إعادة بناء الجيش المغربي، انطلقت بشكل جدي منذ هزيمة معركة « إيسلي « أمام الجيش الفرنسي، أي منذ عهد السلطان المولى عبد الرحمان، ثم السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان (الذي يعتبر مؤسس الجيش المغربي النظامي المخزني الموحد الحديث والذي استمر حتى سنة 1912)، ثم السلطان المولى الحسن الأول، الذي كان أكبر من استعان بالخبرة الأجنبية رسميا لإعادة تدريب وتنظيم وتحديث الجيش المغربي، خاصة الفرنسية والإنجليزية. وتضم أرشيفات الخارجية البريطانية، آلاف الوثائق التاريخية حول الصراع المفتوح آنذاك بين باريس ولندن للهيمنة على السوق المغربية في مجال الأسلحة والتدريب والتكوين والتأطير. بل إن عددا من هؤلاء الضباط الأروبيين، منهم فرنسيون وإنجليز وألمان وإيطاليون، قد اعتنقوا الإسلام وأصبحوا »مغاربة«، علما أن النفوذ الذي كان لهؤلاء الضباط الأجانب في القصر السلطاني، كان كبيرا ومؤثرا. كان »الجيش المغربي«، تقليديا، يتكون أساسا من أبناء قبائل مخزنية بعينها ظلت تتوارث ما يمكن وصفه تجاوزا ب » مهنة الجندية «، ولم يكن يتجاوز عددها أربع أو خمس قبائل ( نذكر منها أساسا قبائل الشراگة، الأوداية، الشراردة وأبناء »أهل سوس« الذين كانوا في فاس ومراكش والرباط. وكانت قبائل الأوداية موزعة على وادي مكناس، والرباط، والحوز. فيما الشراگة كانت موزعة على 5 قبائل هي: أولاد جامع، حميان، بني عامر، بني سنوس والسجاع. أما الشراردة فأغلبها من أصول صحراوية، وكانت تتكون من 7 قبائل كأولاد دليم، الشبانات والزرارة، وأغلب هذه القبائل كان موزعا بين سهل الغرب ومنطقة أمزاب في سهل الشاوية، ثم الرحامنة)، قبل أن يقوض المولى سيدي محمد بن عبد الرحمان ذلك، في أواسط القرن 19 ويحد من نفوذ » المخازنية «، كي يفسح المجال لظهور مهنة جديدة هي «العسكر «. ومسألة المصطلحات هنا مهمة، لأنها تحدد أدوارا ووظائف. وكان «العسكر» يتكون من كل أبناء القبائل الداخلة في نفوذ بلاد المخزن (وبعضها كان حتى من بلاد السيبة التي يحكمها قواد جبابرة )، التي أصبحت تشكل الجيش النظامي للدولة. ضمن هذه التراتبية المعقدة لتنظيم القوة، وكيفيات استعمالها لضمان الأمن والطاعة والنفوذ، تذكر هذه المصادر قسما عسكريا خاصا، كان له نفوذ قوي، هو «الحرس الشريفي». الذي يمكن اعتباره كتاب شجرة أنساب «الحرس الملكي» اليوم بالمغرب. مع فارق أساسي، هو أن «الحرس الشريفي»، كان له نفوذ أمني وسياسي واقتصادي كبير، بينما «الحرس الملكي» منذ دفع لإعادة تنظيمه الماريشال ليوطي، في العقد الثاني من القرن العشرين، بعد احتلال المغرب، قد أُفرغ من دوره النافذ سابقا. وحوَّلَ الماريشال الفرنسي ذاك دوره إلى دور بروتوكولي محض. ومع توالي إعادة بناء الجيش الملكي بالمغرب بعد الاستقلال، ظل «الحرس الملكي» نوعا من الأرشيف الحي الوحيد، الذي يتحرك فوق الأرض، لما كان عليه شكل الجيش المغربي خلال القرون الثلاث الماضية، على مستوى اللباس والنظام وشكل الإنضباط. أي «جيشا» قريبا من خدمة السلطان في حياته اليومية. فيما أنيطت المهام الأمنية الخاصة بالجالس على العرش، لفرق أخرى، لعل الأكثر قوة منها اليوم (منذ سنوات الإستقلال الأولى، وما بعد الانقلابين الفاشلين ضد الملك الراحل الحسن الثاني سنتي 1971 و 1972) هي الدرك الملكي. - م - ]. لقد سعينا، في البداية، [لعدم إحراج الحكومة الشريفية وعدم استثارة رد فعل عنيف من الإنجليز ]، إلى أن نحصر مهمة تعاوننا العسكري في وجدة أولا، ثم ننتقل بعد ذلك إلى الرباط. كان فريقنا التأطيري العسكري، مكونا في البداية، من الكابتان باييرن من المدفعية. واليوتنان جورني، من جيشنا الجزائري (يطلق عليهم لقب «الزواوي». وهم مميزون بلباسهم العسكري الخاص)، وكلا الرجلين متمكن من اللغة العربية، علما أن واحدا منهما كان خبيرا محنكا في قادفات الصواريخ. مثلما كان هناك أيضا، اليوتنان، المتخصص في المدفعية، إيركمان، وطبيب شاب هو الدكتور ليناريس الذي سيقضي حياته المهنية كلها بالمغرب. مثلما كان هنالك عدد من ضباط الصف الذي أكملوا فريق التكوين. لقد كان «الحرس الشريفي»، الذي يعتبر الشكل الأولي للجبش المغربي، يمتلك نفوذا قويا، كونه الوحيد الذي كانت له القوة لصناعة «الحكومة المخزنية» خلال القرن 19 وبدايات القرن 20. وكان يتكون أساسا من عبيد بخارى، وله ترتيب نظامي صارم، يعود إلى قرون سالفة. أو كما يقول «أوجين أوبين»، في كتابه عن المغرب، فقد كانت تلك الحكومات حكومات عسكرية تماما، بالمعنى الكلاسيكي للكلمة. لكنه ابتداء من عهد المولى الحسن الأول ثم خليفته المولى عبد العزيز، الذي ظلمته، كما قلنا مرارا، الكثير من المصادر التاريخية (خاصة الفرنسية المرتبطة بالخطة الإستعمارية لباريس لاحتلال المغرب، التي مهدت الطريق لاستعماره عبر خلق أسباب أزمة تدبيرية واقتصادية خانقة كانت التربة المحلية مساعدة لها على مستوى ضعف الإدارة المخزنية، ثم الدفع نحو أزمة سياسية مدمرة ). تغير، إذن، دور «الحرس الشريفي»، نظرا لتعقد أساليب التسيير الحديثة آنذاك، التي كانت لا تتساوق وأسلوب التدبير المخزني المتبع في ما قبل. وكان نظام التدبير يتوزع في البلاط الشريفي إلى مستويين (تدبير تسيير الشؤون الملكية للقصر/ ثم تدبير تسيير شؤون الدولة). وكلا الفريقين التدبيريين يتبعان مباشرة للسلطان، ومقرهما في «دار المخزن» ( أي القصر ). من الحرس الشريفي إلى القوات المسلحة و»الحرس الشريفي»، كان مسؤولا مباشرا عن تنظيم الأمن الداخلي ل «دار المخزن» والأمن الخاص للسلطان، وأسلوب تدبير الحياة اليومية داخل القصر. وكان النظام موزعا على «حنطات» محددة الأدوار والمهام، منها المكلف بالأمور الخارجية لدار المخزن (تنظيم اجتماعات السلطان مع وزرائه وقواده وعلمائه وباقي رعاياه. وكذا تنظيم اللقاءات مع السفارات الأجنبية). ومنها المكلف بالأمور الداخلية لدار المخزن، وهنا كانت ل «الحرس الشريفي» أدوار واضحة. كان هناك «حاجب» له سلطة مطلقة وقوية في سيران ذلك النظام الداخلي الصارم والمتداخل لدار المخزن، وكانت تتبع له أربع حنطات رئيسية، هي: «مالين الوضوء»، «مالين أتاي»، «مالين لفراش»، «مالين السجادة». وكان أغلب هذه «الحنطات» يتكون من العبيد السود، الذين ولدوا في القصر وكبروا فيه، ما عدا «مالين الوضوء « و «مالين لفراش».. فقد كان عدد» مالين الوضوء» أكبر، ويشكلون «أعوان الديوان الشريفي» وكان يعين الحاجب عليهم خليفة له يكون مسؤولا عن عملهم. فيما «مالين لفراش» كانوا يتكونون أساسا من أفراد عائلات بعينها من قبائل مخزنية تتوراث تلك المهمة. فيما يكون أصحاب «موالين السجادة» مختارين من الشرفاء العلويين، يقودهم قواد بالتناوب، مهمتهم هي حمل سجادة الصلاة السلطانية، وتحديد مواعيد الصلاة بدقة، وهي المهمة التي يقوم بها فريق من «الموقتين» ( أي المكلفين بتحديد الوقت، وقت الصلاة ). وإذا كان » الحاجب « مسؤولا عن كل هذه المهام الداخلية، فإن إدارة المهام الخارجية ل «دار المخزن» كانت تتبع ل «قائد المشور»، الذي يكون تابعا لإحدى القبائل المخزنية النافذة، التي لا تخرج عموما عن بقايا وتشعبات قبيلة «بخارى» من العبيد السود. وأن يكون ذلك «القايد» بالضرورة من فريق «المْسَخْرينْ» الذي يشكل عصب «الحرس الشريفي». كانت أكبر «الحنطات» التابعة ل «قائد المشور «، هي «حنطة مالين الروى» ( أي المسؤولين عن الإسطبل السلطاني بخيله وبغاله)، ومهامهم تتحدد في رعاية خيول وبغال السلطان، التي تكون تتجاوز في الإسطبل الواحد 250 جوادا مغربيا أصيلا، يهدي منها السلطان لمن أراد من القواد أو الشرفاء أو السفراء أو الملوك الأجانب، أحسنها وأطهمها ذات النسب المغربي الأصيل. وكانت هناك عدد من الإسطبلات الملكية موزعة على مناطق بعينها في المغرب، يحرسها ويرعاها «الحرس الشريفي» ( لا يزال هذا الدور من مهام «الحرس الملكي» إلى اليوم ). من تلك الإسطبلات الشهيرة نذكر: إسطبل الحياينة عند حجرة الشريفة قرب فاس، ثم إسطبل العرائش، وإسطبلات عبدة، الرحامنة، دكالة والشاوية، التي تربى فيها الخيول والبغال السلطانية (اليوم، هناك ذات الإسطبلات، يضاف إليها إسطبلات بوزنيقة والمنصورية وإيفران). مثلما تتبع ل » قايد المشور « فرقتان هامتان من الناحية الأمنية والخدماتية، الخاصة ب «دار المخزن» هي فرقتي «المشاوري» و « المسخرين». ( والمسخرين، نظام تدبيري يعود إلى عهد السعديين، وكانوا مميزين بلباس خاص، وبشاشية بها قوس ونجمة. ولم يستعيدوا مكانتهم إلا في عهد المولى الحسن الأول. مثلما كان لهم دور عسكري أيضا في بعض المعارك، ويعرفون أيضا ب «أصحاب العباس» نسبة لقائد من قوادهم الذي قادهم إلى الانتصار خلال القرن 18 زمن سيدي محمد بن عبد الله على قبائل آيت يوسي الأمازيغية المتمردة. وبقي ذلك اللقب لصيقا بهم حتى بداية القرن العشرين ). علما أن عدد «المسخرين» في بداية القرن العشرين كان حوالي 3 آلاف مسخري، يشكلون العصب الأهم ضمن «الحرس الشريفي». لا بد من تسجيل أمر هام، هو أن «قياد الرحى» الذين يشرفون على «المسخرين» يتبعون مباشرة إلى وزير الحرب، مما يعني أن «الحرس الشريفي»، كان جسما عسكريا ضمن الجيش المغربي. وكانت ضمنهم محلات أخرى، مثل: «مالين المكحلة»، «مالين السكين»، «مالين لفردي»، و «مالين المحافة» (مالين المحافة هم المكلفون بكل ما هو ألبان وأجبان)، ثم «مالين المظلة» الذين مهمتهم محددة في حمل مظلة السلطان والعناية بها وحسن استعمالها ضد حر شمس الصيف واتقاء أمطار فصل الشتاء. ثم «المزاگرية» الذين مهمتهم الترويح عن السلطان من لفح الحر وإبعاد الذباب عنه في ترحاله وأثناء خرجاته العمومية، وهم الذين في عهد الملك الحسن الثاني رحمه الله كنا نشاهدهم في التلفاز أثناء حفلات الولاء، يطوون جانبا من سلاهيمهمالبيضاء الرقيقة والنظيفة ويهشون بها في الهواء. كل هؤلاء الجند والخدم من «الحنطات» التابعة ل «قايد المشور» هم الفرق المصاحبة مباشرة للسلطان في كل تحركاته خارج القصر. وكانوا مميزين بلباسهم الخاص، الذي يتكون من «فرجية» بيضاء ناصعة، عليها برنس يتبدل حسب الفصول، حيث يكون خفيفا وشفيفا في الصيف وثقيلا في الشتاء، وألوانه لا تخرج عن الأسود والأحمر والأصفر والأخضر الفاتح (ولكل لون معنى ودرجة في التراتبية) ثم الشاشية على الرأس. وكان هذا اللباس جد متناسق وجميل. ولا يزال إلى اليوم اللباس الخاص بفرق «الحرس الملكي» جد مميز، ويترجم فعليا، أنهم «الأرشيف الحي الوحيد»، لما كان عليه شكل الجيش المغربي خلال القرون الثلاث الماضية، على مستوى اللباس والنظام وشكل الانضباط. دروس الهزيمة أمام فرنسا وإسبانيا وإذا كان لمعركتين خسرهما المغرب في ايسلي سنة 1845 مع فرنسا في الجزائر، ومع اسبانيا في تطوان سنة 1860 أثرهمها الكبير في إعادة تنظيم الجيش المغربي، فإن السلطان المولى محمد الرابع هو الذي حاول، بسبب الأثر السيء الذي خلفته الهزيمتان، «الخروج بالجيش المغربي من الأسلوب المتوارث في الشكل فوضع نظاما جديدا وخط له أسلوبا متجدد، حيث اعتبر أن «نتائج المعارك ليست نتيجة تفوق معنوية الجيش أو ضعف معناوياته ، ولكنها نتيجة ضعف الأسلوب ومدى صلاحية تطوره. وهذا هو اهم مفهوم ادخل النظام العصري على الجيش ، وهذا ما جعلنا ندرك بوضوح أن عهد الحسن الأول قد تميز بعوامل هزت الجيش عامة و الجندي المغربي بصفة خاصة من الأعماق باعتبار جلالته عمل على : 1 - تكوين الأطر العسكرية خارج المغرب في العلوم و الفنون الحديثة و التخلص العسكري . 2 - أسس المدارس و المؤسسات التعليمية لهذا الغرض كالمدرسة المركزية ومعهد المدفعية بالجديدة. ومع ذلك، فإن هذا المشروع لم يكت له النجاح بسبب الظروف الداخلية في عهد السلطانين المولى عبد العزيز والمولى عبد الحفيظ، والضغوط الاستعمارية التي كان يمارسها جيش الحماية الفرنسية. ورغم تأسيس القوات المسلحة في 22 مارس 1956 ، في سياق أعقب ما قام به جيش التحرير المغربي وتفاعله مع حركات التحرير، فإن المغرب لم يتسن له التوفر على سلاح يسمح له بالانتقال من الجيشالتقليدي إلى الجيش الحديث إلا بتوفره على سلاح الطيران في نونبر 1956؛ وفي هذه المحطة لم تكن هناك قوات جوية بالمعنى الكامل للكلمة، إذ بعد أن عهد محمد الخامس إلى ولي عهده مولاي الحسن رئاسة أركان الحرب العامة، أحدث هذا الأخير »الطيران الملكي L›aviation Royale« ضمن القوات المسلحة الملكية. ومثل أي مولود، فإن هذا «الطيران الملكي« سرعان ما انسلخ عن الإطار الضيق ليصبح أحد أعمدة الجيش ويحمل اسم القوات الجوية الملكية. وهذا ما سنوضحه من خلال تحقيب مسار هذه القوات إلى ثلاث حقب: الحقبة الأولى: من 1956 إلى 1963، الحقبة الثانية: من 1964 إلى 1976، الحقبة الثالثة: من 1976 إلى 1984، الحقبة الرابعة: من 1984 إلى اليوم. وقد انشغلت القوات الجوية الملكية في المرحلة الأولى بأسئلة التكوين والبنية التحتية والتجهيزات وبالتداريب بحكم أن الطيران عموما، والطيران الحربي خصوصا، يتطلب مستويات تعليمية عليا وقدرات فكرية لم تكن تتوفر في المغرب آنذاك بسبب الانتشار الفظيع للأمية وغياب الأسس المؤهلة لتخريج الأطر. المغرب المستقل ورث عن فرنسا الفيلق الجوي الأول le 1er Escadron الذي سلمه الجيش الفرنسي للمغرب في شتنبر 1957. وكبداية جعلت القوات الجوية من القاعدة الفرنسية BA150بالرباط السويسي وحدة مستقلة تحت وصاية المكتب الثالث للجيش. في 1960 قعد مولاي الحسن الأسس الأولى للقوات الجوية الملكية عبر تحويل الفيلق إلى المجموعة الجوية الأولى للجيش groupement aérien. وعهد إلى المكتب السادس بأركان الحرب العامة تدبيرها. ونظرا لاستعجالية التكوين طلب المغرب مساعدة دول فرنسا وإسبانيا وأمريكا. وأرسل المتدربين إلى مدارس عسكرية بفرنسا وإسبانيا. بالموازاة مع ذلك، تم فتح مدرسة لضباط الصف بالقاعدة الجوية بمراكش (BERP) عام 1961. الفوج الأول من التلاميذ الضباط سمي »فوج محمد الخامس« وتم إرسال 12 منهم إلى بروفانس بفرنسا، فيما أرسل 12 آخرون إلى سان خافير بإسبانيا. أما الفوج الأول للتلاميذ ضباط الصف الذين تم انتقاؤهم عام 1957-56 فتم تقسيمهم إلى قسمين: التلاميذ الربابنة أرسلوا للتدريب على الطيران إلى مدارس Aulnat بفرنسا واستكملوا تدريبهم بالقاعدة الفرنسية BA707 بمراكش للحصول على ديبلوم ربان الدرجة الأولى. أما أولئك الموجهين للطيران الحربي فالتحقوا بمدرسة الطيران بمكناس. والمتخصصون في النقل التحقوا بمدارس Avord بفرنسا، فيما أرسل التقنيون من براعم الجيش الملكي إلى Rochefort بفرنسا أيضا للتخصص. وبخصوص التجهيزات، ورثت القوات الجوية ما تركته القوات الفرنسية وما تركته شركة »طيران الأطلس«. وكان الأسطول آنذاك يتكون من: تسع طائرات من نوع موران MS733 طائرة واحدة من نوع DC3 4 طائرات من نوع بروسار هيلوكبتر واحدة من نوع Allouette II هيلوكبتر واحدة من نوع Bell626 ونظرا لقلة الأسطول عمل الجيش الملكي على شراء أربع طائرات حربية من نوع Seafury يوم 30 أبريل 1960 سلمت للمغرب بحضور ولي العهد الأمير مولاي الحسن. كما اشترى الجيش 12 طائرة حربية من نوع ميج 17 وطائرتين من نوع ميغ 15 الروسية عام 1961، وهي الطائرات التي وصلت إلى قاعدة بنسليمان مفككة وتم تركيبها هناك لمدة ستة أشهر بمساعدة ضباط روس. ولم يكتف المغرب بهذا العدد، بل مضى في سياق تجهيز القوات الجوية عبر شراء 11 طائرة نقل من نوع C119 وأضاف لها 7 طائرات أخرى. وفي عام 1962 حصل المغرب على 10 طائرات نقل أخرى من أمريكا من نوع C47 لتضاف إلى الأسطول المهدى من طرف فرنسا عام 1961 والمتكون من 30 طائرة تدريب و13 طائرة من نوع Brossard. وعلى مستوى البنية التحتية، كانت النواة الأولى التي تركها المستعمر لا تستجيب لانتظارات دولة مستقلة. وهكذا قرر محمد الخامس نقل الفيلق الجوي الأول الموجود بقاعدة الرباط (BA150) إلى القاعدة الجوية سلا (BA151) والتي تغير اسمها يوم 18 غشت 1960 لتحمل اسم »القاعدة الجوية الأولى للقوات المسلحة الملكية (1er BAFAR). وبذهاب الطيران الفرنسي الذي كان يسمى (Air Maroc) يوم 1 أكتوبر 1960 عهد الجيش إلى إحداث قاعدة جوية ثانية بمكناس (BA708) مجهزة بطائرات ميغ 15 و17 وتم خلق قاعدة المدارس الملكية للطيران بمراكش BA707)). وباندلاع حرب الرمال بين المغرب والجزائر عام 1963 ستطوى صفحة ليس في تاريخ سلاح الطيران فقط، بل في تاريخ القوات المسلحة الملكية ككل. إذ أظهرت هذه الحرب وجاهة الاختيارات المتخذة في التكوين واقتناء الطائرات التي كان لها دور في انتصار الجيش الملكي على عسكر الجزائر. ومع ذلك كانت الحرب فرصة لاستخلاص الدروس، ومن أهمها أن سلاح الطيران بدأ يشتد عوده ليتقرر يوم 1 يناير 1964 إطلاق اسم القوات الملكية الجوية بدل الطيران الملكي للقوات المسلحة الملكية. ومنذ ذاك التاريخ تم تغيير لون القوات الجوية ليصبح هو الأزرق بدل اللباس الرمادي في الشتاء و»الكاكي« في الصيف. المرحلة الثانية ركز فيها الحسن الثاني على تعميم المدارس ومراكز التكوين وإرسال مائة متدرب مغربي عام 1964 إلى أمريكا للتدرب على الطائرة الحربية ذات محرك F5. من بين المدارس التي فتحت، نذكر مدرسة تكوين ضباط الصف التقنيين بمراكش (BERP) التي أصبحت تحمل اسم قاعدة مجموعة المدارس الملكية الجوية (BGERA) عام 1968. والأكاديمية الملكية للطيران (ARA) المحدثة عام 1970 التي ستحمل عام 1973 اسم المدرسة الملكية للطيران (ERA) والتي تعد من بين المدارس المهمة بالمغرب لأنها تسمح تكوين الضباط في الطيران من جهة وتهيء المتعلمين لولوج كبريات المدارس الأجنبية. وانطلاقا من عام 1964 غيرت القواعد الجوية اسمها لتصبح القواعد الجوية للقوات الملكية الجوية (BAFRA)، وتم إحداث وحدات جوية جديدة وهي: المعمل والمخزن العام للقوات المسلحة الملكية (AMG/FRA) بالدارالبيضاء المحدث يوم 1 يناير 1966 ويتكلف بتموين القوات الجوية وإجراء عمليات الإصلاح والصيانة الكبرى للطائرات والهيلوكبتر. (تم ترحيل هذه القاعدة إلى مدينة بنسليمان بعد قرار الملك محمد السادس في يوليوز 2005 فتح منطقة جديدة للتعمير في قطب أنفا). القاعدة الجوية الثالثة بالقنيطرة يوم 1 أبريل 1967 التي آوت في البدء الطائرات المقاتلة من نوع F5 قبل أن تصبح قاعدة القنيطرة متخصصة في النقل انطلاقا من عام 1972 في ما تم تحويل الطائرات المقاتلة إلى القاعدة الجوية الثانية بمكناس. أما على مستوى القيادة فتم تعيين ليوتنان كولونيل إدريس نمشي رئيسا للمكتب السادس للجو يوم 23 دجنبر 1963. وفي عام 1964 تم تحويل هذا المكتب إلى قيادة عامة للجو داخل القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية. ومن حيث الجانب الإنساني, تميزت هذه المرحلة بتدخل القوات الملكية الجوية في عام 1965 في وجدة وبني ملال بسبب كثافة الثلوج. ودوليا، ساهمت هذه القوات في العمليات الإنسانية أثناء فيضان جربة بتونس عام 1965 وفي تكوين المظليين للجيش المالي بباماكو عام 1966. كما كانت للقوات الملكية الجوية أدوارا بارزة لفك الحصار عن الفلسطينيين أثناء أحداث بيروت عام 1970 عبر الجسر الجوي بين المغرب ولبنان بواسطة طائرة C119 التي كان يقودها آنذاك الليوتنان أحمد بوطالب (حاليا جنيرال دوديفيزيون وهو المفتش العام للقوات الملكية الجوية). وبخصوص المرحلة الثالثة، فإها تبدأ مع اندلاع حرب الصحراء، ويمكن حصرها من 1975 إلى 1984، أي في ذروة المواجهة مع الجزائر والبوليزاريو. إذ أن شساعة الأقاليم الجنوبية ودفع الجزائر للبوليزاريو لتكوين مجموعات على شاكلة حرب العصابات يتسللون من عدة نقط، قاد المغرب إلى رفع السرعة في تطوير سلاحه الجوي عبر اقتناء طائرات جديدة، ليس لسحق الجيش الجزائري (مثلا معركة أمغالا 1 وأمغالا 2 وعناصر البوليزاريو فقط، بل واقتناء طائرات الاستطلاع والنقل لتأمين تنقل الجنود بسرعة وتنقل الذخيرة والقيام بالمسح الجوي لتأمين مرور القوات البرية أو مطاردة جنود الجزائر والبوليزاريو. وبالنظر إلى حاجيات توظيف الأطر بالقوات الجوية، قام الحسن الثاني عام 1975 بخلق المعهد الملكي التحضيري لتقنيات الطيران لفتح شهية طلبة الباكلوريا شعبة الرياضيات ليتوجهوا نحو الأقسام التحضيرية للمدارس الملكية للطيران. في نفس السياق، تم إدخال تعديل على مدرسة الطيران، حيث لم تعد تضم فقط الضباط الطيارين، بل تم خلق شعبة الميكانيك (عام 1979) و»تيليميكانيك« (عام 1980)، نظرا لتزايد الأسطول وحاجة الجيش إلى الصيانة. وبسبب أن الحرب في الصحراء تقتضي الدقة في الآليات، قام المغرب عام 1979 بخلق مركز المعايرة للقوات الجوية الملكية (Centre de metrologie)، بحكم أن الجيش المغربي كان يعتمد منذ الاستقلال إلى عام 1979 على خبراء أمريكيين في المعايرة. لكن في أبريل 1979 سيتسلم ضباط مغاربة المسؤولية في هذا المركز الذي يلعب دورا محوريا في سلامة الملاحة الجوية العسكرية عبر التأكد من سلامة المعدات المستعملة وصيانتها. موازاة مع ذلك، تم إحداث مطارات عسكرية في العيونوالداخلة وإنزكان، إذ كان لهذه المطارات أدوار هامة على المستوى اللوجيستيكي والحربي، خاصة بعدما تقرر اتخاذ أكادير كقيادة جنوبية لإدارة العمليات العسكرية بالصحراء. المرحلة الرابعة أتت بفضل التراكم الذي تحقق على امتداد السنوات الثلاثين منذ استقلال المغرب، انتبه المغرب إلى أن موجة الجفاف القاسية التي عرفها بين 1978 و1982 تستدعي الاستعانة بالخبرة العسكرية، وهو ما أدى إلى بداية التفكير في »إنتاج« الأمطار الصناعية. وبعد اقتناع أصحاب القرار بوجاهة الطرح، تم تكليف القوات الجوية الملكية بإعداد دراسة حول برنامج الغيث، وهو البرنامج الذي امتد من عام 1984 إلى 1989 بمساهمة مهندسي الأرصاد الجوية ووكالة »Usaid« الأمريكية. وفي عام 1990 تم تكثيف الدراسات والأبحاث، حيث دامت إلى عام 1995 وأتمرت عن دخول برنامج الغيث حيز التنفيذ عام 1996. في هذه السنة خصصت القوات الجوية الملكية طائرة من نوع »ألفا جيت« لتوضع رهن إشارة برنامج الغيث سبعة أيام على سبعة، وطيلة المدة الفاصلة بين نونبر وماي من كل سنة لتخصيب السحب وتحقيق المطر الصناعي بتنسيق مع الأرصاد الجوية بحكم أن هذه المديرية الأخيرة تتوفر على آليات الرصد والتوقع. وبعد نجاح التجربة بالمغرب، تم تصدير هذه التجربة إلى بوركينافاصو عام 1998، فيما أضحى حضور القوات الملكية الجوية مألوفا في السينغال منذ عام 2005 إلى اليوم لتخصيب السحب وتحقيق المطر الصناعي بهذا البلد.