أمر قاضي التحقيق بالمحكمة الاستئنافية بتطوان، يوم الخميس 19 أكتوبر الجاري، بإيداع متهمين اثنين في ملف ما أصبح يعرف إعلاميا «بالكواز ومن معه»، السجن المحلي بتطوان«الصومال»، ومتابعتهما في حالة اعتقال، فيما قرر متابعة خمسة متهمين آخرين في حالة سراح مع إغلاق الحدود في وجه متهمة واحدة بينهم. وجاء قرار قاضي التحقيق بعد الاستماع طيلة يوم الخميس إلى سبعة متهمين في هذا الملف العقاري، الذي صنف كأكبر فضيحة عقارية بالشمال، من بينهم ثلاثة عدول وموثقان اثنان ومحافظ سابق للمحافظة العقارية لتطوان وزوجة أحد الموثقين، والتي توبعت في حالة سراح بعد إلزامها بدفع كفالة مالية قدرها عشرة ملايين سنتيم مع إغلاق الحدود في وجهها وإخضاعها للمراقبة القضائية، فيما قرر إيداع موثق وعدل السجن المحلي بتطوان، ومتابعتهما في حالة اعتقال ومتابعة المتهمين الآخرين في حالة سراح. ومباشرة بعد إصدار قاضي التحقيق قراره هذا، الذي جاء بعد ملتمس الوكيل العام للملك إيداع المتهمين بالملف السجن، بناء على نتائج التحقيق التي كانت أجرتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في الملف، طعن محامو الموثق والعدل المعتقلين في قرارات قاضي التحقيق أمام الغرفة الجنحية، بسبب توفرهما على الضمانات الكافية لحضورهما أمام المحكمة، خاصة وأنهما استجابا تلقائيا لطلب المثول أمام قاضي التحقيق ولم يغادرا أرض الوطن رغم طول المدة التي عرفها الملف في ردهات المحكمة. من جانبها قامت النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بتطوان باستئناف قرار قاضي التحقيق القاضي بإخلاء سبيل المتهمة الوحيدة في الملف بعد دفعها للكفالة، حيث تطالب النيابة العامة بمتابعتها بدورها في حالة اعتقال. وينتظر أن يواصل قاضي التحقيق الاستماع إلى باقي المتهمين في جلسة يوم 26 أكتوبر الجاري، قبل عرض الملف على أنظار المحكمة للتداول والفصل في هذا الملف الذي طال تداوله منذ 2015. وتعود فصول قضية «الكواز» لشهر ماي من العام 2015 حينما اكتشف عدد من الأشخاص من مدن مختلفة، أنهم سقطوا في عملية نصب قام بها المتهم الرئيسي محمد الكواز، بعد اقتنائهم لشقق بمركب سياحي بالقرب من» كابو نيغرو» وآخر بمنتجع «أمسا» ضواحي مدينة تطوان، إذ تبين أن كل شقة بيعت لثلاثة بل وحتى أربعة أشخاص، من خلال تسجيل كل عقد من العقود لدى موثق مختلف حتى لا ينكشف نصبه، أوإنجاز عقود عدلية، أو عقود مصادق عليها لدى السلطات المحلية . إلا أنه ومع بداية صيف 2015 وانتهاء الجزء الأكبر من الأشغال بالمركب، حج أصحاب الحقوق لتسلم منازلهم، لكنهم فوجئوا بوجود شركاء في ذات المنزل، لتنشب معارك ضارية بين الضحايا أنفسهم في محاولة كل واحد منهم بالظفر بالشقة، بل منهم من استعمل «البلطجية» للسيطرة على الشقة المفترض ملكيته لها. ومع انفضاح القضية بادر المتهم الرئيسي إلى الفرار خارج أرض الوطن تاركا وراءه مجموعة من الضحايا من بينهم مسؤولون أمنيون وقضاة وأشخاص نافذون لم يستطيعوا تقديم شكاياتهم بالنظر إلى وضعياتهم المهنية والإدارية، هذا إلى جانب مجموعة كبيرة من الضحايا الذين تقدموا بشكايات مباشرة في مواجهة الكواز ومن معه. غير أن نقطة التحول في الملف هي عودة المتهم الرئيسي إلى أرض الوطن صيف هذا العام واعتقاله بداية شهر يوليوز المنصرم وسط مدينة طنجة، ليتم فتح تحقيق قضائي معه من طرف مصالح الشرطة القضائية بتطوان، والذي خلال التحقيق معه لم يترك أحدا ولا اسما إلا ذكره، في محاولة منه «إغراق السفينة» بما حملت، وهو أمر كان متوقعا من قبل، حيث كشف عن أسماء جديدة لبعض المنعشين العقاريين، شاركوا معه، حسب قوله، في عملية النصب، إضافة إلى منتخبين ومسؤولين ببلدية مرتيل، إلى جانب أسماء أخرى معروفة من بينها موثقون وعدول، كانت المصالح الأمنية والنيابة العامة قد استمعت لهم من قبل في ذات الملف. لكن اللغز المحير في هذه القضية، والذي لم تستطع مصالح الشرطة القضائية بتطوان فكه، يبقى هو اختفاء المبالغ المتحصل عليها في عملياته التدليسية الاحتيالية، خاصة وأنها تعد بالملايير بالنظر إلى عدد الضحايا في الملف، والتي لم يظهر لها أثر «بعد حين»، بالنظر إلى أن بطل الملف « محمد الكواز « أصبح مفلسا ولم يجد المحققون في رصيده البنكي سوى مليون سنتيم بإحدى وكالات البنك الشعبي بمدينة تطوان، ومبلغ ثلاثة ملايين سنتيم نقدا وجدت بحوزته لحظة اعتقاله بمدينة طنجة، بالإضافة إلى شقة بشارع الجيش الملكي والتي يقتسمها مناصفة مع زوجته، فأين تبخرت كل هذه الملايير ومن هي الجهة التي خططت لهذا الصعود والهبوط المفاجئ؟ وهو الأمر الذي دفع النيابة العامة بمحكمة الاستئناف إلى الاستعانة بخبرة وتجربة الفرقة الوطنية للشرطة القضائية للتحقيق بشأنها.