في مواجهة موجة الإحتجاج التي تجتاح العالم العربي، أعادت الملكيّة المغربية النظر في الدستور. وبعد فوزه الانتخابي في نونبر 2011، يقود حزب العدالة والتنمية الحكومة. إلاّ أنّ بنى السلطة القديمة بقيت مستمرّة، ووسائل القمع هي نفسها، لا سيما في الريف، المنطقة المهملة حيث يزدهر القنّب الهندي والبؤس. أمام باب سجن الحسيمة، تبدو الساحة مقفرة. عند الساعة الثامنة صباحاً، ثلاثة مناضلين فقط في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان متّكئين على شاحنة صغيرة يسترعون الانتباه. بعد خمسة عشرة دقيقة، يصل شرطي باللباس المدني، وتدلّ تقاسيم وجهه القاسية أنه لم يحلق ذقنه منذ ثلاثة أيام. هو أيضاً سيتظاهر بالانتظار جالساً على أدراج إحدى البنايات ، دون أن يبعد ناظريه عنهم. عند الساعة التاسعة والنصف، فتحت الأبواب الضخمة أخيراً. خرج أربعة شباب من المبنى الجاف. لقد قضوا لتوّهم ثلاثة أشهر مكدّسين مع خمس وعشرين سجينا آخر داخل زنزانات تضمّ عشرين سريرا. جميعهم كانوا قد أُعتقلوا في 11 مارس 2012، في قرية أيمزورن، على بعد خمسة وعشرين كيلومتر من هنا. في تلك الليلة، تظاهرة سلمية حشدت حوالي مئتي شخص أتوا لإدانة القمع البوليسي الذي تعرّضت له قبل ثلاثة أيام قرية بني بو عياش المجاورة. الرئيس الفرنسي يحيّي «مسار الإصلاح الديموقراطي» كان من غير الممكن طرح الأسئلة على هؤلاء الشباب مباشرة نظراً لوجود الشرطة في الجوار. وقد اختفى في الواقع أحدهم بسرعة. محمد ب. فرنسي. ولد في فرنسا من أبوَين مغربيين، ولم تكن لديه أية علاقة بالتظاهرة. «أنا رجل إطفاء أعمل في مدينة نيم (الفرنسية)، لم تطأ قدماي المغرب منذ ستّ سنوات. أتيت في زيارة لعائلة زوجتي التي تقيم في إمزورن. أوقفني رجال الشرطة صدفة. رفض القاضي الإصغاء إلي وقنصلية فرنسا لم تساعدني قطّ، والآن لا أفكّر سوى بشيء واحد: العودة بأقصى سرعة الى فرنسا مع زوجتي ». فرنسا، حيث استقبل السيد فرانسوا هولاند قبل أقلّ من ثلاثة أسابيع على انتخابه، في ماي 2012، الملك محمد السادس في الاليزيه، وحيّى «مسار الإصلاح الديموقراطي، الاقتصادي والاجتماعي الحاصل في المملكة بمبادرة من جلالته». بعد أربعة أيام، إلتقينا الموقوفين الثلاثة الآخرين في مركز الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مجتمعين حول بعض الحلوى وعصير الفاكهة التي تم تقديمها على شرفهم - وتؤمن الخدمة المرأتان الوحيدتان المتواجدتان في هذا الاجتماع، وسط مئات الرجال. يصرّ محمد د.، وهو في العشرين من العمر، على القول: «كانت التظاهرة سلمية تماماً. فجأة انقض عليّ عشرة رجال من الشرطة. في البداية ضربوني في الشارع بخوذاتهم وهراواتهم. ومن ثم ألقوا بي داخل شاحنة صغيرة وهناك عادوا وضربوني مجددا . في كلّ مرّة تمرّ دورية، كانوا يدعونها للصعود لضربي. وكانوا يشتمونني باستمرار، وينعتون والدي بالإسباني (وبالتالي والدتي بالعاهرة). ساءت الأمور في مركز الشرطة حيث صعد أحد رجال الشرطة بكلّ ثقله على ركبتي، في حين كان عدد من زملائه يمسكون برجلي ممددة أفقياً، على علو خمسين سنتيمتراً عن الأرض. استمرّ ذلك لساعتين على الأقلّ. بعدها فقدت الوعي. نقلتني سيارة إسعاف الى المستشفى حيث أمضيت يومين مكبّل اليدين والرجلين بالسرير، دون طعام. كان الطبيب يمرّ فقط لشتمي. ومن ثم أعادوني الى مركز الشرطة. طلبوا مني التوقيع على محضر أعترف فيه بأنني ضربت شرطياً ما تسبّب له بفقدان عينه! وبما أنني رفضت ، ضربوني مجدداً. عندما أُحلت على القضاء، بعد يومين، أردت أن أكشف للقاضي على آثار الضربات، إلا أنه منعني من رفع قميصي. قال لي: «إذا أردت تقديم شكوى، فهذا ليس المكان المناسب!» حكى لنا رفيقاه المشاهد العنيفة نفسها. مهدي أ.، في الواحدة والعشرين من العمر، خضع لمدة يومين لجلسات الضرب في إحدى قاعات مركز الشرطة في إمزورن. «ومن ثم انهالوا بالشتائم على مولاي موحند، واتهموه بالخائن القذر. كانوا يقولون أيضاً أنهم لو أرادوا تدمير منطقة الريف بأكملها فلن يحتاجوا سوى لساعتين ، وبأنهم سيستخدمون جثثنا لصناعة الصابون، كما فعل الألمان مع اليهود في أوشفيتز». إنّ أعمال العنف التي تعرّض لها شباب جبال الريف ناجمة عن الإجراءات التي اتّخذتها السلطة المغربية لمواجهة التحرّك الشعبي القوي الذي اندلع في يناير 2011، في الوقت الذي كان التونيسيون يطردون رئيسهم، زين العابدين بن علي. أُطلقت عبر الفايسبوك دعوة في كافة مدن البلاد للتظاهر نهار الأحد 20 فبراير. ضمّ تجمّع الحسيمة حوالي ثلاثين ألف شخص، من أصل ستين ألف نسمة - الضعف إذا ما أحصينا القرى المجاورة. هكذا ولدت حركة 20 فبراير التي قام بها مناضلون جدد، وجمعية الخرّيجين العاطلين عن العمل (التي تأسست في العام 1991) والنقابات الطلابية وبعض المناضلين القدامى في صفوف اليسار المتطرّف الذين نجوا من سجون الحسن الثاني، أغلبهم إلتحقوا اليوم بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان. «نريد فقط ملكا كما في اسبانيا أو هولندا» كلّ يوم أحد ، وفي كل أنحاء البلاد ، تخرج التظاهرات التي ترفع شعارات تتناسب باستمرار مع المستجدّات، يتمّ اختيارها وترديدها مع الحرص على القوافي. وإجمالاً، يتناول المتظاهرون موضوع العدالة (إزاء أعمال العنف التي تمارسها الشرطة)، الكرامة (حق الحصول على عمل وعلى التطبيب، وعلى إدارة غير فاسدة) والمساواة الاجتماعية (التوزيع العادل لثروات البلد، خفض الإيجارات وسعر الكهرباء والسلع الأساسية). وماذا عن الملك؟ «لا يؤتى أبداً على ذكره مباشرة». بحسب ما شرحه لنا جواد س.، التقني البالغ من العمر 26 سنة ، والذي التقينا به حولكأس شاي بالنعناع في مقهى جزيرة النقور، في بني بو عياش، غداة التظاهرة الأسبوعية يوم الأحد. حشدت هذه الأخيرة مئتي مشارك، من الرجال فقط -ألا أنه سيتواجد بعد ثلاثة أيام عدد من المتخرّجات العاطلات عن العمل المجتمعات على حدة فوق الرصيف، خلال تجمّع أمام محكمة الحسيمة حيث تجري محاكمة أحد رفاقهم. جواد ، المحاط بعشرات الأصدقاء، يتابع قائلاً: « في الواقع، نحن لا نريده أن يذهب ، نريد فقط ملكاً كما في إسبانيا أو هولندا.» إلا أن هؤلاء المغاربة الشباب المستعدّين للمحافظة على ملكهم يرغبون بأن «يتوقّف عن التدخّل في الاقتصاد»، إنه تلميح للمطالبة بإجراء إعادة توزيع ديموقراطية لثروته الضخمة المستمّدة خصوصاً من مشاركته «المباشرة» في محفضة أسهم الشركات الوطنية الكبرى. جميعهم قرأوا، بالكامل أو جزئياً، كتاب « Le Roi prédateur» لمؤلفيه إيريك لوران وكاترين غراسييه (مُنع في المغرب، لكنّه من الممكن الحصول عليه عبر الإنترنت)، الذي يدين صفقات الملك وبطانته [1] العلمانية: تنتشر هذه الكلمة على شفاه كافّة الشباب الراغبين بالتغيير. لكن ما الذي تعنيه تحديداً؟ «يجب فصل الدين عن الحريات المدنية»، بحسب محمد أ.، المنشّط السياحي في الرابعة والعشرين من العمر والعاطل عن العمل. ويشير أحمد ب.، المتخرّج الشاب العاطل عن العمل ايضاً: «أن تتحدث عن العلمانية دون أن تنعت بالملحد يشكّل تطوّراً!» هل هم مستعدون، في مجتمعم المثالي، بأن يعطوا كلّ مغربي يرغب بذلك الحقّ بتناول الطعام على شرفة مطعم خلال شهر رمضان؟ » يتساءل محمد قبل أن يجيب سعيد أ معترضا: «آه لا! يمكنه أن يتناول الطعام في منزله إذا أراد ذلك، إنما عليه احترام الأشخاص الذين يصومون رمضان « ، وهو الوحيد الذي ردّ بالإيجاب على السؤال الأساسي: «في هذه الحالة، نحن لا نغيّر شيئاً، بما أن هذا هو ما يحصل حالياً». هؤلاء الأصدقاء المنخرطون بدرجات متفاوتة في حركة « 20 فبراير» يسكنون في الدواوير المحيطة ببني بو عياش. تعتاش عائلاتهم التي تتكون من خمسة أو ثمانية أولاد، من دخل الأب الذي يتراوح بين2500 و 000 5 درهم ، إنما أيضاً من «الثويزة»، وهي كلمة بربرية تعني التضامن العائلي. أمهاتهنّ لا يعملن خارج المنزل كونهم لا يخرجن أبداً منه، إلا لزيارة الأهل. يوضح أحمد قائلا: «عندنا في منطقة الريف الأمر طبيعي.» ومن ثم يضيف دون أي تهكّم: «ذلك أننا نعتبر المرأة أميرة، أثمن ما يملكه الرجل. لذا لا يجب أن تتعب نفسها بالعمل أو التبضّع». الحسيمة هي أحد مراكز الاحتجاج الاجتماعي المهمّة البالغ عددها حوالي الخمسة عشرة، حيث يستمر تنظيم التظاهرات كلّ يوم أحد منذ ثمانية عشر شهراً. أوّلها التي جرت في 20 فبراير 2011، شهدت «حادثاً» مروعاً حيث تم العثور على جثث خمس شبان متفحمة في حريق شبّ في فرع مصرفي صغير في وسط المدينة والجميع هنا على يقين أن الشرطة هي التي افتعلته. بعد بضعة أسابيع، انخرطت حركة إسلامية صوفية النزعة في المعركة، وهي حركة العدل والإحسان بقيادة الشيخ ياسين وابنته ناديا. يروي وديع، الممرض في الاثنين والثلاثين من العمر في مستشفى بمدينة طنجة أتى للاستجمام لبضعة أيام على شواطىء الحسيمة: «في طنجة، انتقلنا بين ليلة وضحاها من عشرين ألف الى مئتي ألف متظاهر.لقد أتوا لنا بالعديد من المشاركين لكنهم أتوا لنا أيضاً بالمشاكل! فخلال الاجتماعات كانوا يفرضون على النساء وضع الحجاب، وكانوا يريدون منّا أن نحترم مواعيد الصلاة، ورفضوا التظاهر خلال رمضان، إلخ». في دجنبر 2011، قرّر الشيخ ياسين الانسحاب من حركة 20 فبراير. «لم تكن لديه أيّة حجة مقنعة، لكن الجميع إمتتلوا لقراره! في طنجة، شكّل رحيلهم ضربة موجعة للحركة. والأمر الإيجابي الوحيد هو أن الاجتماعات أصبحت أسهل...» في المقابل، في الحسيمة، بدأت الحركة تفقد زجمها منذ بداية صيف العام 2011، خصوصاً وأنه لا وجود هنا للإسلاميين على الساحة السياسية ، عكس سائر أنحاء البلاد. لا إسلاميي حركة العدل والإحسان، ولا إسلاميي حزب العدالة والتنمية، الذي تم تعيين أمينه العام، السيد عبد الإله بن كيران، رئيساً للحكومة من قبل الملك في يناير 2012 . « هنا الناس متدينون لكنهم يعيشون إسلاما محافضا دون لحية ونقاب ، يذكّر السيد حسين مرابط، مستشار البلدية الذي تم انتخابه على لائحة يسارية في بلدة بني يوسف علي، بالقرب من الحسيمة، . لا سلطة للإسلاميين عليهم. خصوصاً لأنّهم يقدسون اللغة العربية، الأمر الذي لا يروق للأمازيغيين». في انتخابات نونبر 2011، لم يحصل في الواقع حزب العدالة والتنمية على أي مقعد في منطقة الريف. في غشت 2011، حصلت في بني بو عياش، وهي بلدة تضم عشرين ألف نسمة (من ضمنهم سكان الدواوير المحيطة بها) تقع على بعد ثلاثين كيلومتراً من الحسيمة، حادثة أعادت تأجيج الاحتجاج. فقبل بضعة أيام على بداية صوم رمضان، طردت امرأة مطلّقة، أم لأربعة أولاد، من منزلها فأتت لطلب النجدة من الباشا . خلال بضعة ساعات، امتلأت ساحة البلدة. شرح لنا محمد ج.، الشاب الحائز على شهادة في الأدب العربي والعاطل عن العمل، عاد ليسكن في بيت أهله في بني بو عياش، وهو منخرط نشيط في الحركة قائلا: «راهن قادة حركة 20 فبراير على المواجهة بين تضامن البربر والباشا العربي المعين من الرباط». بعد اثني عشر يوماً من المواجهة مع الباشا، حصلت المرأة على مسكن. وجدت حينها الحركة مطلباً آخر لها يتمثّل في فواتير الكهرباء التي تصل أحياناً الى 800 درهم شهرياً لعائلات يصل معدل دخلها الى 500 3 درهم». رئيس الوزراء يقترح على العاطلين عن العمل «التوجّه إلى الله» في 3 أكتوبر 2011 بدأت عملية احتلال المبنى الصغير للمكتب الوطني للكهرباء في بني بو عياش. نصب المناضلون خيمهم في الحديقة، ومنعوا الموظفين من الدخول الى المكاتب، وبالتالي إرسال الفواتير. «في البداية، كان الشعب بأكمله معنا، كان الأمر مذهلاً!» لم تردّ السلطات مباشرة. لكن في 27 أكتوبر 2011، تعرّض أحد قادة الحركة، السيد كمال حسّاني، للطعن على يد مختلّ يشكّك الجميع بأنه تم تسخيره من قبل الشرطة. طالب المتظاهرون بالكهرباء المجانية لمدّة عامين، لكن الباشا رفض. وكان الشباب يقطعون الطريق الرئيسية باستمرار ويمارسون أيضاً ضغطاً على التجّار لكي يقفلوا متاجرهم نهار الأحد بعد الظهر، يوم التظاهر ، تشهد خلاله متاجر المغرب حركة ناشطة جداً. يأسف محمد ج. قائلاً «لقد خسرنا شيئاً فشيئاً دعم الشعب». وفي ليلة 7 إلى 8 مارس 2012 كان الانفجار. بعد أن احتلّت مجموعة من المناضلين أحد المكاتب، أمرت الرباط الباشا بوضع حدّ لاحتلال المكتب الوطني للكهرباء. وعند الساعة الواحدة والنصف صباحاً، اجتاحت عشرات الشاحنات الصغيرة التابعة لفرق التدخل السريع البلدة، وعمدت الى مطاردة الناس وضربهم بلا رحمة وتوقيف أي شخص يتواجد في الشوارع. خلال ثلاثة أيام، مشّطت قوى الأمن البلدة واستغلّت الوضع لإلقاء القبض على حوالي ستّة مناضلين يُعتبرون رأس الحربة. في الحادي عشر، انتقلت أعمال القمع ألى إمزورن، القرية المجاورة، حيث كان مئتا مناضل يحاولون تنظيم مسيرة تضامن سلمية -تلك التي شارك بها هؤلاء الشباب الذين وجدناهم بعد ثلاثة أشهر لدى خروجهم من السجن، في حين كان بعض رفاقهم لا يزالوا مسجونين. لدى الاستفسار حول تلك الأحداث، أكّد لنا باشا بني بو عياش، السيد محمد أياد، أنه «لم تحصل أية أعمال عنف في 8 مارس من قبل قوى الأمن »، وبأن «رجال الشرطة لم يستعملوا هراواتهم» بل «لم يسقط أي جريح». وماذا عن توقيف قادة حركة 20 فبراير؟ «إنّهم جانحون ملاحقون من قبل الشرطة بتهمة تجارة المخدرات!» أما بالنسبة لحركة 20 فبراير في المنطقة، فهي «مموّلة في جزء كبير منها من قبل هيئات خارجية، إسبانية وهولاندية، بهدف زرع البلبلة في المغرب». والآن؟ لا يولي أي من الأشخاص الذين وجّهنا الحديث لهم ثقتهم بحكومة السيد بن كيران. يقول مصطفى، المهندس الطوبوغرافي الذي التقينا به على شرفة في مقهى الحسيمة الكبير، ميرامار، مع صديقيه: «لقد انتُخب لأنه الوحيد الذي لم يشارك في المعركة [3]! لهذا فهو الوحيد الذي يمكن للناخبين منحه شيئاً من الثقة.» لم ينخرط أي من هؤلاء الشباب الثلاثة في حركة 20 فبراير. يضيف رفيقه زكريا قائلاً «لكنه في الواقع لا يتمتع بأية سلطة، لا يزال كل شيء بين أيدي الملك . أما عن فكرة أسلمة التشريع من قبل حزب العدالة والتنمية، فتثير تهكّم رفيقهم الثالث. من جهته، يقول محمد المكلّف بمهمّة في قسم السياحة في بلدية الحسيمة، ممتعضاً: «إن كانوا فعلاً إسلاميين، فمن الأجدر بهم منع مهرجان موازين [4]. ففيه الكثير من النساء اللواتي يؤدين الأغاني نصف عاريات! لكن بما أن هذا المهرجان هو من تنظيم لالا سلمى (زوجة محمد السادس)...» ويقول مصطفى ممازحاً: «هل تتخيّلون السيد بن كيران يفرض على زوجة الملك وضع الحجاب!» [5]. علماً أن رئيس الوزراء ذكر الله مرّة. ففي 14 ماي 2012، ردّا على المتخرّجين العاطلين عن العمل الذين كانوا يطالبون بتوظيفهم بأن «الله وحده يقرّر مصير البشر» وبأنّه «عليهم التوجّه إليه». وقد أثار هذا التصريح غضب الأشخاص المعنيين. فمنذ عشرين سنة، يناضل العاطلون عن العمل الحائزون على شهادات جامعيّة للحصول على مناصب في الإدارة العامة. والجميع يعلم بأن نظام القطاع الخاص هو من الأكثر ليبرالية في العالم: غياب الحقوق النقابية، الضمان الصحي والتقاعد، الطرد التعسّفي، أجور أدنى من أجور القطاع العام، ...الخ. أما بالنسبة للشعب بمجمله، فالإجراء الوحيد الذي اتّخذته الحكومة الجديدة الذي استرعى انتباهه فعلياً فهو رفع سعر الوقود الذي كان 1 . 5 درهم في 2 يونيو 2012 إلى 12 . 5 درهم سعر الليتر الواحد. لكن يبدو أن لا شيء تمكّن من إحباط معنويات الشباب في منطقة الحسيمة، لا الممارسات القمعية من قبل الشرطة، ولا الضربات ولا أشهر الحبس. باح لنا مهدي أ.، في الواحدة والعشرين من العمر، وهو أحد المعتقلين الثلاثة التقينا به لدى خروجه من السجن: «سأستمر بالمشاركة في التظاهرات، لكن دون علم من أهلي. هذا لا يعني بأنهم يؤيدون السلطة، على العكس، لكنهم يخافون. عندما كنت في السجن، جاءت الشرطة لزيارتهم وقالت لهم أنه في حال عاودت التظاهر سيذهبون هم الى السجن». لدى شباب الحسيمة، لا يمنع السعي الى إجراء تغييرات سياسية جذرية إطلاقاً وجود نزعة محافظة متأصلة. ما بعد ظهر ذلك اليوم، كانت الشمس الحارقة تخيّم على المدينة بشواطئها الرائعة المكتظّة بالناس. الرجال يتراشقون بمياه البحر المنعشة وهم عراة الصدور، في حين تراقبهن النساء اللواتي يغطين أجسادهن بالألبسة السميكة من رأسهن حتى أقدامهن، وهن جالسات يتصبّبن عرقاً على الرمال الساخنة. هل لدى ثوارنا الشباب ما يقولونه حول هذا المشهد؟ «كلا، هذا خيارهّن، يحق لهن خلع ملابسهّن إن أردن ذلك.» شهدنا خلال ثلاث ساعات ثلاث عمليات تدخّل من قبل رجال الإطفاء الذين أتوا لنجدة ثلاث نساء تعرّضن لضربة شمس. وماذا عن ذلك؟ يأتي الجواب: «كلا، هذا خيارهنّ». عن «لوموند ديبلوماتيك»