدد من البكتيريا. وبحلول سنة 1990 ، تمكن البروفيسور جيمس أليسون المولود في (7 غشت 1948) بمدينة «ألكيس» بولاية تكساس الأمريكية، مع مجموعة من زملائه، من اكتشاف البروتين «CTLA-4» الذي يعمل على فرملة الخلايا التائية(خلايا الدم البيضاء)، والذي استغل فيما بعدُ لمعالجة بعض الأمراض المناعية. لكن أليسون كانت لديه فكرة أخرى،ألا وهي استغلال هذا النوع من البروتين في المعالجة المناعية السرطانية، باستخدام مضادات موجهة إليه، بغرض كبح عمله وإطلاق الخلايا المناعية لمهاجمة السرطان. وفي سنة 1994، و بمساعدة فريقه البحثي، قام البروفيسور الأمريكي بتجربة نظريته على مجموعة من فئران التجارب المصابة بسرطان الجلد.وقدظهرت نتائج علاجية مذهلة،ساعدت على تطوير علاجات مناعية مبدئية من أجل البشر. وفي سنة 2004 انتقل أليسون من جامعة «بيركيلي-Berkeley» إلى مركز «سلون كيترينغ كانسر ريسيرش-Sloan-Kettering Cancer Research» المتخصص في أبحاث السرطان بمدينة نيويورك، من أجل المشاركة في الاختبارات الإكلينيكية الأولى على المرضى المصابين بالميلانوما الخبيثة (سرطان الجلد)، والتي أسفرت عن نتائج شبه معجزة بالنسبة لمرضى الشكل القاتل من هذا السرطان، والتي كللت بالنجاح 17 سنة من الأبحاث في هذا المجال. وفي سنة 1992، تمكن البروفيسور الياباني تاسوكو هونجو المولود في(27 يناير 1942) بمدينة كيوتو اليابانية، من اكتشاف البروتين «PD-1» الذي يظهر على سطح الخلية التائية (خلايا الدم البيضاء)، و الذي يعمل على فرملة عمل هذا النوع من الخلايا و لكن بميكانيزما أخرى، لا تشبه تلك الخاصة بالبروتين «CTLA-4» من ناحية عملية الكبح. ومنذ ذلك الحين، تم تطوير العديد من مضادات هذا النوع من البروتين، كما تم تسويق نوعين منها، وهما «نيفولوماب-Nivolumab» و «بيمبروليزوماب-Pembrolizumab»، كما طور العلماء بفضل هذه البحوث مضادا لهذا البروتين، يقطع تواصل الخلايا بعضها عن بعض. وقد أكدت البوفيسورة كارولين روبر، رئيسة قسم الأبحاث المختص في الأمراض الجلدية بمؤسسة «غوستاف-روسي;» الفرنسية، التي تسعى لتقديم علاجات مصممة خصيصا لمعالجة أمراض السرطان، أن «هذه المجموعة من العلاجات، قد ساهمت في تحسين الصحة النفسية والجسدية لمجموعة من مرضانا». ومن بين هذه العلاجات، نجد مضاد «ايبيليلوماب- Ipilimumab»، الذي مكن من إعطاء تفاعل ايجابي مع 15% من المرضى، الذين لم تنفع معهم علاجات أخرى، والذي ساهم في معالجة واحد من أنواع خلايا الخبيثة، الذي أصيب به الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، والذي يستهدف الأنزيمات المسؤولة عن عمل البروتين «PD-1».و تضيف البوفيسورة كارولين روبر :»أنه باستخدام مضادات البروتين «PD-1»، فإن نسبة الاستجابة للعلاج، قد تجاوزت نسبة 40%، وإن البعض من مرضانا الذين تجاوزوا الخمس سنوات من العلاج، هم في مرحلة التعافي حاليا، كما أن بعضهم تجاوز العشر السنوات، منذ أن تعافوا، بفضل مضاد «ايبيليلوماب- Ipilimumab». وقد أشاد ايريك فيفيي الاختصاصي في علم المناعة، و الأستاذ بمدينة مرسيليا و الموجه العلمي «لأينات فارما-Innate-Pharma «، باللجنة المسؤولة لاختيار هذا البحث، من أجل الفوز بجائزة نوبل للطب و الفيزيولوجيا لهذه السنة،بأن البحث هو «بشرى سارة لكل من العاملين و الباحثين في مجال المعالجة المناعية للسرطان، و أملا في الشفاء للمصابين بالأمراض السرطانية في كل مكان، وفرصة مهمة لتعزيز البحث العلمي في هذا المجال. وقد أدى العمل الرائد لكل من أليسون و تاسوكو، إلى تحقيق هذا الانجاز المبهر بعد سنوات عديدة من الأبحاث. وهذا يدل على أن الحرية في الأبحاث الدوائية أساس لنجاح كل بحث علمي في هذا المجال». وبفضل أبحاثهما الإعجازية في هذا المجال، تمكن العديد من المرضى من الحصول على أمل أن يتعافوا مما ما يعانونه منه من ويلات الأمراض المناعية السرطانية، لاسيما تلك المرتبطة بالمعالجة المناعية لسرطان الجلد. وعلى عكس ما تسببه المعالجة الإشعاعية و الكيميائية من متاعب للمرضى و ذويهم، فإن المعالجة المناعية لمضادات، كل من بروتينات «CTLA-4» و «PD-1»،ستقدم فرصة لاستهداف الأورام بطريقة غير مباشرة، بفضل تحفيز الآلية المناعية لدى المريض، لتقوم بمهاجمة الورم المستهدف، والتي ستسهم في مد أمد حياة المرضى والتسريع في استشفائهم. وغني عن البيان أن الأبحاث الرائدة التي قام بها كل من أليسون و تاسوكو، قد أفضت إلى تطوير العديد من الأدوية التي ساهمت في معالجة مناعية للسرطان أكثر فعالية، وكذا توفير بديل ناجع يقيهم الآثار الجانبية غير المرغوب فيها للعلاجات الإشعاعية و الكيميائية.