استوقفتني هذا الأسبوع الوثيقة التي نشرها موقع ويكليكس المتخصص في تسريب الوثائق السرية الأمريكية، والمتعلقة ببرقية أرسلتها وزارة الخارجية الأمريكية لسفيرتها في القاهرة آن باترسون، مطالبة هذه الأخيرة بالتخلي عن دعم الإخوان، والتوقف عن التصريحات التي تؤدي إلى إثارة الغضب الشعبي في مصر ضد الإدارة الأمريكية. ويقول الموقع أن هذه الوثيقة الحديثة جاءت بعد تصريحات للسفيرة الأمريكية حذرت فيها الجيش المصري من الانقلاب على حكم الرئيس محمد مرسي، وهو ما أثار عاصفة من الاحتجاجات في مصر ضد السياسة الأمريكية. ووفقا للموقع، فإن تقارير السفيرة الأمريكية في القاهرة لوزارة الخارجية تختلف عن تقارير أخرى تصل إلى المخابرات الأمريكية ووزارة الدفاع تفيد أن حكم الإخوان في مصر شارف على النهاية، وأن مساحة الغضب الشعبي ضده في تزايد، وأن الادارة الأمريكية مرغمة على سحب دعمها المطلق للإخوان. وان التقارير التي ترفع إلى المخابرات ووزارة الدفاع تفيد كلها أنه لم يعد من الممكن إنقاذ حكم الإخوان في مصر، وأن الإخوان سيسقطون قريبا، بسبب الغضب الشعبي، والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها مصر وتدفعها للانهيار الشامل. والأمر لا يهم الساحة المصرية فقط ، فالجناح الإخواني في الفضاء المغاربي وصلته رياح وشك انهيار حلم بناء الإمبراطورية التي يبدو أن مخطط التحالف الثلاثي الأردوغاني والقطري بدعم الدائرة الإخوانية العالمية، وبمخطط استراتيجي مع القوى العظمى، ركب فوق أحلام الشعوب في العدالة والحرية والكرامة، من أجل الهيمنة والسيطرة الكاملة على المنطقة وضرب كل البدائل الممثلة في المشروع الديمقراطي الحداثي، مستغفلين الشعوب ومتحدثين باسمها، ومستعملين كافة الوسائل لضرب كل رموز القوى الحية. ويبدو أن الزيارة الفاشلة التي قام بها أردوغان الى المنطقة كانت عنوانا بارزا لانهيار حلم راود من تفننوا في ملء الشاشات الكبرى، وبنفس الوجوه التي تحدثت لغة واحدة في حالة الحرب المعلنة سرا وعلنا من أجل التموقع في المكان الخطأ ، وقتل كل الجهود والنضال الذي خاضته القوى الحية في المنطقة من أجل الانتقال الديمقراطي والتدبير السلمي، بالحوار مرة وبالتصادم مرة أخرى ، تجهض تدابيرها بالفعل لكنها تقوم وتمشي من جديد من أجل الانتصار للإنسان وحقوقه دون إراقة الدماء في ثورة غير محسوبة الآفاق . ونسبت اللحى التاريخ إليها، وحرقت كل كتب التنوير، وزورت الوثائق وحرفت الذاكرة جاعلة الأخضر واليابس في سلة واحدة، وذلك هو قمة الاغتيال السياسي والإجرام الفكري. وساعد هؤلاء من يتربصون بآبار بترولنا وزنكنا وحديدنا وفوسفاطنا وصحرائنا وسمكنا ومياهنا الحلوة والمالحة. ونسي كل هذا الخليط الهجين أن الشعوب التي ضحك على جبينها تعي ما تريد، وأن مجرد استغفالها هو بداية حقيقية لثورة منتجة لوطن بسقف من حديد وركن من حجر، ضد ثورة تبني قصورا من رمال. وذلك هو شعبنا الذي يؤسس للمستقبل ضد من توجهوا به الى القرون الغابرة، وسدوا عليه منافذ الهواء ومنابع المياه وجعلوا ربيعه قاحلا وحلمه كابوسا، وأتوا بالأردوغان ليسلموه مفاتيح البلد ليبني طريقا كجسر لمرور «الجنود العثمانيين» ، ويهدم بعد ذلك الجسر فوق رؤوس ترفض تحقيق حلم الأتراك فوق أرض الوطن. فشل أنصار الإمبراطورية العثمانية وخدام أعتاب الدوائر الإخوانية. واستيقظ أبناء الوطن حاملين شعارات الرفض للمخطط المكشوف، قبل أن تتحدث قنوات الحياد أو المكلفة بمهمة، عن المشروع التوسعي المخدوم من أطراف غير متجانسة توحدها المصالح الذاتية بامتياز، والتي غيبت في ذهنها أن هناك شعوبا في المنطقة يوحدها المصير المشترك والقضية، وحماية الوطن من خفافيش الظلام وتجار الدين ، هؤلاء الذين يحتلون مقاعد تدبير الشأن العام، مؤخراتهم فوق كراسينا وعقولهم مسافرة زادها الدولار المحول بالفعل والقوة الى حساباتها في المدن العالمية الكبرى، وتلك هي قمة بيع الوطن في المزاد السري باسم خونجة المجتمعات الثائرة. ولهذا أقول إن الزمن فضاح.