كل ما يفصل محمد مسلم عن قريته في سوريا سلك شائك على حدود تركيا لكن استمرار دوي قذائف المدفعية وطلقات الرصاص يعني أنه لن يعود إلى دياره قريبا. كان مسلم الذي يرتدي ثيابا رثة والذي خط الشيب شاربه هو واحد من بين 150 ألف كردي سوري لجأوا إلى تركيا في الأسبوع الماضي أمام زحف متشددي تنظيم الدولة الإسلامية الذين استولوا على القرى وقطعوا رؤوس بعض السكان في زحفهم نحو مدينة كوباني الحدودية الاستراتيجية. قال مسلم وهو يداعب حبات مسبحته ويتابع الاشتباكات بين المقاتلين الأكراد ومسلحي الدولة الإسلامية في الوادي المقابل للتل الذي يجلس عليه «لا أريد أن أكون في تركيا. أريد أن أكون في قريتي. أريد أن أموت في كوباني.» وأضاف «لو سارت الحرب في صالحنا سأعود بالطبع إلى منزلي. لكن يبدو أن هذا صعب.» وتضغط تركيا التي يقدر عدد لاجئي الحرب الأهلية السورية بها بنحو 1.5 مليون لاجيء على الولاياتالمتحدة وحلفائها لإيجاد ملاذ آمن للاجئين في الأراضي السورية. لكن ذلك سيتطلب وجود منطقة حظر جوي تحرسها طائرات حربية أجنبية. وقال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان -الذي رفض حتى الآن القيام بدور عسكري قيادي في الحملة التي تقودها الولاياتالمتحدة ضد الدولة الإسلامية- إن القوات التركية يمكنها المساعدة في إقامة مثل هذه المنطقة. وقصفت الغارات الجوية الأمريكية أهدافا للدولة الإسلامية على بعد نحو 140 كيلومترا إلى الجنوب من كوباني -المعروفة ايضا باسم عين العرب- في محافظة الرقة المعقل الرئيسي للتنظيم في سوريا. وقصفت أمس السبت أيضا مواقع للتنظيم إلى الشرق من كوباني. لكن يبدو أن مقاتلي التنظيم المسلحين جيدا يجبرون مسلحي الأكراد بالتدريج على التراجع حول كوباني مما يثير مخاوف من سقوط المدينة. وأيا كان الحال فإن عمال الإغاثة يقولون إن عشرات الآلاف من اللاجئين الذين عبروا الحدود في الأيام الماضية يمكن أن يبقوا في تركيا طويلا. قال أوميت ألجان الذي يدير عمليات الإغاثة في بلدة سروج الحدودية لحساب وكالة آي.إم.بي.آر التركية «رأيت ذلك في أماكن أخرى على الحدود. توقف القتال لكن الناس يبقون في تركيا.» وأضاف «أعتقد أن الأمر سيكون مماثلا هنا. إنهم لا يعرفون متي يمكن أن تعود (الدولة الإسلامية) من جديد». وأضاف أن جهود الإغاثة التي سعت وكالته للقيام بها في البداية كانت تستهدف مساعدة لاجئين في مساجد ومدارس وحدائق لمدة شهر واحد. سيارات وقطيع هللت جموع من الأكراد السوريين فوق تل تركي عندما تصاعدت سحب الغبار قرب مواقع الدولة الإسلامية عبر الحدود إثر سقوط قذائف عليها لكن في اليوم التالي كسب الجهاديون مزيدا من الأرض. وكان التقدم نحو كوباني هو الأحدث في سلسلة مكاسب خاطفة للدولة الإسلامية التي استولت على أجزاء واسعة من سوريا والعراق. وقالت الأممالمتحدة التي حذرت من إمكانية فرار نحو 400 ألف شخص من كوباني إلى تركيا إن عدد الفارين يجعل تدفق النازحين من المدينة المحاصرة هو الأخطر حتى الآن بفعل الحرب الأهلية السورية. وكثيرون ممن فروا جاؤوا من الريف الفقير وقد اضطروا إلى ترك أغلى ما يملكون وهو قطعان الماشية والسيارات. قال حسين عبد القادر (60 عاما) وهو لاجيء كردي سوري «لا نملك اي شيء هنا ولا يوجد مكان ننام فيه. لو تركونا نجلب سياراتنا سننام فيها.» وتجمعت حشود صغيرة في نقاط العبور على الحدود لتطلب من المسؤولين الأتراك السماح بالعودة لإحضار ممتلكاتهم وسياراتهم التي يرونها بأعينهم عبر السلك الشائك. ومازال اللاجئون يتدفقون على تركيا وبعضهم يسوق أمامه قطيع من الماشية. وقال فاروق جيليك وزير العمل التركي الذي زار المعبر الحدودي إن السلطات ستبدأ السماح بدخول الماشية والسيارات. حدود لا معنى لها ويتمركز الجيش التركي في مواقع بأراض مرتفعة على الحدود ويمكن رؤية الخطوط الأمامية للدولة الإسلامية بوضوح. وتقوم مدرعات الجيش بدوريات على الحدود لكن المدافع التركية مازالت صامتة لأن تركيا لا تريد الانزلاق إلى الحرب. وأثار الصراع جذوة الغضب الدفين لدى أكراد تركيا الذين يسكنون أجزاء واسعة من جنوب شرق البلاد ويتهمون أنقرة بمساندة المتمردين الإسلاميين في محاولة لاخماد التمرد المستمر منذ ثلاثة عقود من جانب الأكراد الذين يضغطون من أجل المزيد من الحقوق. وتدفق آلاف ألأكراد من مختلف أنحاء تركيا على الحدود في الأيام القليلة الماضية وأقام بعضهم في ما يشبه مخيمات اللاجئين تضامنا مع النازحين الأكراد. وأطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع مرارا لتفريق المحتجين منهم. قال سونجول مورسومبول الذي نظم احد الاحتجاجات «أسرنا وأصدقاؤنا هناك في كوباني. هذه الحدود لا معنى لها بالنسبة لنا... لكن الدولة تهاجمنا بالغاز وتقول لنا أنتم إرهابيون.» غادر ابن وابنة جميلة جوناي منزل الأسرة في مدينة مردين في جنوب شرق تركيا للقتال ضد الدولة الإسلامية قبل أربعة أشهر ومنذ ذلك الوقت لم تسمع عنهما شيئا سوى إشارة سريعة في تقرير تلفزيوني. وتمضي جميلة ساعات الليل نائمة تحت الأشجار الصغيرة في حقل يطل على الحدود مع عشرات الأكراد الآخرين وتقول «أحيانا أتصور كما لو أنهما جاءا قرب الحدود وأنني رأيتهما بعيني.» وأضافت «طبعا الأمر صعب... عندما أسمع قذائف الدبابات قلبي ينفطر. (لكن) شرف لي أنهما يقاتلان. شرف للأمة (الكردية).» وتنفي الحكومة التركية نهائيا أنها تدعم متشددي الدولة الإسلامية لكنها تخشى أن يكون من شأن تسليح الأكراد تقوية شوكة حزب العمال الكردستاني الجماعة المتشددة التي تجري معها أنقرة مفاوضات من أجل اتفاق سلام ينهي 30 عاما من التمرد. وتعتبر الجماعة الكردية الرئيسية المسلحة في شمال سوريا (وحدات حماية الشعب) وثيقة الصلة بحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرةوالولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية. وقال جندي تركي يشارك في دورية على الحدود رافضا الإفصاح عن اسمه «(الوضع) صعب جدا بالنسبة للجيش التركي. الدولة الإسلامية خطيرة جدا. لكن وحدات حماية الشعب خطيرة جدا أيضا.»