استهل عبد العالي دومو عرضه بالتأكيد على أن هذه الندوة تنعقد في عمق الظرفية الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب، وعلى أن موضوع الفلاحة هو الموضوع الذي يحظى بالأولوية عن غيره من المواضيع،وبعد أن تساءل عن ماهية واقع هذا القطاع وعن مستقبله استطرد قائلا: هناك على الأقل ثلاثة مبررات تجعل الموضوع يحظى بهذه الأولوية : 1 – تم توقيع معاهدة مع الاتحاد الأوربي حول مبادلات المنتوجات الفلاحية، وعلى ضوء ذلك فإن الفلاحين يتساءلون عن مضامين مصلحة المغرب من هذا التوقيع وعن طبيعة الإكراهات والمخاطر التي ستنتج عن المعاهدة، ومن المفروض أن يطلع الرأي العام الوطني على إيجابيات المعاهدة وعلى المخاطر التي يمكن أن تنتج عنها في حالة عدم توفير إجراءات المواكبة التي تحمي من الوقع السلبي على الفلاح الصغير 2 - وضعية الجفاف، وأنا أظن أن معطيات جفاف السنة الجارية يختلف عن معطيات سنوات الجفاف السابقة، والفلاحون أدرى من غيرهم بهذا المعطى، فإذا كان وجه الشبه يتمثل في عدم تساقط الأمطار، فإن الفارق يتجلى في كون جفاف السنوات السابقة كان يتم في ظرفية دولية متميزة بوفرة الحبوب والعلف بأسعار مناسبة, بينما الظرفية الحالية تتميز بارتفاع أسعارها واستمرارها في الارتفاع، ولذلك فإن الاستيراد وحذف الرسوم الجمركية لا يكفيان لحل المشكلة لأن مجهود الدولة باهظ الكلفة بينما الدولة لا تتوفر على إمكانيات التأثير على الوضع 3 – مرت ثلاث سنوات على الشروع في التنفيذ الحقيقي لمخطط المغرب الأخضر بعد سنة من النقاش والحوار، وهذه هي السنة التي ستكون بمثابة أول امتحان له لمعرفة ما إذا كان يرتكز على دعامتين أم أنه يستهدف دعامة واحدة فقط إن الفلاحين ينتظرون اليوم، وما قاله الأخ حسن ينطبق على جوهر الخيارات التي وجهت السياسة الفلاحية في المرحلة الأولى من صياغة مقتضيات المخطط، وحتى هذه الخيارات ترتب عنها منذ البداية نقاش فرض إعادة النظر في التوجهات، فكان أن توصل بعض الفلاحين الصغار والمتوسطين لأول مرة بالدعم، ومن المحقق أن حضورهم بكثافة في هذه الندوة يعكس مستوى الآمال التي يعقدونها على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للدفاع عن صغار الفلاحة, إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن بإلحاح يلخص في ما هو الهامش السياسي المتوفر داخل مخطط المغرب الأخضر لكي يتمكن الفلاحون من الحصول على بعض المكتسبات في انتظار البديل؟ إن الجواب عن هذا السؤال يفرض الانطلاق من أن تحديد عدد السكان الذي نريد بلوغه بالوسط القروي في أفق سنة 2025 أي بعد 13 سنة من الآن، إن الأمر يتعلق باختيار وطني يحدد الفوارق بين الحاجيات حسب ما إذا كانت النسبة المحددة هي 10% أو 15% أو ما إلى ذلك من النسب، ذلك أن لكل نسبة وقع مختلف يفرض تحديد السياسة الفلاحية التي تناسبه والتي توفر العيش الكريم لمن سيعيش في الوسط القروي وتوفر كذلك البنيات التحتية لمن سيعيش في المدن حتى يعيش بدوره عيشا كريما, إنني أشاطر الأخ حسن الرأي في كون المخطط الأخضر يرمي إلى رفع الإنتاج والمردودية في اللحوم والحبوب والفواكه وجميع القطاعات، ولكن هذا الهدف يمكن بلوغه بصيغة مختلفة, إذ يكفي اختيار 1000 ضيعة وتجهيزها بمختلف الحاجيات التقنية والتمويلية، فأين يوجد الفارق؟ الفارق الذي يؤكد خطأ هذا التوجه يوجد في أن الخيار الثاني لا يراعي مصير حوالي 15 مليون نسمة التي تعيش في الوسط القروي، في نفس السياق يمكن لمصنع أو صاحب فندق أو من له الإمكانيات المالية أن يشتري 3000 أو 4000 هكتار وتتولى مجموعته بنفسها توفير حاجياتها من المواد الأولية، و في هذا السياق راجت معلومات سنسائل الوزير الوصي بشأنها، وقد حملت ما يفيد الاتفاق مع شركة إماراتية على استئجار 750 ألف هكتار، وإذا ما صحت هذه المعلومة فمعناه أن هذه المجموعة ستتمكن بمفردها من إنتاج ما تنتجه جهة مراكش بأكملها، إن هذا التوجه هو الذي يهدد الفلاحة المغربية ويقوي الهجرة من القرى إلى المدن, إن المعركة من أجل حماية الفلاح الصغير والمتوسط وتحقيق التنمية في الوسط القروي ستستمر، وبعد أن ظهرت بوادر الجفاف فإنها ستكون حادة وذات انعكاسات كبيرة لأن من يملك الأرض والماء وتمويل البنوك لا يواجه مشاكل الجفاف بل يجني فوائده لأنه يتخلص من منافسة الفلاح الصغير له, وما اقترحناه هو رفع الإنتاج عبر الفلاح الصغير ليتمكن بدوره من بلوغ العيش الكريم وهذه هي الصيغة التي تمكن من بلوغ التوازن الاجتماعي, وجاهة الاقتراح تنبثق من استقراء بنية المنتجات الفلاحية التي تؤكد أن 80% من الفلاحين الصغار والمتوسطين ينتجون الخضر والفواكه، ونفس النسبة بالنسبة للحوم الحمراء والحليب، فمعضلة وإشكالية ضمان الأمن الغذائي في المغرب مرتكزة على الفلاح الصغير وتقتضي تطوير قدراته على الإنتاج لقد مر مخطط المغرب الأخضر من مرحلتين، وفي المرحلة الأولى سجل توجها واضحا نحو الاستثمار في وفرة الإنتاج وقد اكتشف وزير الفلاحة مخاطر هذا التوجه فراجع التوجه وجاء في المرحلة الثانية بما صار يعرف باسم الدعامة الثانية, ولكن محتوى قنوات ضمان تسخير الإمكانيات المتاحة لتكون في خدمة الفلاح غير واردة في المخطط الأخضر، فالغلاف الكبير من الدعم رصد للضيعات الكبيرة ، وإذا كانت جهة مراكشالحوز تانسيفت قد استفادت نسبيا من الدعم, فذلك راجع لكون فلاحيها منظمين في التعاونيات، أما الجهات التي تفتقر لتنظيمات الفلاحين فلم تستفد من موارد الدعامة الأولى, وهذا يفرض علينا، في هذه الفترة التي وصل فيها مخطط المغرب الأخضر إلى منتصف الطريق، إيجاد الآليات العملية التي تمكن الفلاح الصغير من الاستفادة الحقيقية من الدعم, أنا لا أومن بسياسة التجميع، إن الذين يدافعون عنها يعطون دوما مثال «كوباك» للحليب بتارودانت، ولكنها في الواقع ليست تعاونية وإنما شركة مقنعة أنشأها 20 فلاحا كبيرا بأزيد من 100 بقرة لكل منهم، ولهم أنشطة أخرى مثل زراعة الحوامض، وبعد أن أقاموا المعمل جمعوا الفلاحين معهم، لكن هذه التجربة الناجحة التي استفاد منها صغار الفلاحين بتارودانت غير قابلة للتعميم, ففي جهة مراكش مثلا لا يتوفر كبار الفلاحين على نفس العدد من الأبقار، والأغلبية الساحقة من الكسابين تتوفر على 5 بقرات أو أقل, ألخص وأقول أن المخطط الأخضر جاء بإمكانيات كبيرة، ووضع آليات دعم الإنتاج النباتي والإنتاج الحيواني ويمكن لأي كان أن يستفيد منها ولكن ما لم يتم وضعه ، وأنا أتوفر على مقترحات، هو كيف يمكن للمنتوجات الفلاحية أن تنظم داخل تعاونيات للفلاحين الصغار تستفيد من التمويل والدعم وتحسين قدراتها على المنافسة؟ هذه هي المعركة السياسية التي كانت حاضرة داخل الاتفاقية المبرمة مع الاتحاد الأوربي، ففيها توجهنا للدفاع عن المصدرين وعن الطماطم التوت الأرضي وعن القوق الخيار والقرع والخص وغيرها، إن التصدير مهم لأن تصدير الفلاح الكبير يعطي للفلاح الصغير إمكانية البيع بسعر جيد، والتصدير له وقع كذلك على التشغيل، أثناء المفاوضات كان التزام الاتحاد الأوربي بمصاحبة الفلاح الصغير لحمايته كلما تضرر من الواردات المغربية، وهذه هي المصاحبة الحقيقية التي علينا في المغرب أن نعمل بها, إن التحرير الذي تضمنته المعاهدة مع الاتحاد الآوربي يهم 15 منتوجا فلاحيا منها الطماطم والثوم والكليمانتين والبرتقال والسكر والتوت الأرضي العنب والمشمش والخوخ، وفي ظل المعاهدة تم رفع حصص صادرات المغرب من بعض المنتوجات وفق جدولة زمنية، وبذلك ارتفعت حصة الطماطم مثلا من 215 ألف طن إلى 285 ألف طن كما ارتفعت حصة الكليمانتين ب31 ألف طن وحصة القرع ب 36 ألف طن وحصة التوت الأرضي ب 4500 طن وحصة الخيار ب 10 آلاف طن, فالإجراءات المتخذة ستمكن من تطوير الاستثمار والتشغيل في هذه القطاعات والأنشطة المرتبطة بها كالبلاستيك وهذا سيمكن المنتجين للسوق الداخلية من الاستفادة من الأسعار ما هو وقع هذه المعاهدة على الميزان التجاري الفلاحي؟ إلى حد الآن ضلت وارداتنا ترتفع وصادراتنا تنقص، وهذه من المعضلات التي واجهها المغرب والتي، في ظلها، لا يمكنه السير بعيدا إن هو استمر على هذا النحو، فمن إيجابيات الاتفاقية أنها ستقلص من العجز التجاري الفلاحي ومن إيجابياتها كذلك أن فتح الحدود سيمكن المستهلك من الحصول على المنتوج بثمن معقول الحديث عن الإيجابيات لا يمكنه إخفاء السلبيات التي تشهد أن تطوير الاستيراد في المغرب لم يحسن القدرة الشرائية في المغرب لكون الأسعار ارتفعت بدل أن تنخفض ، فإذا كان الاستيراد سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار فحينها سيكون علينا أن نغلق الباب لتفادي الخطورة التي سجلناها إذ تؤكد الإحصائيات الرسمية أن الفترة الممتدة من 2005 إلى الآن سجلت ارتفاع الواردات الغذائية بحوالي 16% أي بارتفاع سنوي بلغ معدله حوالي 3% كما سجل ارتفاع الواردات غير الغذائية بحوالي 5% أي بمعدل سنوي في حدود 1% وهو مستوى عادي، لكن ارتفاع واردات بعض المنتجات الحساسة مثل القمح التي ارتفعت بنسبة12 % والشعير بنسبة 50% له علاقة بالخبز ليس فقط كمادة استهلاكية للإنسان ولكن كذلك كمادة استهلاكية للماشية, علما بأن الكساب يفضل في الظروف الصعبة إطعام دابته على إطعام نفسه لأن بهائمه هي التي توفر له إمكانية الحصول على الخبز بالنسبة للصادرات, سجلت نفس الفترة تراجع أثمان الطماطم والبطاطس والبصل وارتفاع البرتقال والتفاح وركود اللحوم، فالأسعار المعمول لا تؤمن الربح للمنتج رغم أن المستهلك يعتبرها مرتفعة, الوقع على ميزان التجاري الفلاحي المغربي تمثل في ارتفاع مهم للواردات الغذائية ب 30% والواردات الحيوانية ب 19% وفي 2011 بلغت قيمة واردات القمح 11 مليار درهم عوض 7 مليار درهم المسجلة سنة 2010، وبالنسبة للسكر ارتفعت قيمة وارداته من 3,7 إلى 4,8 مليار درهم ، أما وقع هذا الوضع على الفلاح فإنه سيسفر عن تطوير الاستثمار والإنتاج والتشغيل على مستوى التصدير وهذا معناه أن الفلاح الكبير والمنظم في تعاونيات هو الذي سيستفيد من الفرص المتاحة بينما الفلاح الصغير غير المنظم سيعاني, من المخاطر المرتقبة من دخول بعض المنتجات الأوربية للسوق المغربية بفعل تطبيق مقتضيات المعاهدة المبرمة مع الاتحاد الأوربي، وفي هذا الصدد يمكن سرد حالة الحليب UHT رغم أن الاتفاقية نصت على مهلة 10 سنوات للاستعداد مع استثناء الفترات التي يواجه فيها المغرب خصاصا من الحليب مثل رمضان، ومن باب التذكير فإن معامل الحليب كانت قبل تعيين حكومة التناوب ترفض شراء الحليب من التعاونيات في الفترات التي يكون فيها الإنتاج وفيرا وتفرض عليهم إفراغه في الخلاء، لكن بمجرد ما رفعت الحكومة مستوى الرسوم الجمركية على الواردات من الحليب الجاف لحماية الإنتاج الوطني اضطرت المعامل المغربية لشراء وحدات التجفيف ولشراء منتوج التعاونيات، وبالتالي فإن حماية الفلاح تحققت بفعل قرار سياسي، أما اليوم فإن الخطورة تتمثل في العودة للمرحلة السابقة إذ في حالة تحرير الاستيراد فإن المعامل ستفضل استعماله على حساب المنتوج الوطني، ولكن المناقشة التي أجريناها مع الوزير المغربي أسفرت عن حصر الحصة المسموح باستيرادها في 7500 طن علما بأنها تصل حاليا إلى 15 ألف طن وبالتالي فإنها لم نصل إلى المستوى الذي يمكن أن يشكل خطرا على لإنتاج الوطني ولكنها لا تضع حدا للمشكل الذي سيبقى مطروحا، بالنسبة للحبوب فإن تحرير مبادلاتها غير وارد ويبقى تحديد مستوى الرسوم الجمركية تحت تصرف المغرب، وقد كانت جلسة يوم الخميس فاتح مارس 2012 للبرلمان مناسبة للتصويت في البرلمان على حذف الرسوم الجمركية على القمح اللين والصلب، وهو تصويت يأتي في ظرفية دولية متميزة بارتفاع أسعار القمح على حوالي 400 دولار للطن، كما أن هذه الجلسة كانت مناسبة تساءل فيها الفريق الاشتراكي عن أسباب عدم تطبيق نفس القرار على الشعير، وهو تساؤل يكمن الجواب الحقيقي عليه في كون أرباب المطاحن والمستوردين تحركوا بوسائلهم الخاصة والوزارة استجابت لمطالبهم, بينما الفلاحون الصغار لا يتوفرون على لوبي يدافع عن المطالب التي تشكل بالنسبة إليهم مسألة حياة أو موت، وحينها اعترف وزيرا المالية والميزانية بموضوعية التساؤل ووعدا بتدارك الموقف، ( وهو ما تحقق في المجلس الوزاري الذي تلا الجلسة البرلمانية) ، فالمشكل له علاقة بالتمثيلية، وهذا الموضوع مطروح على النقابيين، لأن الفلاحين الصغار لا يتوفرون على تنظيمات تدافع عنهم، وحتى الفلاحين الكبار الذين يصوتون عليهم في البرلمان لا يجيدون إلا منطق الدفاع عن الكبار, فيما يخص معالجة إشكالية الجفاف، لقد كنا أول حزب راسل وزير الفلاحة حول الموضوع، فطلب منا مده باقتراحاتنا، وأضن أن القانون المالي الذي سيعرض علينا سوف لن يكون كلاسيكيا،: إجراء دعم الأعلاف الشعير جمرك 35% وبفعل الجفاف ارتفع ثمنه في الأسواق إلى حوالي 5 دراهم للكيلوغرام منها 2 دراهم رسوم جمركية، وقد تقدم الفريق الاتحادي للدولة بطلب دعمه ب1 درهم ليعرض ب 2 دراهم خلال مرحلة الصيانة ,كما طالب بتعميم الدعم على الفصة المجففة والنخالة والأعلاف المركبة، وعلى غرار ما قامت به حكومة التناوب استحضر الفريق الاشتراكي انعكاسات الجفاف على التشغيل بالوسط القروي وطالب بفتح أوراش كبرى لتمكين اليد العاملة الفلاحية من العمل في الوسط القروي بالنسبة لتأهيل الفلاحة الصغيرة من المؤمل أن يصبح الفلاح ، بعد عشر سنوات، قادرا على الاعتماد على نفسه دون أن يكون في حاجة إلى الدعم، وأن يرتكز الإنتاج عليه، وحتى يتمكن من ذلك فإن عليه أن ينظم نفسه في إطار تعاوني وعلى الدولة أن تحفز القطاع التعاوني لأن الوضع الحالي لا يتضمن أي إجراء ملموس يؤكد التوجه نحو هذا الصنف من الدعم بأن قيمة دعم الأبقار الحلوب محدد في 4000 درهم للرأس دون تمييز بين الكساب المتعاون وبين غيره من المستوردين، وبدليل أن البنوك لا تمتع المتعاونين بنسب فوائد تحفز على الانخراط في التعاونيات.