كنتُ عنونت أولا هذا البحث تحت عنوان: «البعد المحلي والبعد الكوني للرسالة الخاتمة».. هكذا بصيغة هادئة وإثباتية للبعدين معا.. لكن تبين لي وأنا أكتب أن المسألة جدلية.. فهناك من يقول إن الرسالة الخاتمة لها بُعد عالمي فقط.. . وهناك من يرى أن الرسالة المحمدية ليس لها إلا بُعد واحد هو البعد المحلي.. وهناك من له رأي توفيقي حول هذه الإشكالية.. لذلك اخترنا لهذا المبحث عنوانا استفهاميا: هل للرسالة الخاتمة بُعد محلي كما هي حتْما ذاتُ أبعادٍ عالمية ؟ وما القيمة المضافة في إثبات الوجه المحلي للرسالة؟ ألا يحرجنا إنكار المحلية في بعض النصوص الدينية أمام الآخر المُطلع؟ الجواب عن هذه الأسئلة وغيرها سنبسطه فيما يلي من هذا البحث.. . عَوْدٌ على بَدْء قمنا في بحث سابق بتحقيق مفهوم (الإسلام) الذي تبين - فيما اهتدينا إليه من رأي - أنه عنوان لدين الله الواحد وأنه لا ينصرف إلى الرسالة الخاتمة فقط إلا إذا تبين للمعني حقيقتها.. وأن هذه الأخيرة لم تأت لإزاحة و إلغاء باقي الرسالات الإلهية بالقوة و إنما دشنت «عهدا جديدا قوامه قيام دين سماوي إلى جانب الأديان الأخرى - اليهودية والنصرانية- سرعان ما انشأ عالما جديدا هو ما يعرف اليوم بالعالم الإسلامي» كما قال الدكتور عابد الجابري رحمه الله - (3).. دشنت هذا العهد انطلاقا من شبه الجزيرة العربية؛ و ندبت أهل الكتاب والمجوس والمشركين إلى المسارعة للانضمام إليها لما تحمله إليهم من خير.. وقررت أن الحسم النهائي في الخلاف سيكون يوم القيامة: ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى? وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , إِنَّ اللَّهَ عَلَى, كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)(4). وقديما قال الإمام أبو حامد الغزالي : « أن الناس في شأن بعثة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أصناف ثلاثة : من لم يعلم بها بالمرة - أي كأهل أمريكا لذلك العهد - هؤلاء ناجون حتما ( أي إن لم تكن بلغتهم دعوة أخرى صحيحة ). ومن بلغته الدعوة على وجهها ولم ينظر في أدلتها إهمالا أو عنادا أو استكبارا وهؤلاء مؤاخذون حتما . ومن بلغته على غير وجهها أو مع فقد شرطها، وهو أن تكون على وجه يحرك داعية النظر ، وهؤلاء في معنى الصنف الأول. وصنف ثالث بين الدرجتين بلغهم اسم محمد وصفته ولم يبلغهم نعته ، بل سمعوا منذ الصبا أن كذابا مدلسا اسمه محمد ادعى النبوة كما سمع صبياننا أن كذابا يقال له : ( المقفع ) تحدى بالنبوة كاذبا ، فهؤلاء عندي في معنى الصنف الأول ، فإن أولئك مع أنهم لم يسمعوا اسمه لم يسمعوا ضد أوصافه ، وهؤلاء سمعوا ضد أوصافه ، وهذا لا يحرك داعية النظر في الطلب». (5) وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في حَلّ معنى الآية : «على هذا إن أهل الأديان الإلهية - وهم الذين بلغتهم دعوة نبي على وجهها وبشرطها - إذا آمنوا بالله واليوم الآخر على الوجه الصحيح الذي بينه نبيهم وعملوا الأعمال الصالحة ، فهم ناجون مأجورون عند الله - تعالى - ، وإذا آمنوا على غير الوجه الصحيح ، ... فلا ينالهم من هذا الوعد شيء ، بل يتناولهم الوعيد المذكور في الآيات الأخرى ، وكذلك حال الذين يؤمنون بأقوالهم دون أعمالهم ، فإن الإيمان الصحيح هو صاحب السلطان الأعلى على القلب ، والإرادة التي تحرك الأعضاء في الأعمال ، فإن نازعه في سلطانه طائف من الشهوة فإنه لا يلبث أن يقهره .. ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون). هذه الأقوال والتفصيلات إنما هي في المؤاخذة على إتباع دعوة الرسل وعدمها . ولا يعقل أن يكون من لم تبلغهم الدعوة بشرطها أو مطلقا ناجين على سواء ، وأن يكونوا كلهم في الجنة كأتباع الرسل في الإيمان الصحيح والعمل الصالح . إذ لو صح هذا لكان بعث الرسل شرا من عدمه بالنسبة إلى أكثر الناس . والمعقول الموافق للنصوص أن الله - تعالى - يحاسب هؤلاء الذين لم تبلغهم دعوة ما بحسب ما عقلوا واعتقدوا من الحق والخير ومقابلهما...» (6) وكما أن الرسالة الخاتمة تدرجت في تنزيل الأحكام على الأميين (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا)(7) ، كذلك هي متدرجة في دعوة أهل الأديان الأخرى ليدخلوا تحت لوائها متى تبينت لهم حقيقتها..ربما تبينت لبعض أعيانهم لكن العامة معذورون إن أُخفي عليهم ذلك وكانوا عن دراستها غافلين..كما التمس القرآن ذلك العذر للأميين العرب فيما لو كان القرآن نزل على أهل الكتاب أو غيرهم. « فالواقع التاريخي يشهد بأن الإسلام وحده هو الدين الذي لم يكن في نشأته (وليس بعد انتقاله إلى النظام الإمبراطوري) موجها ا لمعاداة أية دولة أجنبية أو محاربتها، وأنه قبل كل شيء ثورة عقلية وروحية واجتماعية على الوثنية العربية ونظام الأرستقراطية التجارية التي كانت لقريش تستعبد به المستضعفين من العرب لصالح أقطابها وتمويل أسرها الكبرى ... وإذن فالإسلام من بين الديانات الثلاث الكبرى هو الذي لم يكن موجها في بدايته لمقاومة أي عنصر أو جنس أو دولة على وجه الأرض، وحروبه التي أعلنها لم تكن إلا دفاعا عن حرية العقيدة التي نادى بها، وبذلك فلم تكن مقاومة الأجنبي من مبررات وجوده بل كان وجوده أو حرية وجوده المبرر لبعض المقاومات التي قام بها في ظروفه التاريخية» (8). فلم تأت الرسالة الخاتمة هادمة لغيرها من الرسالات السماوية وإنما مكملة لها لقوله عليه السلام فيما رواه البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: : إن مثلي و مثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس ُ يطوفون به و يعجبون له و يقولون: هلا وضعت هذه اللبنة قال: أنا اللبنة و أنا خاتم الأنبياء (9) هو عليه السلام اللبنة - يا من يحتكرون الخلاص لأنفسهم لجنسيتهم الدينية (المسلمون !) أو بطاقتهم التعريفية (زيد أو عمرو !) دون الحقيقة الإيمانية أو حقيقة التقوى التي لا يعلمها إلا الله تعالى ! - بل جاءت مركزة في البداية على العرب الأميين وأهل الكتاب المجاورين لهم واكتفت بمراسلة الملوك والأكاسرة ودعوتهم رسميا وبتلطف (هرقل عظيم الروم) إلى الإسلام في صيغته الخاتمة وتحميلهم مسؤولية الأتباع لأن الملوك قديما يملكون سلطة إخفاء أخبار الرسول البعيد. فكيف إذن يكون الأتباع مسئولين في غمرة الجهل والغفلة والعذر؟ هكذا يتبين أن للرسالة الخاتمة بعدين: محلي و كوني مع خاصية هيمنة القرآن على الكتب قبله لكونه معجزة باقية إلى يوم القيامة. قال الله تعالى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }.(10): هيمنةٌ على جنس الكتاب الإلهي ورقابة وشهادة غايتها فتح الحوار على المستقبل من أجل الوصول إلى كلمة سواء.. هكذا فهمنا من خلال البحث. أين يتجلى البعد المحلي للرسالة الخاتمة ؟ لم يكن للعرب الأميين في شبه الجزيرة العربية حين البعثة النبوية ذكرٌ. بل كانوا قبائل تخاف أن يتخطفها الناس من حولها، وتتوزع ولاءاتهم بين الروم والفرس الأمتين العظيمتين في ذلك الزمان.. وكان لأخلاقهم مفارقات: :كان أكثرهم مشركين وكان منهم الحنيفيون والنصرانيون يجمعون في أخلاقهم بين نصرة المستغيث ولهم حلف فضول.. وفي الوقت نفسه كانوا يقطعون الطريق ويأتون الفواحش وكانت الحروب تقوم بينهم لأتفه الأسباب. كان العرب على هذه الحال لما أرسل الله إليهم بكتاب فيه حديثُهم وشرفهم ودينهم : (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم)(11): (يخلق منهم أمة ذات سيادة في الأرض وذكر في الناس. وهو كتاب مفتوح للعقول تتدبره، وترتفع به في سلم البشرية: إن معجزة القرآن معجزة مفتوحة للأجيال، وليست كالخوارق المادية التي تنقضي في جيل واحد، ولا يتأثر بها إلا الذين يرونها من ذلك الجيل). (12) . فمحلية الرسالة الخاتمة نستشفها مما يلي: اللسان العربي للرسالة الخاتمة: يتجلى البعد المحلي للرسالة الخاتمة في كونها أولا نزلت بلسان العرب الأميين: (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى, إِمَامًا وَرَحْمَةً , وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ) (13) الأحقاف. ولم تكن العربية لغة عالمية وكان كثير من الأمم عن دراستها غافلين. وحتى إن كان يعرفها الأعيان والأشراف وعلية القوم فلم تكن في مكنة العامة لأن تعميم التعليم من نتاج الحضارة الحديثة والثورة الصناعية. وكان التركيز على العرب ? الأميين- لمجيء القرآن بلسانهم:(وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا: إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ).(14) . ( والله سبحانه - يقطع الحجة على العرب أن يقولوا: إن كلا من موسى وعيسى إنما أرسلا إلى قومهما. ونحن كنا غافلين عن دراستهم لكتابهم، لا علم لنا به ولا اهتمام . ولو جاء إلينا كتاب بلغتنا، يخاطبنا وينذرنا لكنا أهدى من أهل الكتاب . . فقد جاءهم هذا الكتاب وجاءهم رسول منهم - وإن كان رسولاً للناس أجمعين - وجاءهم بكتاب هو بينة في ذاته على صدقه . وهو يحمل، إليهم حقائق بينة كذلك لا لبس فيها ولا غموض . وهو هدى لما هم فيه من ضلالة). (15) . وفي المقابل نفهم أن الله تعالى يعذر جهل أهل الأديان الأخرى بالقرآن إلى أن تتبين لهم الحقيقة ولا يكفي مجرد السماع، وأن محلية الرسالة المحمدية ليست ظاهرة فقط من تدرجها مع الأميين العرب في تنزيل الأحكام المحمدية وإنما كذلك مع أهل الأديان في اعتناقها بالدراسة وبالإيقان ولا يجوز التقليد للذي له المكنة قبل الاقتناع لأن عبادة الله لا تبنى على التقليد. (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ).(16). بل (فاعلم أنه لا اله إلا الله) (17).. التي من مصادقها العلم والعمل * يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله*.(18) . جغرافية الدعوة الإسلامية: ثم يتجلى الوجه المحلي للرسالة الخاتمة في جغرافية الدعوة الإسلامية في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، المنحصرة في أم القرى ومن حولها: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ) (19)?.. وقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم تتجاوز الدعوة المحمدية جزيرة العرب. فباستثناء إمارة «المناذرة» في «العراق» وكانت عاصمتها مدينة «الحيرة» وإمارة «الغساسنة» في جنوب «الشام» ، كانت هناك إمارات عربية أخرى فى شرقي شبه الجزيرة العربية فى «البحرين» و»اليمن وفى جنوبها الشرقي في «عمان» وكلها أسلمت فى عهد الرسول- صلى الله عليه وآله- وأصبحت جزءًا من الدولة.. وأما بقية شبه الجزيرة فكان يعيش أهلها حياة قبلية؛ حيث يحكم كل قبيلة شيخ هو صاحب الكلمة النافذة والأمر والنهي فيها.. (20) فحتى فارس لم تدخل الإسلام إلا بعد وفاة النبي في معركة القادسية في إمارة عمر بن الخطاب: روى الإمام البخاري، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلى اللّه عليه وسلم، فأنزلت عليه *وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم*(21).. بعد (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُم).. قالوا من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعهم حتى سئل ثلاثاً، وفينا سلمان الفارسي، فوضع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يده على سلمان الفارسي، ثم قال: (لو كان الإيمان عند الثريَّا لناله رجال - أو رجل - من هؤلاء.) (22). إن محدودية جغرافية الدعوة الإسلامية منذ بدايتها إلى انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى لشاهد تاريخي وجغرافي على وجود بُعد محلي للرسالة المحمدية.. مما يقتضي وجود تشريعات تأخذ بعين الاعتبار العرف والبيئة.. وربما لا تكون مقبولة في بيئة أخرى مثل بيئتنا المعاصرة : عُرف الصديق رضي الله عنه وغفر له الذي احتج به يوم السقيفة على الأنصار * إن العرب لن تعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش فهم أوسط العرب نسبا *.(23).. المُقابِل لحديث النبي المحكم والكوني *المسلمون إخوة تتكافأ دماءهم ويسعى بذمتهم (أي عهدهم) أدناهم وهم يد على من سواهم*(24)..مثال صارخ للانحدار من أول يوم بعد عهد النبوة. «الأئمة من قريش» .. أو طوق قريش إذا تناولنا رواية «الأئمة من قريش» (25) من منظور علوم الحديث التي تقسم الخبر إلى ما يجب تصديقه ، وإلى ما يجب تكذيبه، وإلى ما يجب التوقف فيه» فقد قال أهل الاختصاص كلمتهم في الرواية: حديث صحيح أخرجه أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك، والنسائي في سننه، والبيهقي في سننه، والطبراني وغيرهم كلهم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وقد صححه الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة وكذا شعيب والأرناؤوط في تخريجه لمسند الإمام أحمد قال، صحيح بمجموع طرقه (26). فهل تكفي صحتها وهل يكفي ورودها في كتاب البخاري أو غيره, وأنا لا أريد أن أجادل في هذه المسألة وإنما أريد أن أعرف هل هذه الرواية في مستوى رسالة الإسلام العظيمة , وهل يجوز شرعا وعقلا أن نعرض الإسلام في زمان الربيع العربي والديمقراطية وحقوق الإنسان و هيأة الأممالمتحدة والقانون الدولي بمثل هذه الرواية (هبْ أنها صحيحة !): ( الناس تبع لقريش في هذا الشأن ) وفي رواية?:?(? لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان).. و (الناس تبع لقريش مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم) (27). فهذه الروايات - وإن كانت صحيحة بالمصطلح الحديثي- إلا أنها ليست موثوقة عن النبي مائة بالمائة. فالكتاب الوحيد الموثوق هو القرآن الكريم ولا شيء سوى القرآن الكريم. فهي رواية منسوبة للنبي وقد تكون منحولة لتعارضها مع البعد العالمي للإسلام لمن يقول بالبعد الكوني للإسلام فقط. ولولا ذيل الحديث المنذر للأمير المخل بالعدل لوضعتها جانبا: (? الأئمة من قريش إن? لهم عليكم حقا ولكم عليهم حقّ مثل ذلك ما إن استُرحموا فرحموا وإن عاهدوا وفَوا وإن حكموا عدلوا فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). قال النووي في شرحه لصحيح مسلم عند هذا الحديث: هذا الحديث وأشباهه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع زمن الصحابة. فكذلك من بعدهم. انتهى. (28). قال أحد الشيوخ في فتوى معاصرة!! حول صحة هذا الحديث: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد، وأما هل يمكن وقوع ذلك اليوم؟ فنقول: نعم يمكن وقوعه فالأنساب لم تختلط في جميع الأماكن، بل لازال الناس يعلمون أنسابهم ويعرفون قريشاً وغيرها، وقد بينا الأدلة الدالة على كون الأئمة من قريش والسر في ذلك في فتوى سابقة مع التنبيه إلى أنه على افتراض تعذر وجود قرشي في مكان ما فإن أحقيته وولايته تسقط للتعذر، ولم نكلف إلا بما نستطيع، وكذلك لو لم يوجد قرشي كفء لها فإنها تدفع إلى غيره حفاظاً على المصلحة العامة وهي أولى والله أعلم. أما تخصيص قريش بالخلافة فهو اختيار من الله تعالى لهم كما ورد في الأحاديث السابقة الذكر، وكما في قوله تعالى «وربك يخلق ما يشاء ويختار». (29). بعد هذا القول لا أعلم ما مدى جدوى هذا الاستدراك من المفتي المسكين: ?ومع هذا فقد ذكر بعض العلماء السبب في اشتراط القرشية في إمام المسلمين، وهو ما لقريش من العصبية التي تكون بها الحماية والغلبة، إذ هي قلب العرب، ومركز إدارتهم، وقد بين ذلك ابن خلدون في مقدمته بياناً شافياً، وليُعلم أن الإسلام لا يفرق بين الناس بسبب أجناسهم، ولا أعراقهم، بل أساس الإسلام هو القضاء على هذه العصبية ومحو آثارها (30). إن العقل المنصف لا يمكنه إلا أن يرى ثلاثة احتمالات: 1- أن هذه النصوص منحولة مكذوبة عن النبي دست عصبية للعنصر العربي في الصراع على الحكم وأنا لا أرجح هذه الفرضية لما أكنه من تقدير للمجهود الذي بذله علماء الرواية حتى جمعوا لنا دواوينها ووضعوا لها مناهج في مصطلح الحديث والجرح والتعديل ومشكل الحديث... 2- أنها تلبي البعد المحلي والمراحل الأولى للإسلام وهو قد ظهر في جزيرة العرب وفي قريش وكانت قريش أقوى القبائل العربية آنذاك أو صاحبة الشوكة بتعبير ابن خلدون. ولا بد من أخذ هذا العرف بالحسبان: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ»(31). 3- أو أنها تتطلب جهدا تأويليا وبحثا معمقا واستقراء واسعا حتى نستقصي الرواية ونكون منها على دراية وقد أنجزت بحثا طويلا حول الموضوع أفضل أن ينشر مستقلا. عترتي أهل بيتي .. أو حبل أهل البيت طائفة من المسلمين يتشبثون برواية الأئمة من قريش للدفاع عن مذهبهم وأخرى تؤسس مذهبها على هذه رواية «عترتي أهل بيتي « المتواترة (أعلى مرتبة من الصحيحة) لكن لا تبلغ وثوقية القرآن الكريم المطلقة الذي أجمع الجمهور على توقيفية رسمه ووثوقيته المطلقة: عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل ، وعترتي ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني بهما أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما). (32) وأيضا عن زيد بن أرقم ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما) (33). وفي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وآله . ( وأنا تارك فيكم الثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ) (34) . أما في كتاب الموطأ لمالك : وحدثني عن مالك أنّه بلغه أنّ رسول الله (ص) قال : ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما مسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه)(35). وهذا الطريق ضعيف ، فهو خبر مرفوع لا سند له. ، فلا يعلم من هو الذي أبلغ مالك به وعمّن أخذه. نُخضع هذه المسألة لنفس المنهج الذي اتبعناه خصوصا أن رواية « عترتي أهل بيتي « أكثر ثبوثية عن النبي لتواترها لكن بوجود الرواية الضعيفة التي فيا سندها انفراط « كتاب الله وسنة نبيه « فالأمور تحتمل: فعلى غرار رواية «الأئمة من قريش» فان رواية «عترتي أهل بيتي « تحتمل: 1-تأويلها على الرواية الضعيفة * كتاب الله وسنة نبيه* فأهل بيته فهم مظنة لاقتفاء أثر النبي ونقل سنته للناس، أي أن عترتي يعني سنتي، 2-أن هذه النصوص منحولة مكذوبة عن النبي دست عصبية للعنصر الهاشمي في صراعه مع العنصر الأموي على الحكم وأنا لا أرجح هذه الفرضية احتراما كما قلنا لعلماء الرواية. 3-أنها تلبي البعد المحلي والمراحل الأولى للإسلام وهو قد ظهر في جزيرة العرب وفي قريش وفي بني هاشم وهي من أكبر الأسر القرشية. وقد اختلفوا وتخاصموا ثم تداعوا إلى الصلح في الجاهلية على أن يعطوا بني عبد مناف السقاية والرفادة، وأن تكون الحجابة واللواء والندوة لبني عبد الدار، فولي الرفادة والسقاية هاشم بن عبد مناف، وذلك أن عبد شمس كان رجلاً سفارًا، قلما يقيم بمكة، وكان مقلاً ذا ولد، وكان هاشم موسرًا. لذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغفر له لعبد الله بن عباس في مناظرته التي رواها الطبري: أتدري ما منع الناس منكم؟ قال: لا. قال: لكني أدري. قال: وما هو، يا أمير المؤمنين؟ فنظرت قريش لنفسها، فاختارت، ووُفقت فأصابت!. (36). قال : كرهتْ قريش أن تجمع لكم الخلافة و النبوة خاتمة جاء النبي -صلى الله عليه وآله- بقلب رحيم وكتاب مفتوح على المستقبل يترك لأهل الأديان الوقت الكافي ليدخلوا عن طواعية وإيقان في الوحدة الدينية التي أتى بها النبي الخاتم ويدبروا اختلافاتهم السياسية من أجل الخير و في جو من التسامح. لذلك لم يطلب النبي من قومه بمكة سوى الحرية لتبليغ دين الله ولم يطلب الملك وقد عرضوه عليه مقابل التخلي عن دعوته: فقال له عتبة بن ربيعة: يا ابن أخي ! إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً ، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك ، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا ، وإن كان بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً من الجن لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب ، وبذلنا فيه أموالنا ، حتى نبرئك منه فانه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوي منه. قال الرسول: فاسمع مني قال : أفعل . فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون (37). وأُخرج النبي من بلده -أم القرى- ووجد مأوى بيثرب لدى الأنصار الذين بايعوه في العقبة الأولى والثانية. لكن بمجرد نزوله المدينة دخل في مفاوضات مع اليهود الذين يشكلون كتلة لها وزنها وكتابها التوراة تفتخر به على الأميين من أهل المدينة وغيرهم من العرب في حوار وفاقي رغم كونه نبيا. إن ديمقراطية الرسالة الخاتمة التي عرضها النبي في مكة مع قريش *قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ* (38) .. وفي صحيفة المدينة الوفاقية الموثقة للتعدد.. هذه السماحة طُمست مع انتقال الإسلام من النبوة إلى الإمارة والنظام الإمبراطوري. حيث لما انتقل النبي إلى الرفيق الأعلى حكم الأحداث منطقٌ آخر: العرف، قريش، أهل البيت... مما أساء كثيرا إلى البعد الكوني للرسالة الخاتمة. استغرقنا في المحلية حتى فاجأتنا أوربا النصرانية بالصفعة الاستعمارية في هزيمة حضارية صارخة وما زلنا نلملم جراحنا لكن الأفكار الأصولية العارية من التجديد تأخذنا القهقرى. وإذا كان للإنسان موقع متقدم في المعادلة الإلهية المفصلة في القرآن الكريم والسنة المحكمة فهل حان الوقت لتجاوز البعد المحلي بصفة نهائية في الرسالة الخاتمة للتحليق في آفاق الإسلام العالمية التي تشدد على مطلب الكرامة الإنسانية وأولها حماية حرية العقيدة ثم الانتصار ضد البغي والظلم (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ... ) سورة الشورى .. ومحاربة الطغيان والاستبداد قبل الإيمان (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى... ) وإرساء الديمقراطية أو الشورى في بعدها الكوني لا القرشي (وأمرهم شورى بينهم.. ).. وَهُمْ هاهنا: المواطنون لا القرشيون أو الهاشميون. المراجع: (1)الجمعة (2) الأعراف آية 158 (3) جريدة الاتحاد الاشتراكي الثلاثاء 02 مايو 2006 (4). الحج. (5) تفسير المنار المفسر الشهيد الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله (6) تفسير المنار للشيخ محمد رشيد رضا (7) سورة السراء (8). النقد الذاتي الزعيم علال الفاسي رحمه الله. (9) رواه أحمد (10) سورة المائدة (11) سورة الأنبياء (12) في ظلال القرآن لسيد قطب رحمه الله. (13) الأحقاف (14) الأنعام. (15) سيد قطب في ظلال القرآن. (16) الزخرف.. (17) سورة محمد. (18) النساء (19) الأنعام?. http://kids.islamweb.net/subjects/halelarab1.html(20) حال العرب قبل الإسلام (21) سورة الجمعة (22) صحيح البخاري (23) صحيح البخاري. (24) أبو داوود وصحّحه الألباني في »إرواء الغليل». و» مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» الشيخ علي القاري http://library.islamweb.net (25) البخاري (26). إسلام ويب وهو موقع معتبر فيه كتب أهل السنة. (27) روايات رواها مسلم في صحيحه كتاب المارة. (28) إسلام ويب. (29) إسلام ويب. (30) إسلام ويب. (31) سورة الأعراف 199. (32) احمد (33) الترمذي (34). صحيح مسلم (35). الموطأ لمالك (36) تاريخ الطبري:تاريخ الأمم والملوك :أحوال عمر http://islamport.com/w/tkh/Web/2893/1141.htm . (37) كتب السيرة النبوية (38) سورة سبأ..