يبدو أن خالد بوطيب، بعد تألقه في مباراة الغابون، كان محظوظا بتواجد مدرب آمن بقدراته، حيث أن هيرفي رونار لم يهتم بكل الانتقادات التي تم توجيهها للاعب، كان يعلم بخبرته باللاعبين وبنظرته التي لم تخطئ، أن بوطيب يحتاج إلى مزيد من الوقت لإبراز مواهبه وقدرته على التهديف وإخراج الهجوم المغربي من عقمه الذي طال، وعلم بحكم التجربة، أن هدافا جديدا قادما سيعوض كل النجوم التي حملت القميص الوطني. لم يكن هيرفي رونار الوحيد الذي صبر وانتظر، ولكن بوطيب بدوره تحمل كل الانتقادات وقاومها بصبر رغم صغر سنه، ورفض أن يستسلم، لأنه كان يعلم أن الانتقادات تبقى واحدة من إكراهات اللعبة، وأن اللاعبين الكبار غالبا ما يولدون وتنفجر قدراتهم ومواهبهم من رحم الضغوطات والانتقادات. أراد بصبره أن يؤكد للجميع، أنه الكرة المغربية ليست عقيمة، وأن من أنجب نجوما كبارا قادر على خلق الخلف. انتظر طويلا، وكان ينتظر الفرصة الكبيرة التي يكذّب بها كل الكلام الذي قيل في حقه، أكيد أنه كان غاضبا، لكنه لم يكن يملك حلا آخر سوى الصبر والاجتهاد، وجاءت الفرصة، ولم تكن كأي فرصة عادية في مباراة عادية أو أمام منتخب عادي. كان عليه أن يقاوم الجميع في لحظة حاسمة، لحظة لم يكن مسموحا فيها بالخطأ، لحظة انتظرها شعب بكامله وليس الفريق الوطني أو مدربه، لحظة جاءت مع ما يقارب ربع قرن من الانتظار لكبر معه الحلم. لم يكن الأمر سهلا، لأن بوطيب كان مطالبا بتحدي ذاته أولا، والخصم الذي كان في مواجهته، خصم كان له نفس الطموح للتأهل إلى المونديال. ولأنه محارب من نوع خاص، فقد اختار «أم المعارك»، لأن المحارب الحقيقي يختار دائما المعارك الكبرى/الحاسمة، وليس صغارها، حيث يمكن لأي كان أن يتقمص دور البطل. من غير الطبيعي أن ينظر للأهداف الثلاثة التي سجلها بوطيب وكأنها عنوان لقيمته كلاعب محترف، ولكنها أيضا، كانت درسا منه ومن المدرب هيرفي رونار، درس في الصبر والعمل والثقة، عناوين صنع اللاعبين المتميزين. لم يكن هيرفي الوحيد الذي آمن بقدرات اللاعب، ولكن أيضا، المدرب كريستوف بيليسيي الذي تنبأ عام 2014 بقيمة اللاعب حين قال لجريدة ليكيب الفرنسية.. «لديه مهارة فنية جيدة، ويتمركز جيدا داخل رقعة الميدان…لقد حافظ على عقليته الهاوية، وهذا ما أحبذه في شخصه. يتوفر على روح عالية.» مشكلتنا في هذا الوطن العزيز، أن الجميع يفتي في ما يعلم وما لا يعلم، ويحصر أمور الكرة وعطاء اللاعبين بعيدا عن ما خفي من أمور، لأن لاعب الكرة ليس مفصولا عن عالمه الكبير، وهنا يقول بوطيب لموقع «راسينغ» الفرنسي «…» الجمهور لا يرى إلا الوجه الإيجابي لكرة القدم… نعم، تمر عبر شاشة التلفزيون، توقع للمحبين ، وتعيش عيشا كريما. هناك أيضا، الوجه الخفي، وجه التضحيات. أنا أب، ولم أرى ابني مدة طويلة. لا أحب أن اشتكي من الأمر، لأنه ليس من طبعي، لكنني جلدت كثيرا.» هذه هي الحقيقة التي يجب أن يعلمها من لا يحسنون سوى جلد الآخرين، وهي درس لو تعلّمناه جيدا ستكون كرتنا/رياضتنا بخير، وقِسِِْ على ذلك ما تبقى بعيدا عن الكرة.