يعاني أفراد العديد من الأسر المغربية، في صمت شديد، من أمراض مزمنة، يكلف ثمن علاجها ، أحيانا، ما يفوق الدخل القار لهذه الأسر، فلا يتسنى لهم سوى الاستسلام والعيش تحت وطأة الآلام العضوية والمعنوية بشكل خاص. خالد، نورة ومريم، هم أمثلة حية لمعاناة مستمرة مع مرض تآكل الغضاريف، وهو حالة مرضية تتآكل على إثرها «الغضاريف» أي المادة الموصلة بين مفاصل الجسم، و تولد هذه الحالة لدى المصاب الإحساس بتخدير على مستوى أعضاء جسمه، إضافة إلى اختلال في المشي والشعور بوخز، وبما أن الأعراض قليلة، فإن خطورة المرض تزداد. منذ أن بلغ خالد، نورة ومريم ثماني سنوات، اكتشفت حينها الأم إصابة أبنائها الثلاثة بهذا المرض، فما كان لها سوى أن تكافح و تعمل ليل نهار على توفير مصاريف العلاج والقوت اليومي لأسرتها الصغيرة، خاصة أن الأم هي المعيلة الوحيدة لهذه العائلة في ظل عطالة يعيش تحت وطأتها الأب منذ زمن غير قصير. بعد أن أجرت كل الفحوصات اللازمة، اتضح أن العلاج الوحيد للحالة المرضية لأبنائها هو اتباع حصص الترويض الطبي، التي حسب تصريح الأم ل «الاتحاد الاشتراكي»:« زادت الأمور سوءا، و لم تحدث أي تغيير إيجابي على الحالة الصحية لأبنائي » . ونظرا للتكاليف الباهظة لحصص الترويض الطبي بالمصحات الخاصة، و صعوب إجرائها بالمستشفيات العمومية، إن لم نقل استحالتها، طرقت الأم باب إحدى الجمعيات المكلفة بالأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، من أجل الاستفادة من مجانية العلاج، كي تذخر مصاريف تمكنها من دفع أجرة الغرفة التي تكتريها وتأوي أسرتها، والكائنة بمجمع دور الصفيح «الهراويين» بالدار البيضاء. هكذا، تجد هذه الأم نفسها مجبرة على قضاء وقت طويل في خدمة أبنائها الثلاثة البالغين حاليا ، على التوالي، ( خالد21 سنة ، نورة 19 سنة، مريم 14 سنة ) ، لأنهم شبه عاجزين عن القيام بأدنى نشاط أو حركة، في وقت تحتاج لأن تعمل قصد توفير القوت اليومي لهذه الأسرة. هي ظروف قاسية، جعلت الأم مشتتة بين المسؤوليات الملقاة على عاتقها، مهملة بذلك نفسها، رغم أنها تعاني هي الأخرى من فقر الدم. فما يشغلها هو خوفها على أبنائها من المجهول، حيث تريد أن تؤمن حياتهم، تحسبا لطوارئ الزمن المُغيِّرة للمسارات اليومية للإنسان في كل وقت وحين. في انتظار أن يظهر بصيص ضوء وسط العتمة الحالكة التي ترخي بظلالها القاتمة على هذه الأُم المناضلة، من خلال التفاتة رأفة من قبل جهة مسؤولة ، تبقى يوميات هذه الأسرة تمتح إيقاعها من اليأس والإحباط واجترار الألم والعجز!