هو إبن الحي المحمدي، الذي أنجب رجالا ونساء استطاعوا أن يتركوا بصماتهم خالدة في تاريخ المدينة البيضاوية في مجالات عدة، بدءا بالمقاومة واللائحة طويلة بطول الأوجه المختلفة التي أبدع فيها أبناء هذا الحي الأبي، ثقافة، فنا، رياضة ... لكن «مراد حمدون» القاطن ببلوك الكدية 14 الزنقة 11 الرقم 21، حالة مختلفة عنهم فقد قدّر له أن يكتب عنه في مجال غير كل هذه المجالات، وأن تختلف حكايته عن باقي الحكايات، وأن تخط الأحرف والكلمات عنه بالدماء لا بالحبر والمداد، مادامت معاناته ووضعه الصحي والاجتماعي يحمل إدانة لجميع المتدخلين/المعنيين، بدءا بمقدم الحومة، وصولا إلى المسؤولة الوصية على التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن! مراد «طرق» الأبواب الموصدة التي ورغم الضعف والوهن الشديد الذي لايقتصر على حيلته لوحدها، بل يمتد إلى صحته كذلك، فقد حاول جاهدا أن يزحزحها من مكانها وأن يتحدى «الصدأ» الذي لفّها واعتراها، ورغم كل المجهودات التي بذلها على مدار سنوات عدة فهو لم يفلح في تحقيق ذلك، مادام الكل كان موصدا في وجهه، أبوابا، أفئدة وعقولا، ومادامت الأحاسيس كلها قد تجمدت، وانعدمت كل معاني الإنسانية وتم وأد المشاعر؟ هذا المواطن البيضاوي الذي امتزجت الأدوية بدمائه وخضع لأنواع عدة من الأشعة، ولم يجد علاجا لمرض يفرض عليه المكوث طول الليل مستلقيا على ظهره. «مراد» الذي «تنتصر» عليه شعرة رفيعة وهو في العشرين من عمره، مادام لايقوى على الإمساك بها ويعجز عن التحكم فيها أو تحريكها بين أنامله، فبالأحرى أن يحمل وزنا أكبر مادام يعاني من إعاقة ذهنية حركية، جعلته يعيش «ميتا» في فترة عمرية تعتبر أوج وألق كل إنسان. معاناة مزدوجة مع الإعاقة الذهنية والجسدية، ومع العوز والحاجة، في مواجهة المرض والفقر، وهي المعادلة غير القابلة لأي حال، وأمام انعدام المدخول، فقد قرر هذا الأخير من خلال والده الذي أضحى يتخوف على مستقبل أيامه المقبلة بعد وفاته أن يطرق باب رئيس الجماعة الحضرية محمد ساجد بحثا عن حل لوضعيته الاجتماعية. لم يقدم «مراد» طلبا كما هو الحال بالنسبة للكثيرين للحصول على «كريمة»، كما لم يسع للاستفادة من «كشك» أو رخصة للحراسة، فقد «قرّر» وبكل بساطة أن يمنحه مجلس المدينة رخصة ليست كباقي الرخص، وأن يمده بوثيقة يوقع عليها ساجد يعترف من خلالها أمام الجميع بأن «مراد» متسول معترف به حتى لايتعرض لمضايقات تنضاف إلى تلك التي يعانيها ماديا ومعنويا، والتي من خلاله قد يستطيع على الأقل توفير ثمن الحفّاظات «ليكوش» التي يرتديها! هل اطلع ساجد على طلب «مراد» ؟ هل تصفّح أي مسؤول نداءه ؟ هل استشعر فداحة أن تسد السبل والآفاق أمام مواطن، شاب، معاق، مريض، معوز، لم يجد من يقدم له العون لاطبيا ولااجتماعيا، هل تخيل ولو للحظة أي شعور ينتاب هذا المواطن أو أفراد أسرته، حتى يقدم طلبا لإدانة الجميع، هو وصمة عار على جبين كل المعنيين، يصدح من خلاله جهرا وبأعلى صوته «دعوني والمواطنين، اتركوني والمحسنين، فأنتم لم تقدموا لي شيئا وأنا اليوم أريد أن أكون متسولا لعل الرحمة تعرف الطريق إلى قلوب غيركم، مادامت قلوبكم لم تهتز ولم تعرف إلى الرحمة سبيلا»!؟