قرر الفريق الاشتراكي والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس المستشارين، تنظيم يوم دراسي مشترك حول مشروع القانون المالي لسنة 2014 في تزامن مع انطلاق دراسته بلجنة المالية واللامركزية والتجهيزات الأساسية بمجلس المستشارين. ويأتي هذا اليوم الدراسي المشترك في سياق التفعيل العملي للتعاقد الذي تم توقيعه بين الحزبين الوطنيين العتيدين: حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والذي تضمن بالإضافة إلى المبادئ العامة التي تجمع الحزبين الحليفين والمشروع الوطني الذي يؤطر رؤيتهما، برنامجا وخطة نضالية للعمل المشترك على كافة المستويات وفي كافة المجالات. وفي هذا الإطار فإن الفريقين الاشتراكي والاستقلالي، قررا الشروع في تنفيذ ما اتفق عليه الحزبان من كونهما: «يلتزمان بالعمل معا على التنسيق في كل ما يتعلق بمقترحات ومشاريع القوانين المطروحة على البرلمان، سواء تعلق الأمر بالقوانين التنظيمية، أو ما يتعلق بالتقطيع الترابي وأنماط الاقتراع، وبالإصلاحات السياسية والإدارية المطروحة، من أجل بناء الدولة الديموقراطية». وباعتبار مشروع قانون المالية هو المحدد العملي للسياسات العامة التي ستعتمد طيلة السنة، فإن الفريقين البرلمانيين قررا تنظيم هذا اليوم الدراسي المشترك للمزيد من توحيد الرؤية، وتدقيق التحليل في ما أتت به الحكومة الرجعية من إجراءات تراجعية ولا شعبية، وتوحيد الصفوف لمواجهة تدبيرها الارتجالي. ويطمح الفريقان في أن يشكل هذا اليوم الدراسي المشترك، منطلقا فعليا لما التزم به الحزبان من أنهما «سيتحملان بشكل مشترك، مسؤوليتهما، لتقديم بدائل عن السياسات الارتجالية للحكومة، سواء في إصلاح صندوق المقاصة وأنظمة الحماية الاجتماعية، وغيرها من الإجراءات التي عمقت الأزمة، وزجت ببلادنا في دهاليز المديونية، والزيادة في الأسعار وتنامي البطالة وجمود الأجور». كما أن هذا اليوم الدراسي يأتي بعد أن واجهت فيه أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزبا الاتحاد الاشتراكي والاستقلال، مضامين مشروع القانون المالي بمجلس النواب، لكن الحكومة الرجعية أبانت عن تصلب ورعونة في مواجهة اقتراحات المعارضة التي بلورها نوابها في شكل تعديلات كان بإمكان التعامل الإيجابي معها أن يجنب فئات واسعة من الشعب المغربي ما ستعانيه من جراء المس بقدراتها ومكتسباتها. وسيكون اليوم الدراسي فرصة سانحة للاستعداد للجولة الثانية من المواجهة على مستوى مجلس المستشارين، والتي سيركز الفريقان خلالها على توحيد تعديلاتهما والدفاع عنها بكل وطنية وإخلاص حماية لمكاسب الشعب المغربي، ودفاعا عن الفئات الاجتماعية الهشة وتقوية للاقتصاد الوطني، واستحضارا لمتطلبات الأجيال القادمة. كما أن تنظيم هذا اليوم الدراسي من شأنه أن يوفر مادة أساسية للوثيقة التي التزم الحزبان بإعدادها، والتي تتضمن «رؤيتهما الموحدة لمعالجة مجمل الإشكاليات الاقتصادية، المتعلقة بإصلاح القطاع الاقتصادي في جوانبه الفلاحية والصناعية والتجارية والخدماتية والاجتماعية، والتي تخص قضايا التشغيل والسكن والتعليم والتكوين والصحة والمرأة والشباب والطفولة والثقافة، والتي تهم أيضا الهوية المغربية العربية والأمازيغية، في إطار الإسلام الوسطي المعتدل، وبما يكرس حريات الإبداع والتفكير والتعبير، بالإضافة إلى الإصلاحات السياسية، التي تهم بناء الدولة الديمقراطية الحديثة». وعليه فإن لقاء دراسيا يضم برلمانيي الحزبين وقيادتهما السياسية وأطرهما الاقتصادية، من شأنه إغناء الرؤية الجماعية المشتركة للحزبين في أفق الوصول إلى توحيد المقاربة وصياغتها بالشكل الذي يجعل منها أرضية سياسية واجتماعية متكاملة لمواجهة نكوصية الحكومة الحالية، وكشف أكاذيبها للشعب المغربي الذي استغفلته بمعسول وعودها خلال انتخابات 25 نونبر 2011. إن الميزة الأساسية لمشروع قانون المالية لسنة 2014 هي المنحى التراجعي في محاولة يائسة وغير ناجعة لكبح عجز الميزانية بالشكل المطلوب، وبما يتناسب مع حجم التحديات في السنة القادمة أكبر. ومن هنا فإننا نعتبر إلغاء 25% من النفقات الاستثمارية المبرمجة بميزانية الدولة لسنة 2013، وعدم إنجاز سوى 30% من الباقي في نهاية شهر شتنبر، مؤشرا سلبيا في تعاطي الحكومة. كما أن المشروع يأخذ منحى تراجعي على مستوى التوظيف العمومي، حيث إنه بعد 26084 سنة 2012 و24290 سنة 2013 لن يتجاوز عدد المناصب المالية 17975 خلال سنة 2014. وهو ما يدحض ادعاء الاهتمام بالشأن الاجتماعي في اهتمام الحكومة، مع العلم أن ما يقرب من 15000 منصب ستعوض فقط العدد الذي من المنتظر أن يحال على التقاعد. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن الموارد ستنخفض بما يناهز 7% مقارنة ب 2013، وسعي الحكومة إلى تعويض ذلك من خلال الاستمرار في تضريب نفس الطبقات الاجتماعية، بل والزيادة في الضغط الضريبي عليها من خلال توسيع الوعاء الضريبي للضريبة على القيمة المضافة... فإننا نفهم أن الحكومة تختار الحلول المبسطة والسهلة وتنهج سياسة التفقير والإنهاك الاجتماعي. إن المتتبع للقرارات التي اتخذتها الحكومة الحالية في كل قوانين المالية لما بعد 2011 ، بما فيها مشروع الميزانية الحالية، يستنتج أن هناك تراجعا مجحفا عن الالتزامات التي قامت بها الحكومات السابقة منذ التناوب، خاصة في إطار الحوار الاجتماعي ل26 أبريل. فقد استنزفت الزيادة التي تقررت في الأجور والمعاشات بفعل الرسوم التضامنية ورسوم التسجيل والضريبة على السيارات، والزيادة في المحروقات ومساهمات التغطية الصحية وما سيتم من زيادات في الضريبة على القيمة المضافة والزيادة في مقاييس التقاعد وارتفاع أسعار المنتجات الفلاحية ... كل هذه السياسات التراجعية واللاشعبية تتم في الوقت الذي جمدت فيه الحكومة الحوار الاجتماعي، وضربت في الصميم الحريات النقابية وأرهبت الأجراء والموظفين عبر الاقتطاع من أجورهم لثنيهم عن الاحتجاج والمطالبة بالإشراك والحوار... إننا في الفريقين الاشتراكي والاستقلالي سنواجه مشروع هذه الميزانية التراجعية والمحدودة الأفق، بما يمليه علينا موقنا في المعارضة وبما يتماشى مع توجهات حزبينا المعارضين للسياسات التفقيرية وللفوارق الاجتماعية على مدى عقود من عمل المعارضة الوطنية من داخل البرلمان وخارجه، بكل مسؤولية ومصداقية وروح وطنية عالية.