تتموقع بشارع باستور بطنجة (أو كما يسميه الطنجاويين بوليڤار)، أقدم مكتبة بطنجة والمغرب تسمى مكتبة «الأعمدة» (la colonne ). هذه المكتبة، التي تعد من أبرز الواجهات الثقافية بطنجة والمغرب، أسست سنة 1949، وكانت بمثابة فرع سابق لدار النشر الباريسية غاليمار (Gallimard). وقد تناوب على إدارتها مجموعة من المدراء، ما بين 1950 و1975 منهم روبير جيغوفي، بلجيكي الجنسية، الذي سبق له أن اشتغل كأستاذ للرسم والأركيولوجيا، حيث تولى إدارتها رفقة زوجته يفون وأبنته وإيزابيل، وتمكنوا من إعطاء المكتبة صبغة مكتبة للنخب، جُسِّدت في طابع الاستضافة لكل من: سامويل بكيت، الطاهر بن جلون، محمد شكري، جون جوني، بول بولز، إذ كانت المكتبة بمثابة صندوق بريده الخاص يستقبل فيها رسائله.. وأسماء أخرى بارزة في عالم الكتابة. وترأسها سنة 1975 ريشال مويال، حيث تكلفت بإدارتها لمدة 25 سنة.. ضحت بحياتها من أجلها بسبب عشقها للأدب والكتابة.. فأعطت كل المجهود الثقافي والفكري والتدبيري للمكتبة «دفعة» وسمعة ثقافية على المستوى الوطني والدولي. كما توالت عليها على إدارتها أواخر التسعينيات مجموعة من الأسماء، الشيء الذي ترك أثرا، نسبيا سلبي، على مسار المكتبة المهني والمكتبي .. ومؤخرا خضعت المكتبة لأشغال الترميم روعيت فيها معايير ومقاييس العالمية التي تتوفر عليها أكبر المكتبات في العالم، وشكل الافتتاح الرسمي للمكتبة الذي امتد لمدة ثلاثة أيام (16، 17، 18 دجنبر 2010) مناسبة لحضور كتاب وأدباء أمثال الطاهر بن جلون وخوان غويتيصولو وعبد الله الطايع وجون هوبكنس وغيرهم، بعدما اشتراها بيير بيرجي سنة 2008، وهو صديق ايف سان لورو، وذلك لاعتباره لمكانة المكتبة ثقافيا وما لها من تاريخ وأصالة ثقافية. اليوم مكتبة «الأعمدة» تظل، كما كانت في السابق، منفتحة على كل اللغات العالمية من فرنسية، إنجليزية وإسبانية وعربية.. ، بحيث لها زبناء من المغرب وإنجلترا وإسبانيا.. وتشتغل في سياق استراتيجيتها الثقافية على تسطير برنامج شهري ونشر الكتب وإصدار مجلة «نجمة» (nejma). وفي لقاء مع عبد السلام قادري، أحد الأفراد الطاقم المشرف على المكتبة، إلى جانب سيمون بيير هملا، مكتبي ومؤسس مجلة «نجمة» الذي يرأس طاقم مكتبة الأعمدة، أشار إلى أن كون مواصفات المكتبة بتخصصاتها المتعددة، تطمح لأن تلعب دورها الكامل كفاعل ثقافي في المنطقة المتوسطية من خلال رصيدها في الإصدارات، وأيضا لرغبتها في ربط صلات أدبية وثقافية بين الضفتين، وجعل مدينة طنجة نقطة لقاء الحضارات، تجدد احتضانها لهذه البوابة المطلة على الأدب والعالم. في السياق ذاته اعتبر البلاغ الصحافي الذي صدر بمناسبة حفل افتتاح المكتبة، «أن بيير بيرجي، المعروف في المغرب باتقاده وتنميقه لحديقة ماجوريل بمراكش، هو من اختار الاستثمار والمراهنة على هذا المشروع الإنساني وإعادة إحياء مجد مكتبة «الأعمدة». بيير بيرجي، رجل الثقافة والفنون والموثق للحدث الثقافي والمكتبي في بداية مشواره، يأمل في تجربته الجديدة أن يمنح قارئ مدينة طنجة بشكل خاص والقارئ المغربي والأجنبي بشكل عام، الفرصة للإطلاع على أفضل الإنتاجات الثقافية وما جد في عالم النشر بالمغرب أو خارجه». علاوة على ذلك يرأس بيير برجي عددا من الجوائز الثقافية فضلا عن شعبيته الكبيرة والتي اكتسبها في الميدان من خلال تجربته الطويلة وصداقاته مع كبار الكتاب.