تظاهرة ضد السلطة في تونس تحت شعار "المعارضة ليست جريمة"        التعادل يحسم مواجهة مصر والإمارات في كأس العرب    سبتة المحتلة .. متابعة إسبانية في قضية اعتداء جنسي على قاصرين مغاربة        وزارة بنسعيد تغرم المقاهي بسبب الموسيقى    المنتخب العراقي يعبر إلى دور الربع    حزب الحركة الشعبية يعقد الدورة السادسة لمجلسه الوطني بالحسيمة (صور)    توطين الاستثمار وتثمين الواحات.. البواري وزيدان يبسُطان حصيلة الإنجازات    طنجة.. توقيف سائق الشاحنة المتورط في دهس عاملة نظافة وفراره بالعوامة    11 قتيلا في هجوم مسلح داخل فندق بجنوب إفريقيا    الفرقة الوطنية تحقق في فيديو يتضمن تهديداً للزفزافي    في وقفات احتجاجية جهوية.. الممرضون يحتجون للمطالبة بتنفيذ اتفاق يوليوز 2024 وتحسين أوضاعهم المهنية    يوسف العمراني .. القرار 2797 يكرس محورية ووجاهة مخطط الحكم الذاتي كحل نهائي    فتاح تؤكد البعد الاستراتيجي للشراكة الاقتصادية المغربية-الإسبانية    جمال السلامي: الأهم هو أننا تفادينا مواجهة المغرب في كأس العالم    الوالي التازي يضع طنجة على درب المدن الذكية استعداداً لمونديال 2030    بايتاس يهاجم صنّاع الفرجة السياسية ويستعرض حصيلة الحكومة    هيئات الصحافة والنشر تهاجم الوزير بنسعيد وتصف تصريحاته بالفضيحة    ديكتاتور بلا مونتاج .. تسجيل غير صالح للبث    4 قتلى و8 جرحى في حادث مروع بعد اصطدام شاحنة ببنايتين وسط الفنيدق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    قدمت من طنجة.. ضبط أكثر من طنين من الحشيش على متن شاحنات بميناء الجزيرة الخضراء        توقيع ثلاث اتفاقيات لتطوير البنيات التحتية اللوجستية والتجارية بجهة الداخلة–وادي الذهب    القصر الكبير : الإعلامي "إبراهيم بنطالب" يُوَجِّهُ رسالة مستعجلة الى السيد باشا المدينة بتدخل بشأن وضعية دار الثقافة    لقجع يستقبل دياغنا نداي بالمعمورة    جمعيات حماية المستهلك تثمن تحرك مجلس المنافسة ضد التلاعب بالأعلاف        مصر تدعو إلى نشر قوة دولية بغزة    ستون صورة ومغرب واحد نابض بالعاطفة.. افتتاح استثنائي يكرّس المغرب في ذاكرة الصورة    ريتشارد يحتفي بإطلاق نيالا ويستعد لتمثيل سوريا في الدوحة    لجنة تحكيم ثلاثية دولية لاختيار أفضل عرض سيرك لسنة 2025 بالدورة 7 للمهرجان الدولي لفنون السيرك بخريبكة    الجزائر تستعمل لغة غير لائقة في مراسلاتها الدولية وتكشف تدهور خطابها السياسي    أخنوش من الرشيدية: من يروج أننا لا ننصت للناس لا يبحث إلا عن السلطة    المكتب الشريف للفوسفاط يستثمر 13 مليار دولار في برنامجه الطاقي الأخضر ويفتتح مزرعته الشمسية بخريبكة    الركراكي: حكيمي يبذل جهداً كبيراً للحاق بالمباراة الأولى في "كان 2025"    وزير الصحة يجدد في طوكيو التزام المغرب بالتغطية الصحية الشاملة    مشعل: نرفض الوصاية على فلسطين    أنشيلوتي: مواجهة المغرب هي الأصعب في مجموعتنا في كأس العالم 2026    الركراكي يُعلق على مجموعة المغرب في كأس العالم    ملاحقات في إيران إثر مشاركة نساء بلا حجاب في ماراثون    سطات .. انطلاق فعاليات الدورة 18 للملتقى الوطني للفنون التشكيلية نوافذ    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش.. تكريم حار للمخرج المكسيكي غييرمو ديل تورو    تزنيت : دار إيليغ تستعد لاحتضان ندوة علمية حول موضوع " إسمكان إيليغ بين الامتداد الإفريقي وتشكل الهوية المحلية "    سوس ماسة تطلق برنامجاً ب10 ملايين درهم لدعم الإيواء القروي بمنح تصل إلى 400 ألف درهم لكل منشأة    تحذير من "أجهزة للسكري" بالمغرب    الكلاب الضالة تهدد المواطنين .. أكثر من 100 ألف إصابة و33 وفاة بالسعار        قبل انطلاق كان 2025 .. الصحة تعتمد آلية وطنية لتعزيز التغطية الصحية    الاجتماع رفيع المستوى المغرب–إسبانيا.. تجسيد جديد لمتانة الشراكة الثنائية (منتدى)    "أمريكا أولا"… ترامب يعلن استراتيجية تركز على تعزيز الهيمنة في أمريكا اللاتينية وتحول عن التركيز عن آسيا    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    دراسة: الرياضة تخفف أعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    الأوقاف تكشف عن آجال التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    موسم حج 1448ه... تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجهوية والهوية الوطنية في التنوع الثقافي والمساواة الاجتماعية والاقتصادية

إن العودة الكثيفة للحديث عن الهوية اليوم، سواء في مجال الخطاب السياسي أو في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية والمعرفية، أصبح أحد المظاهر الدالة على التغيرات التي تعرفها المجتمعات المعاصرة بفعل تأثير العولمة وانعكاساتها على رؤى الفاعلين السياسيين، و التحولات البراديجماتية المصاحبة لكل تغير وتحول يمس الحياة والوجود والمجتمع ومصير الإنسانية. من هنا يأتي اهتمامنا بالهوية الوطنية لمعرفة درجة تأثرها بأعراض العولمة من جهة، ولمعرفة قوة مناعتها الخاصة إزاء الأعراض الجانبية لهذه العولمة. وذلك من خلال الحديث عن التنوع الثقافي والمساواة الاجتماعية والاقتصادية. فما الهوية الوطنية؟ وما التنوع الثقافي؟ وهل يعاضد التنوع الثقافي هذه الهوية من خلال تحقيق المساواة وخاصة على مستوى الجهات؟ أم يضعفها من خلال إفراز اللامساواة بين الأفراد والجماعات والجهات؟
أولا: في الهوية الوطنية
سبق لي أن أثرت مسألة الهوية في كتابي «في الهوية والسلطة» (2007) في بعديها اللغوي والفلسفي بالخصوص، باعتبارها تطابقا أو تماثلا ، انطلاقا من الحديث عن «عرش» ملكة سبأ في قصة سيدنا سليمان حين سألها عن عرشها بعد أن جئ به:» أهكذا عرشك»؟ ولم يقل لها هل هذا عرشك كي تجيب بنعم أو لا حيث المطابقة أو عدمها. فأجابته بمكر أيضا: «كأنه هو». وقد شكل هذا العمق اللغوي دلالة البدء في الحديث عن إشكال فلسفي مرتبط بمسألة الهوية. وحديثي اليوم عن الهوية الوطنية استمرار لهذا الانشغال من زاوية أخرى. في «أزمة الهويات» يطرح كلود ديبار, عالم الاجتماع الفرنسي وأحد رواد السوسيولوجيا المعرفية المعاصرة في فرنسا, الهوية الوطنية عند الحديث عن الوطنية باعتبارها هوية رمزية, حيث يرى أن الانتماء إلى أسرة وإلى مهنة يشكل الاهتمامات المعاصرة التي تشغل بال الناس اليوم. ويبدو الأمر طبيعيا مادام أغلب الناس يبحثون عن الاستقرار الأسري والمهني كما لو أن سعادة الناس ووجودهم يكمن في تحقيق هاتين الأمنيتين. ويتساءل كلود ديبار هل تكفي هذه الانتماءات كي تحدد هوية الأفراد؟ والجواب واضح بكل يقين ,بالنسبة له, إذ إذا كانت الهوية في معناها القانوني هي أن يكون لكل شخص حق الانتماء لعائلة بحيث تمنحه اسما عائليا تتوارثه واسما شخصيا كي تتحدد قرابته وسلالته ونسبه, وأن يكون له الحق في الانتماء إلى مهنة, فإن هذين الحقين لوحدهما لا يكفيان كي يؤسسا أو يضمنا هوية أي فرد. لذلك لا تكتمل الهوية? في نظر كلود ديبار، إلا بالانتماء إلى الوطن. وهذا الانتماء هو الذي يمنحه وطنيته, بحيث توجد الوطنية في قلب الهوية القانونية مثلما هو الاسم بالنسبة للهوية الفردية. وهذا ما يعطي للهوية بعدا آخر وتحولا براديغماتيا جديدا: الهوية مواطَنة مُواطِنة.
إن الوطنية في مفهوم المجتمعات المعاصرة تعني المواطنة بما هي حقوق وواجبات: حق التصويت الذي يعني حرية الاختيار الإرادي والتعبير الحر عن أفضليات اجتماعية أو سياسية سواء تعلق الأمر باختيار أفراد أو أحزاب أو برامج؛ واحترام التعددية التي ليست سوى الاختيارات المعبرة عن الحوافز الرمزية. غيرأن الوطنية ليست فقط حق التصويت بل هي واجب أيضا (واجبات اجتماعية أساسا) أي واجب التعبير الديمقراطي عن اختيارات تحددها قيم الشخص ومعتقداته. وهذه القيم والمعتقدات هي ما يشكل ثقافته بفعل التكوين والتربية والتهذيب وهي التي تحدد? بدورها الهويات الرمزية التي تلتئم منها لحمة الهوية.
إن هذا التحول البراديغماتي للهوية الوطنية إلى هويات رمزية يسمح لنا بتجاوز الثنائية الهوياتية التقليدية التي هيمنت طويلا على خطاب الهوية: الهوية الجوهرانية والهوية الوجودية/الاسمية. حيث ينظر الاتجاه الأول إلى الهوية باعتبارها جوهرا أو ماهية لا تتغير مهما كانت التحولات التي تعرفها المجتمعات والمعارف الإنسانية. ويذهب الاتجاه الثاني إلى اعتبار الهوية متغيرة وغير ثابتة وخاضعة للتحول. وهكذا يتجنب كلود ديبار هذه الثنائية ويعتبر الهوية نتاج مماثلة ممكنة ومحتملة. أي أنها نتاج عملية لغوية مزدوجة تجمع بين الاختلاف والانتماء الجماعي ذي الروابط المشتركة المختلفة عن روابط الجماعات الأخرى المكونة لمجموعة أكبر هي الوطن. من هنا التركيز على التنوع الثقافي باعتباره مخصبا للهوية ومكونا للهويات الرمزية المشكلة للهوية الوطنية باعتبارها الغاية المثلى للانتماء للوطن.
ثانيا: التنوع الثقافي والمساواة الاجتماعية والاقتصادية
أعتمد في هذا العرض التنوع الثقافي في بعديه الإنساني والاجتماعي. أعتمده في بعده الإنساني من خلال التداول القانوني للمفهوم كما هو مجمع عليه في إعلان اليونسكو العالمي بشأن التنوع الثقافي (2 نونبر 2001) باعتباره إرثا مشتركا للإنسانية؛ وضروريا للجنس البشري ضرورة التنوع البيولوجي بالنسبة للكائنات الحية؛ يتجلى في أصالة وتعدد الهويات المميزة للمجموعات والجماعات التي تتألف منها الإنسانية (المادة الأولى من الإعلان). وأعتمده في بعده الاجتماعي باعتباره أولا تعبيرا رمزيا عن أنماط العيش المادية والطقوس الرمزية المشتركة والحياة الاجتماعية التي تتميز بها جماعة عن جماعات أخرى يتكون منها المجتمع. وباعتباره ثانيا أحد مصادر التنمية في مختلف أبعادها الاقتصادية والفكرية والروحية والعاطفية والأخلاقية. (المادة الثالثة من الإعلان]
يفضي هذا الطرح إلى اعتبار التنوع الثقافي، في بعديه الإنساني و الاجتماعي، اللحمة التي تتشكل منها الهوية الوطنية باعتبارها انتماءا مشتركا لكل المكونات الثقافية التي تشكل مختلف الخصوصيات؛ ومصدرا من مصادر التنمية في مختلف أبعادها.
غير أن المصادرة على هذه الأطروحة التي تجعل من التنوع الثقافي معادلة لإغناء الهوية الوطنية وتحقيق التنمية يخفي مفارقة بدون فك شفرتها لا تتحقق المعادلة السابقة بل قد تؤدي إلى نتائج مضادة. ذلك أن التنوع الثقافي باعتباره حلا سياسيا للتعدد الثقافي له مضاعفات قد تؤدي إلى عكس المطلوب من نوايا إعلان اليونسكو العالمي. وقصدي في هذا العرض أن أبين مظاهر هذه المفارقة كي نتجنب مضاعفاتها ونوجه التنوع الثقافي في اتجاه تعضيد الهوية الوطنية والمساهمة في التنمية الجهوية في الآن نفسه.
تكمن المفارقة في كون التنوع الثقافي الذي يفترض فيه أن يضمن المساواة يعارضها أو يحجبها ويبررها. من يجرؤ اليوم أن يعلن هذه المفارقة في الوقت الذي أصبح فيه التنوع الثقافي البراديجم المهيمن على الخطابات السياسية والإنسانية والعلمية؛ والوصفة السحرية لحل مشكلات التعدد الثقافي وما يصاحبها من مطالب يسحرها مبدأ الدفاع عن الحق في الاختلاف.
(*) رئيس شعبة علوم التربية
المدرسة العليا للأساتذة- فاس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.