هذا المؤلف ليس سيرة حقيقية وكفى، إنه كذلك دريعة اتخذناها للحديث ليس على السي بوكماخ فقط ، ولكن عن كل أولئك البوكماخيين الذين تفانوا في تعليم أبناء هذا الوطن، دون انتظار مقابل أو مكافأة؛ كتلك التي منحت للمقاومين؛ ومع ذلك فالمدرسون يعتبرون مقاومين، يطاردون الجهل داخل المدن وفي بقاع نائية من هذا البلد، دون المطالبة بتعويضات النقل ، أو بسيارات الخدمة التي يتبختر داخلها العديد من أطر الجماعات والعمالات والمقاطعات، مع أن أغلبيتهم لم يتجاوز مستواها الثقافي الثانوي، إضافة إلى أن سيارات الخدمة لا تخدم إلا مصالحهم الخاصة. هذا المؤلف ليس سيرة فقط ? كنت أقول ? وإنما مطية للوقوف على مواضيع وقضايا، يظن أصحابها أن التاريخ غفل عنها، فقط لأنها تربوية وليست سياسية. و أؤكد أن هذا المؤلف لا يمثل ربما إلا وجها من الوجوه العديدة لحياة السي أحمد بوكماخ، نظرا لغياب المراجع ولرفض من يتوفرون على البعض منها بمحيطه القريب، لمدنا بها، رغم إصرارنا ومحاولاتنا المتكررة للحصول عليها؛ الشيء الذي قد يكون السبب في سقوطنا في بعض الهفوات. نرجو من القارئ الكريم أن يغفرها لنا إن هي وجدت . لكي يكفر الموظف الثاني بقسم المناهج عن صمته، أخبرني بعدما انتهيت من نسخ عناوين القراءات العتيقة التي أفادني بها، ( أتساءل عن غياب آلة ناسخة بمصلحة وزارية من الأهمية بمكان ) ، قلت أخبرني الموظف أن بإمكاني الحصول على مراجع تهم موضوعي بمعهد التوثيق و الإعلام ؛ الشيء الذي قلل من يأسي و جعلني أتعاطف مع هذين الموظفين الذين يموتان قنطا وراء مكتبيهما في انتظار موتهم الإداري الذي هو التقاعد . وفعلا اتجهت إلى مركز التوثيق والإعلام بإحساس أني وجهت أخيرا الوجهة الصحيحة التي كان من المفروض أن ألجأ إليها مباشرة بعد وصولي إلى مدينة الرباط على الساعة التاسعة صباحا. أشير إلى أني قضيت ما يزيد على ثلاثة ساعات بين إدارتين وزاريتين، واستهلكت نسبة كبيرة من هذا الوقت في محاولة القفز على الحاجز المكون من حراس الأمن الخاص و الشواش والكاتبات، ناهيك عن انتظار الاستقبال من قبل المسؤول الذي، وأنت أمام مكتبه، تتناهى إلى سمعك مكالاماته الخاصة عبر التلفون، أو تجده منهمكا في حديث مع أحد الزملاء دون الأخذ بعين الاعتبار إكراهات زائريه من المواطنين . بناية مركز التوثيق والإعلام، بناية ضخمة، فخمة منزوية في أحد الأحياء الهادئة بالرباط؛ وكأن المسؤولين يسهرون على طمأنينة و هدوء الموظفين به. يستقبلك حارسه الأمني الخاص ليسألك عن الهدف من الزيارة، ثم يطلب منك الانتظار. يغيب بعض الوقت للتأكد من أن المسؤول مستعد لاستقبالك . يعود الحارس الأمني ليدلني عن المكتب المنشود . هو عبارة عن قاعة كبيرة كتب على بابها قاعة للقراءة؛ لكني فوجئت بعد ولوجها أنها لا تتوفر على كتب، ولا على كراسي يمكن استعمالها من قبل قراء مفترضين. قاعة تؤثثها طاولات تحمل حواسب بعضها أخرج ما بأحشائه من أسلاك و البعض لا زال يرتدي تياب المتجر. استقبلتني سيدة ، و بعد الإطلاع على مبتغاي رأيتها تفتح على شاشة حاسوبها موقع الكوكل . فقلت لها: «اسمحي لي سيدتي، أليس بمركزكم مكتبة أو أي وسيلة أخرى تساعدونني بها على الحصول على مراجع تتناول الشخصية التي أنا بصدد العمل حولها؟ أما موقع الكوكل فأنا أعرفه مثل ما أعرف غرف منزلي. لقد طرقته مرارا قبل اللجوء إليكم و لم أجد فيه أكثر من مقالتين إحداهما للناقد عبد الله البقالي و أخرى للسيد أسليم . فأجابتني السيدة أن المركز بالفعل لا يتوفر على مكتبة جادة، وأنهم يستعينون بالأنترنيت للحصول على حاجياتهم من المعلومات؛ و أضافت أنه بإمكاني، ربما الحصول على مراجع بمعهد طارق. ابتسمت غيظا ، خطفت محفظتي وصفقت الباب مغادرا المكان لا ألوي على شيء. وأنا في القطار، خلال عودتي، ظللت أفكر في الجدال الذي يدور بأجهزة إعلامنا، خلال ما يزيد على سنتين، حول الموظفين الأشباح. ليس بالمغرب موظفون أشباح ، فحسب ، بل هناك مؤسسات أشباح . فالموظفون الأشباح نوعان الأول غائب لا يحضر مقر عمله بالمرة؛ لكن اسمه موجود على قائمة العاملين ويتوصل بأجره ، دون أن يقوم مقابل هذا الأجر بأي مجهود. هناك أشباح من نوع آخر . هم موجودون بمقر العمل؛ ولكنهم لا يخدمون المواطن. تجده غالبا بالمقهى المجاور أو بمكتب لأحد الزملاء ، وعندما يلج مكتبه، يعود إليه فقط لإعطاء الانطباع بالقيام بالواجب، أو من أجل استغلال الهاتف. الشيء نفسه يجري على العديد من مؤسساتنا. إنها موجودة على الخريطة الإدارية ، ولكنها لا تقدم أي خدمة تستحق عليها التسمية الملصقة بها والميزانية الموكولة لها. فعندما يسمع المرء «بمركز للتوثيق « . فأول ما يتبادر إلى الذهن هو أنه أمام بنك للمعلومات؛ يوفر عليك التنقل إلى جهات متعددة للحصول على معلومة ما . وعندما تتوجه إلى مصلحة البرامج والمناهج ، من المفروض أن تجد فيها أرشيفا يوثق كل ما راج بالمدرسة المغربية منذ الإستقلال إلى تاريخه من برامج و مناهج . ولكن عندما لا ترضي هذه المؤسسات ولو نسبة ضئيلة من المبتغى، فهذا يعني أنها فارغة bidon كما يقول الفرنسيون. كيف يمكن لإدارات من هذا النوع أن تظل فاتحة أبوابها، وأن تنعم بميزانية دون رقيب و لا حسيب. يجب تصحيح مفاهيمنا أو رؤانا . فوجود موظفين أشباح مرتبط بوجود رؤساء أشباح ، لا يتحملون أي مسؤولية و لا يتخذون أي قرار مسؤول في حق الأشباح التي تحيط بهم . و لا يمكن أن يوجد هؤلاء الرؤساء الأشباح إلا بمؤسسات أشباح.