بصرف النظر عما تؤول إليه عملية الموصل صلاح الدين، فإن ما لم يكشف عنه الاعلام الرسمي ليست داعش إلا عبارة عن ستارة لنهضة مسلحة ضد الظلم والطغيان والتفرقة الطائفية، والفساد والوصاية الايرانية على النظام السياسي في بغداد. لقد فقد العراق قراره المستقل ودولته التي هي أقدم دولة عربية بعد التحرر من الحكم العثماني، كما فقد جيشه الباسل الذي كان ينظر إليه على أنه درع للدفاع عن وطنه والجيش العربي الأقوى الاحتياطي للقضية العربية. لقد أراد الأمريكان من قدومهم الى العراق، تحقيق الهدف الاول، هو قضاؤهم على هذا الجيش الذي وصفه دبليو بوش بجيش جوج وياجوج وتحويله هذا الجيش الى مرتزقة ومليشيات والى جيش مهزوم علما بأنه لم يحظ بمعركة حقيقية مع الأمريكان بسبب ظروف لا تزال حتى الآن مجهولة، وإن كانت المعلومات كشفت عن مواجهات بطولية في البصرة والحدود الكويتية والناصرية. وبعد سقوط الدولة العراقية بدأ الأمريكان بالتعاون مع ملالي إيران بتقسيم المجتمع الى ملل وطوائف بعد أن عاش قرونا طويلة بالتآخي والتسامح بين أديانه وطوائفه المختلفة، وخطط لإقامة دولة مسخ قائمة على المحاصصة الطائفية، وهي حالة استثنائية. فقد عاش السنة والشيعة خلال قرون تقاليدهم ومذاهبهم وتسامحهم، وتمكنوا من بناء نموذج عائلي بين هذه الطوائف . ففي العراق ليس مثيرا للاستغراب، قبل زمن الشيطانين الاكبر وذيله الشيطان الأصغر الإيراني، أن يكون الشيعي متزوجا من سنية وله أولاد ، والسني متزوجا من شيعية وله أولاد كذلك. وهذه حالة المجتمعات العريقة والمجتمع العراقي من أعرق المجتمعات، ولكن الممارسات الطائفية التي سادت طيلة المرحلة الماضية بعد 2003 ،كان سببها الصراع الدامي على السلطة بين القيادات التي شكلت العملية السياسية، مستندة الى دستور هزيل لا يطبق منه إلا ما يرى الطائفيون أنه ما يحقق مصالحهم. وساد للأسف الشديد الاضطهاد لعدة مكونات من المجتمع العراقي، مما أثر على نزوح أكثر من خمسة ملايين عراقي الى خارج العراق، إذ نهبت بيوت وتم الاستيلاء على ممتلكات مواطنين وكذلك نهبت كنائس ودمرت مساجد، واعتدي على الحرمات. ولم يكن الشعب العراقي ما عدا الفئة الحاكمة سعيدا بما يجري على أرض العراق. ومن هذه النافذة الطائفية السياسية تسللت إيران وأصبحت شريكة في الحكم، وأصبح المفوض السامي قاسم سليماني يداوم في بغداد هو وميليشياته أكثر من دوامه في طهران، وذلك باسم وحدة المذهب والدفاع عن العقيدة. لقد مر العراق خلال السنوات الاخيرة من أسوأ مراحله وتطوره بعد أن كان قد بلغ مرحلة من التقدم قبل 2003 ، وهكذا أصبح العراق في مرحلة تشبه الى حد كبير بفترة هي الأسوأ، أي بفترة هولاكو فقد اعتمدت السلطة الانتقام والتصفيات والسجون وسرقة المال العام ،وانعدام التعليم ونقص الخدمات .فهل يصدق إنسان أنه بعد عشرة أعوام لم تستطع الدولة تأمين الماء والكهرباء والعراق خارج الحصار وميزانيته تقدر بالمليارات؟ إذن لابد أن يأتي هذا اليوم الذي انتفضت فيه غالبية المحافظاتالعراقية مطالبة بالحساب. الثورة العراقية الآن هي ليست ثورة داعش، وإنما هي ثورة شعب ظلم مع سبق الاصرار وبددت ثرواته أمام عينيه وجرحت كرامته وانتهكت سيادته، وأدير بأسوأ إدارة من قبل مفوض سام اسمه المالكي، نيابة عن ولي الفقيه في إيران، إيران الدولة الجارة التي يفترض فيها ان تكون العمق الاستراتيجي للعراق والدول العربية الاخرى. ولكن مع الأسف الشديد تتخذ من القضية الفلسطينية دعاية كاذبة للضحك على العقل العربي للسيطرة على البلاد العربية، وفي الجانب الثاني تواصل تحالفها مع امريكا واسرائيل لتخريب البلاد العربية والتدخل في شؤونها الداخلية، بحيث لم تسلم دولة عربية واحدة من التدخل اليومي في شؤونها الداخلية، وكأنها تنتقم لثأر قديم أطاح بإمبراطورتيها القديمة. كاتبة وصحفية