تعددت في الآونة الأخيرة مطالب أجرأة بنود الدستور المتعلقة بالسياسة اللغوية والدعوة إلى المبادرة بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة. لكن، الملاحظ أن بعض هذه المواقف قد يفهم من بعضها أنها تميل إلى التخندق والانحياز لفصيلة لغوية ضدا على اللغة الأخرى. وإذا كانت بلادنا تاريخيا تتميز بالتعدد اللغوي الخلاق (العربية، الأمازيغية والحسانية)؛ هذا فضلا عن الانفتاح على اللغات الأجنبية، فإن أهم المكاسب التي حققناها تتمثل في الاعتراف الهوياتي بتعددنا الذي يخترق ذاتيتنا الجماعية بعيدا عن الفئوية القاتلة التي تعلي من تراتبية مكون لغوي على حساب مكون آخر. في الفترة الأخيرة، ارتفعت أصوات تطالب بإحداث أكاديمية اللغة العربية تفعيلا للميثاق الوطني للتربية والتكوين وإخراجها إلى حيز الوجود، وهذا مطلب وجيه إذا لم يكن غير موجه ضد مجموعة لغوية أخرى. ونحن إذا كنا نعتبر أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد بجانب الأمازيغية، فإن اللغة العربية بالرغم من ماضيها الزاهر ومكانتها في المشهد اللغوي الإنساني تظل في حاجة إلى تطوير وتجديد، وذلك لن يتحقق عن طريق الدعاوى العاطفية والاعتزاز النرجسي بماضي اللغة العربية. لأن الانحياز لهذه اللغة والوعي المسؤول بأدوارها لن يتحقق إلا إذا تحولت اللغة العربية إلى لغة تواكب حضارة العصر الحديث، وتتفاعل بمرونة مع مجتمع المعرفة والثورة التكنولوجية. ومن هنا تأتي أهمية إنشاء أكاديمية اللغة العربية. لكن السؤال الذي يطرح بخصوص هذه الآليات القاعدية الهادفة إلى تطوير اللغة كما هو الشأن بالنسبة لمكتب التعريب الذي قدم للغة العربية خدمات جليلة، لكنها مع ذلك بقيت على هامش اللغة والحياة، ولم يتم إدراجها في الممارسة اللغوية حتى بالنسبة للكليات التي يتم فيها إعداد أساتذة اللغة العربية. إن الرغبة لا تكفي في فرض لغة ما، كما أن الالتزام عبر تسنين قانون للغة العربية كما يطالب البعض، ليس كافيا لتحصينها وتطويرها، ويحضرني بالمناسبة ما قام به الوزير الأول لحكومة التناوب الأستاذ عبد الرحمان يوسفي الذي وجه منشورا لجميع مرافق الإدارة، يحثها على استعمال اللغة العربية في التراسل بين الإدارات العمومية والمواطنين، لكن جيوب الممانعة قاومت هذه التجربة الديمقراطية كما قاومتها في مجالات سياسية أخرى. إننا من خلال استحضار هذا المثال ندرك أن الرغبة وحدها لا تكفي، إذا لم تتشبع بإرادة الفعل المؤمن بوظيفة هذه اللغة في الحياة والحضارة والمعيش اليومي، وأن نزيل المظلومية عن كل اللغات الوطنية كما قال الأستاذ عبد القادر الفاسي الفهري عن طريق إقرار العدالة اللغوية، وأن نعمل على الدمقرطة والمساواة بين مكونات التعدد اللغوي ونرتقي بلغاتنا الوطنية بعيدا عن التحيز الأعمى بين مكونات مشهدنا اللغوي لأن في السياسة اللغوية العادلة أعز ما يطلب لكي نربح رهان المستقبل من خلال تأهيل لغاتنا، والانفتاح على لغات العالم باعتبارها مدخلا للحاق بالتطور العلمي والتكنولوجي.