أكد السيد مصطفى الخلفي وزير الاتصال أن دفاتر التحملات تحكمت في إعدادها وصياغتها تحديات ثلاثة، وهي التنافسية والجودة والحكامة الجيدة: كلام جميل! وقال الوزير إن القناة الثانية تعيش أزمة مالية خانقة: كلام غير مردود عليه! وصرح الوزير بأنه سيتم القيام بافتحاص مالي في الوزارة للوقوف على مكان الخلل: سنرى! وفي السياق نفسه، أكد أعضاء بمجلس النواب على ضرورة النهوض بقطاع الإعلام وتطويره ليواكب التطورات التي يعرفها المغرب.. وقالوا.. ثم قالوا عن تثمين العنصر البشري العامل به والتأهيل والتكوين من أجل رفع تحديات المستقبل: كلام أحلى من العسل! وقالوا، وقلنا معهم، إن النهوض بالقطاع يتطلب استراتيجية إعلامية جديدة، وإفراز الشفافية، وإسناد المهام إلى أهلها، وترشيد النفقات، والقضاء على الاحتكار.. وصدقنا، وصدقوا معنا. بالله عليكم! ما جدوى دفاتر التحملات هذه، وما فائدة القوانين الجديدة حتى، إذا بقي فيصل العرايشي وسليم الشيخ وبعض المسؤولين عن مختلف الأقسام، فالعقليات يا سادة! لا تتغير بموجب تغيير القوانين أو البنود؟! فهؤلاء هم المسؤولون عن الانحطاط الذي وصل إليه صندوق العجب في بلدنا: فكيف بإمكانهم القيام بشيء غدا وقد استعصى عليهم البارحة، والبارحة طويلة في الزمن كما تعلمون... اكتشف العادي والبادي أن تلفزيوننا مهزلة تبكينا ضحكا... وكان هناك مسؤولون عن هذه المهزلة مفرد المهازل... نحن لا نشك في نوايا معالي الوزير النبيلة، لكن الأعمال ليست بالنيات، وبالتالي لا يمكن للعطار أن يصلح ما أفسده الدهر. مفهوم! ذات يوم ليس بالبعيد، رفع شباب مغربي لافتات كتب عليها بالخط العريض: «الشعب يريد إصلاح الإعلام» «العرايشي سير فحالك، الإعلام ماشي ديالك»، «الرئيس تلاح تلاح، الشعب باغي الإصلاح»، «سميرة سيري فحالك، الأخبار ماشي ديالك»، «هذا عار هذا عار لا إنتاج لا أخبار»، «شوهتو النشرات وكثرتوا المسلسلات»، «باركا باركا من نشرات مفبركة» وهلم احتجاجا... لمن يا ترى تم توجيه هذه الشعارات باسم الأغلبية من وطننا الحبيب؟ لا أتذكر من قال يوما: قل لي كيف هي تلفزتك؟ أقول لك من أنت، وما هي مرجعياتك؟ وما هي فلسفتك في الحياة؟ وما هو المستوى الفكري لأفراد مجتمعك؟ صحيح إن مجال الإعلام المرئي هو المرآة التي تعكس وجه مجتمعنا بتناقضاته ومفارقاته، بمطالبه وطموحاته، بقوته وضعفه، بإيجابياته وسلبياته، بآلامه وآماله، بظواهره وأعماق بواطنه، بأحاسيسه وأحلامه، بذكائه وبلادته، بمعرفته وجهله، بتأثيره على الآخر، وتقليده للآخر، وقس على ذلك.. بتعبير أدق.. التلفزيون هو مرآة حقيقية لمجتمعه... وهؤلاء المسؤولون عاشوا في واد، والمجتمع في واد آخر.. و«أخطر المجرمين» رغم نسبة المشاهدة الوهمية لم تنقص من وتيرة الإجرام ببلادنا، بل تفاقمت والجرائد تشهد.. ومسلسل «حديدان» رغم الإعجاب المفروض، تشوبه أكثر من شائبة فنية إبداعية، ولا مجال للنقد هنا... والقدم الذهبي لم يصنع نجوما ولا حتى نصف ميسي، وكوميديا لم تبرز لنا ثلث مواهب كالتالي يتوفر عليها الفنان المغربي كاد المالح، واستوديو دوزيم لم تخلق لنا فنانا أو فنانة من قبيل دنيا باطما.. نريد تلفزيونا جديدا يا معالي الوزير، وليس قانونا جديدا أو دفترا ملونا جديده هو التلوين.. ما علينا! سيدي الوزير: صدقوني أنا لا أصدق أي تغيير بأناس لم يعبروا عن كفاءاتهم وقدراتهم وحنة أيديهم في السابق، فماذا ننتظر منهم في اللاحق؟ لقد حان الوقت لإنهاء فترة فيصل العرايشي وسليم الشيخ والتابعين وتابعي التابعين وفتح صفحة جديدة بأسلوب احترافي وبصيغة فنية وبطرق إبداعية وبتوجهات جديدة تتبنى الديمقراطية والحرية كقيم، وتتبنى النقاش النبيل والحوار الدؤوب المثمر الذي يصب كله في مصلحة الوطن والمواطنين... فكفى من برامج التمييع ونماذج التهريج واغتيال المبادرات الجديدة والجادة وقمع الحريات التي بدونها لا ضمان لأي تصور مهني حقيقي مسؤول.. الحرية هاهنا... نربطها بالمسؤولية والمرونة .. فهكذا نراها... إن آفة حارتنا هو النسيان، على حد تعبير نجيب محفوظ، فكيف ننسى مستوى التلفزة بتسيير العرايشي والشيخ؟ إنما لا تعمى الأبصار؟! سأذكركم معالي الوزير، إن الذكرى تنفع المؤمنين... العمل العشوائي والتدبير السريع المتسرع، والتلقائية والارتجال لملء الفراغ، الضحك على الذقون بدبلجة أعمال أجنبية إلى دارجة، فيها ما فيها من بؤس الحزن والكلمة في المتاهات... أعمال غارقة في الابتذال والانحطاط بجميع ألوانه، آفة حارتنا، نحن يا معالي الوزير، هي عدم تشجيع الإبداع المغربي بما فيه الكفاية والاستعانة بإنتاجات مستوردة من مجتمعات بعيدة عنا ثقافة ومثاقفة وتثقيفا، ورؤية وكيانا ومرجعيات، وكملوا من رؤوسكم، وعلى ذكر الثقافة: لماذا كان هذا المصطلح النبيل يخيف المسؤولين بدار لبريهي وعين السبع، لا تلفزة بدون ثقافة، ولا تلفزة جديرة بالتقدير والاحترام إن هي أهملت الشأن الثقافي تحت غطاء نسبة المشاهدة . لقد دقت ساعة التغيير بالفعل، وليس بالقول والكتابة في الدفاتر.. التغيير الذي ستتلمسه النسبة القليلة التي ما تزال تشاهد القنوات الوطنية، وتهمس في آذان الآخرين لعلهم، وعساهم، يعودون بعد هجرة كادت تطول... سيدي الوزير، أحيطكم علما، وأكيد أنكم تعلمون بأن المستفيدين من الوضع الحالي البئيس، هم من يريدون إبقاء حليمة أو سميرة إن شئتم على حالها... إنها الوجوه القديمة من عهد التلفزيون البائد... وبهذه الوجوه ستظل أطلال نعمان على حالها، ولو تم إعداد وصياغة الملايين من دفاتر التحملات... ينبغي إعادة النظر في طغيان الهاجس التجاري على المنطق المهني والسياق الاحترافي... يجب إعادة النقاش حول العلاقة بالشركات المنفذة للإنتاج التي تغيب عنها كل معايير الشفافية والوضوح... ونحن ننتظر ماذا ستقدم القناة الأمازيغية التي هي اليوم في لب دفاتر التحملات الجديدة، ولاننتظر من «الرياضية» إلا أن تعيد لنا صحافيا شابا هاجر مكرها واسمه رضي بنيس؟! وأن لا تنقل لنا مباريات التنس، فقناة «الأولى» و«المغربية» تتكلفان بالنقل إرضاء لرئيس جامعة التنس. وقد عرفتموه! ونحن مازلنا نضحك على عدم قدرة تلفزيون المغاربة نقل مباراة مهمة لفريقهم الوطني لكرة القدم... إنها مهزلة الزمان الكروي والتلفزيوني سيان!؟ سيدي الوزير تعلمون، علم اليقين، بأننا نواجه اليوم أكثر من أي وقت مضى، تحديات قوية ومرتفعة أمام المنافسة الشرسة للقنوات الفضائية العربية (ولا أقول الأجنبية)، ومواجهة هذا التحدي وهذا الرهان، لا يتأتى إلا ببلورة استراتيجية حقيقية من أجل إعلام عمومي في خدمة الشعب المغربي يرسخ قيم التعدد والاختلاف.. والمعيار الوحيد هو الكفاءة المهنية والاستحقاق والتكوين، والمقياس الأوحد هو المصداقية وتحمل المسؤولية بصدق ونكران الذات... وأن تكون للتلفزيون وظائفه النبيلة: الاخبارية والتثقيفية والتكوينية والترفيهية... وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم!