تأوي إفريقيا أكبر عدد من الشباب، إذ يقدر عدد السكان الأفارقة، الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما بنحو 200 مليون نسمة. ويشكل الشباب الإفريقي 40 في المئة من الساكنة التي توجد في سن العمل،غير أن الآفاق التي يتيحها نمو اقتصادي ضعيف ومرتبط بتقلبات أسعار المواد الأولية في السوق العالمية ضئيلة، إن لم تكن شبه منعدمة في بعض البقاع الإفريقية، الشيء الذي يجعل الشباب الإفريقي فريسة سهلة لحركات التمرد بكل أنواعها، وتربة خصبة للجماعات المسلحة والإرهابية وعصابات ترويج المخدرات والهجرة وتجارة البشر. أمام هذا الوضع، تبدو إشكالية هجرة الشباب الأفارقة كقنبلة موقوتة، سواء بالنسبة لدول القارة أم بالنسبة للجارة الشمالية (الاتحاد الأوروبي)، الذي أصبح القلق من هذه الهجرة يغذي لديه الكوابيس. في هذا السياق، وضع الاتحاد الإفريقي معالجة هذه المعضلة من بين أولوياته، كما أنها تتصدر جدول أعمال الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، والتي جعلت موضوع الشباب والهجرة محور قمتها الحالية، المنعقدة يومي 29 و30 نونبر في أبيدجان. واكتست مشاركة المغرب في هذه القمة أهمية خاصة، نظرا لكون عاهل البلاد، بصفته رائد الاتحاد الأفريقي في موضوع الهجرة، يتولى الإشراف على إعداد الخطة الإفريقية الموحدة في هذا المجال. ففي سياق التوجه الجديد لرئيس الاتحاد الإفريقي، والقاضي بتكليف كل رئيس دولة من الرؤساء الأفارقة بمهمة محددة، اختير العاهل المغربي الملك محمد السادس لقيادة ملف الهجرة اعتبارا لتجربة المغرب المتعددة الأبعاد في التعاطي مع هذه الإشكالية ومسبباتها. ومنذ تولي الملك محمد السادس لهذه المهمة، أطلق مبادرة على مراحل، تتغيا إعداد رؤية واضحة وشاملة في مجال الهجرة بإفريقيا، في أفق القمة المقبلة للاتحاد الإفريقي المرتقبة في يناير 2018. وفي هذا السياق، قدم الملك محمد السادس للرؤساء والقادة الأفارقة في يوليوز الماضي، خلال القمة 29 للاتحاد الإفريقي، ورقة أولية حول قضايا الهجرة، والتي تضمنت معطيات ميدانية، وخلاصات شكلت قفزة نوعية في تناول قضية الهجرة في إفريقيا، وغيرت الكثير من التصورات المغلوطة، والرؤية النمطية السائدة حول هذه الظاهرة، كما تعهد الملك محمد السادس بأن يقدم للرؤساء الأفارقة، خلال القمة المقبلة للاتحاد، رؤية واضحة وشاملة، ومقترحات عملية من أجل صياغة خطة عمل إفريقية بشأن الهجرة. واختار جلالته في هذا السياق، اعتماد مقاربة تشاورية وتشاركية في إعداد هذا التصور، وذلك عبر فتح المجال لجميع الفاعلين، من حكومات، ومجتمع مدني، ومنظمات دولية، للمشاركة والمساهمة فيها عبر تقديم رؤاهم وتصوراتهم. وشكل ملتقى "الخلوة الإفريقية حول الهجرة"، الذي احتضنته الصخيرات نهاية أكتوبر، وشارك فيه خبراء وباحثون وأكاديميون ونشطاء المجتمع المدني إلى جانب مسؤولين حكوميين وممثلي المنظمات الدولية، إحدى حلقات هذه المبادرة، والذي ستليه مشاورات رسمية على مستوى وزراء الخارجية الأفارقة. وتتجه المبادرة الملكية في مجال الهجرة في إفريقيا نحو إخراج مقاربة هذه الظاهرة من التصورات النمطية السائدة، من خلال دحض مجموعة من المغالطات. فالهجرة الإفريقية، هي أساسا، هجرة داخلية بين الدول الإفريقية. فمن بين زهاء 9 مليون مهاجر في منطقة غرب إفريقيا، تشير الإحصائيات إلى أن 1.5 مليون فقط غادروا القارة، في حين بقي 7.5 مليون في دول المنطقة. ومن هنا تكتسي التجربة المغربية في التعامل مع المهاجرين الأفارقة وِفق مقاربة إنسانية إدماجية، أهميتها كنموذج للتعامل مع الظاهرة على المستوى الإقليمي والقاري والدولي، إضافة إلى البرامج المغربية في مجال التنمية البشرية والتنمية القروية، والرامية إلى محاربة الفقر وتثبيت السكان عبر خلق أنشطة مدرة للدخل وتوفير خدمات التعليم والصحة. و تشير المعطيات الواقعية للهجرة إلى أن "التمييز بين بلدان الهجرة وبلدان العبور وبلدان الاستقبال" فيه الكثير من المغالطة. فالبلدان الأوروبية بدورها تعتبر مصدرا مهما لتدفقات المهاجرين، كما أن بعض البلدان التي تعتبر بلدان عبور، اتضح أنها في الواقع بلدان استقبال مثلما هو الحال بالنسبة للمغرب، كما أن الهجرة لا تشكل "مصدر تفقير" بالنسبة للدول المستقبلة، بل هي مصدر ثروة، كما يتضح من مساهمة المهاجرين المغاربيين والأفارقة في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية وفي نزيف الأدمغة الذي تعاني منه الدول النامية لفائدة الدول المتقدمة. وتكتسي المبادرة الملكية حول الهجرة في إفريقيا أهمية خاصة في سياق الحوار الأوروبي الإفريقي، والذي يتجاذبه هاجسان: "هاجس التنمية" من الجانب الإفريقي، و"الهاجس الأمني والقلق من الهجرة" في الجانب الأوروبي. وتهدف المبادرة الملكية إلى تكوين رأي إفريقي موحد ومرافعة إفريقية قوية لصالح التنمية في إفريقيا، وهو ما تأكد خلال القمة الأوروبية الإفريقية المنعقدة في أبيدجان، والذي سيبرز أيضا بجلاء خلال الحوار الرفيع المستوى حول الهجرة الذي ستنظمه الأممالمتحدة في دسمبر 2018، والملتقى العالمي حول الهجرة والتنمية، الذي سيلتئم في المغرب خلال العام المقبل تحت الرئاسة المشتركة للمغرب وألمانيا.