يقتصر هذا الكتاب على دراسة المظاهر الغرائبية المتصلة بالمغرب والواردة في مؤلفات الرحالين الفرنسيين الذين زاروا المغرب أو أقاموا فيه لبعض الوقت. وينتمي هؤلاء الرحالة إلى فئات جد متنوعة تتّسع لتشمل السفراء والقناصل ورجال الدين والعبيد والضباط والجنود والمستكشفين والجغرافيين والتجار والموظفين والأدباء والصحفيين والسياح.. كما أن مؤلفاتهم هي كذلك جد متباينة وتتنوع بين الأخبار التوثيقية والمقالات التصويرية والذكريات والمراسلات وكراسات الأسفار والتحقيقات واليوميات إلخ...وتنتسب جميع هذه الكتابات، الجد مختلفة شكلا ومضمونا، والتي تتوزعها الانطباعات السريعة لمسافر عابر، والروايات الموضوعية الناجمة عن إقامة طويلة في البلد، إلى عنوان عام هو «أدب الرحلة». ويشار إلى أن معظم الفصول التي يشتمل عليها هذا الكتاب قد تمّ تحريرها انطلاقا ممّا دوّنه المؤلف عندما كان يعدّ دروسا ميدانية عن الأدب الغرائبي والكولونيالي كان يلقيها أواخر عشرينات القرن الماضي على طلاب معهد الدراسات المغربية العليا بالرباط (كلية الآداب حاليا) . وقد أضاف إليها بعض العناصر الضرورية لاستكمال التدرج التاريخي للوقائع، والربط بين أجزائها المتفرقة، وتقديمها في شكل لوحة متناسقة. كنا في فصل سابق قد تحدثنا عن سرود الأسر بالمغرب ورأينا مبلغ الآلام التي عانى منها هؤلاء الأسرى الأشقياء. ولذلك فإن ما سيستوقفنا في كتاب موييت ليس هو تلك المعاناة المتصلة بالمسيحيين. وقد فطن المؤلف نفسه إلى أن سردا يستغرق في متابعة شقاء وفظاعات الأسر ربما انتهى بأن يُسئم القارئ، ولذلك فهو يستفيد من مهارته الأدبية لكي يدمج في مؤلفه حكايتين أو ثلاث أقل قساوة. ومع أن هذه القصص ذات طابع عابث نوعا ما، فإنها ليست أقل أصالة من تلك التي تدور حول العذابات التي كابدها بعض الأسرى. ثم إنه سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن جميع الأسرى قد عوملوا بقسوة دون سبب. ويبدو أن كثيرا من الأفكار الخاطئة قد تسربت إلى الجمهور بهذا الصدد، وخاصة عبر (65) الأوصاف التي تضمنتها بعض الكتب، مثل ذلك العائد إلى الأب دان. ولحسن الحظ فإن مظاهر التعذيب الوحشية تلك كانت استثناء. وإلى جانب تصويره أنواع العقاب التي كانت تمارس على هؤلاء في بعض الظروف، فإن موييت لا تفوته الإشارة إلى أن كثيرا من الأسرى كانوا يشغّلون في أعمال مقبولة. وقد كان يحدث ذلك خصوصا عندما لا يكون الأسير في خدمة السلطان مباشرة وإنما لدى بعض الوجهاء الذين كانوا أقل قساوة بكثير من عاهلهم. وهنا كان الأسرى يعملون بمثابة خدم، أو حراس، أو بستانيين. وفي هذه الحالة كان المغاربة يطلقون عليهم تسميات من قبيل «النصراني الذي في خدمتي» مثلما نتحدث اليوم عن المغاربة الذين يقومون على خدمتنا بقولنا «خادمي» أو «خادمتي»، غير أنه في القرن السابع عشر كانت ياء النسبة هاته تدل على المالك الذي «يملك»، بالمعنى الواقعي للكلمة، مملوكه. وقد كان من المألوف كذلك أن يقوم بعض الأسرى لدى سادتهم، بحسب وضعياتهم، بنفس الأشغال التي ربما قيّض لهم أن يقوموا بها وهم في بلادهم الأصلية، مثل الأطباء منهم أو أساتذة الموسيقى. ونحن لم نذكر هاتين المهنتين اتفاقا، ذلك أننا نصادفهما في كتاب موييت تحديدا. توجد في هذا الكتاب قصتان مسلّيتان حصلتا لبعض هؤلاء الأسرى المحظوظين، وسوف نتوقف عندهما. ولكن قبل ذلك علينا إذا أردنا أن نهتدي لهذين القصتين أن نرجع إلى النسخة الأصلية للكتاب، وليس إلى الطبعات اللاحقة التي تقوم بحذف مقاطع من الأصل. ولدينا في كتاب موييت نماذج من هذه التحريفات. إن هاتين القصتين اللتين أوردهما رحّالتنا تشتملان على نفس الفائدة التي تتضمنها أجزاء الكتاب الأخرى. وسنقوم بفحصهما، ليس فحسب لطابعهما المسلّي، ولكن لأن في كل واحدة منهما نواة لموضوع روائي، ربما كان الرواية الأولى حول المغرب. ويستحق هذا الأمر أن نتوقف عنده. لننظر إذن في القصة الأولى التي تشكل فصلا مستقلا من الكتاب يحمل عنوان «علاقة غرامية بين أسير فرنسي وسيدة سلاوية»، وهي مكتوبة بذلك الأسلوب البالي الذي كان منتشرا في القرن السابع عشر، والذي حافظ على جماله الخفي، الذي سنحاول قدر الإمكان الكشف عن نكهته. يقول موييت بأن النساء الإفريقيات في معظمهن قليلات العفة، وهو يحرص على تفسير سبب ذلك، وفي رأيه أن ذلك يعود في جزء منه إلى أمزجتهن، ثم إلى واقع أنهن يعشن مع رجل متعدد الزوجات. بيد أنهن لا يرتحن عند إقامة علاقات غرامية مع مسلمين، لأن أزواجهن مفرطو الغيرة ولا يسمحون لهن بالخروج، ولكنهن لا يصادفن نفس العنت مع الأسرى لأن الأزواج لا يتحرّزون منهم بالقدر الكافي أو لأنهن يقنعنهم بأن المسيحيين لا يبصرون (وهي حجة موفقة)، أو لأن الأزواج يتصورون أن الخوف من العقاب الرهيب يكفي لردع الأسرى عن إتيان هذا السلوك. وهكذا فالمسلمون يحتاطون كثيرا من جانب، ويتقاعسون عن الاحتياط من جانب آخر، ويكون في ذلك فرصة مواتية لنسائهم كما ستوضح لنا هذه الأقصوصة.