انعقدت بأحد فنادق الدارالبيضاء ندوة تكريمية، نظمتها جمعية قدماء التلاميذ البيضاويين للدار البيضاء الكبرى بشراكة مع جمعية فنون وثقافات ومؤسسة (M.J.I.D) يوم 17 مارس2011 ، تمهيدا للحفل الذي سيحل يوم 5 أبريل تحت شعار (ليلة الوفاء)، تكريما للمسرحيين المغربيين المرحومين محمد سعيد عفيفي وحسن الصقلي. وقد حضرت هذا اللقاء الثقافي، أطر مغربية كثيرة ووسائل إعلام متنوعة . أدار الندوة باقتدار الأستاذ حسن حبيبي، حيث قدم فيها رؤساء الجمعيات المنظمة للتكريم، موضحا أن جهودا بُذلت منذ أزيد من خمسة شهور استعدادا لهذه التظاهرة الثقافية. في كلمة مقتضبة ومكثفة، ركز الدكتور قمري، رئيس «جمعية ثقافة وفنون»، على أن المرحومين يستحقان منا وقفة إجلال وإكبار لما قدماه لثقافتنا من خدمات جُلّى، ولم يفت الأستاذ زهير التنبيه إلى أن فنانين كثرٍِِ بحقهم وكفايتهم، لايتهافتون ولايتدافعون بالمناكب، يفضلون الاشتغال في صمت، هؤلاء أيضا ما أحوج الجهات المعنية للتفكير فيهم امتنانا لعطاءاتهم، هؤلاء ماأحوج أن يكرَّموا وهم على قيد الحياة، قبل أن يواريهم التراب. وتناول بناصر التهامي، رئيس جمعية قدماء التلاميذ البيضاويين للدار البيضاء الكبرى الكلمة معبرا عن «أن الشراكة مع الجمعيات هو موضوعنا المستقبلي. والأمل المنشود من نضالاتنا هو الإسهام في تكريم ذوي العطاء ممن يساهمون في تقدم بلادنا من رياضيين وممثلين وسياسيين، والدائرة اليوم على تكريم عملاقين مسرحيين، وفي الغد القريب يمكن على رجلين من رجالات السياسة، التهامي المتواضع وعمر شعيرة،وفي اللائحة آخرون أذكر منهم أحمد صبري، صحافي الاتحاد الاشتراكي». وصرح محمد امجيد عن مؤسسة امجيد بأن المرحومين حسن الصقلي وسعيد عفيفي هما من رواد السينما والمسرح والدراما التلفزيونية، ومن كبار المسرحيين في الوطن العربي ككل، وسيظلان منارة أو نهجا يقتدى به.وتكريمهما اليوم هو واجب لكل من عمل عملا فأتقنه. وفي تدخله، أشارالطيب الصديقي، قيدوم المسرحيين إلى أن هاته التظاهرة في مستوى الحدث، ولايمكن للصحافة إلا أن تفتخر بها وتجعلها مادتها الرئيسية الدسمة. فالرجلان - يقول - أعرفهما منذ البدايات، وقد قدمت لبعضهما تسهيلات دفعت به قدما في عالم المسرح، كماكان تبادل الأفكار والاحترام والتقدير بيننا على الدوام. وأستطيع اللحظة أن أحيي مَن عمل من قريب أو بعيد، بشيئ كثير أو بشيئ قليل على الوفاء لمثل هذين الفقيدين الرائعين ومن خلالهما لكل المكرمين الذين قدموا لهذا البلد ما في الوُسع. وأكدت نجاة الصقلي، زوجة المرحوم حسن الصقلي «أن هذا اللقاء مؤثر فعلا ومثمر وخصب أيضا، إذ تأتلف فيه قلوب كثير من الفعاليات، وهو يزامن اليوم العالمي للمسرح، ولا أملك إلا أن أقول إني ممتنة لكل من نظم وحضر وشارك في تكريم رائدين من رواد المسرح والثقافة في بلادنا،وأخص بالذكر، جلالة الملك، لتفضلِه برعاية الفقيدين قبل وأثناء وبعد غيابهما.أحس في هذا التكريم أن روحيهما تحيط بنا باسمة، هادئة مرتاحة، فناما قريرا العين.اللهم اغطس عظامهما في جنتك،يا أرحم الراحمين». أما كريمة عفيفي، زوجة الفقيد سعيد عفيفي، فلم تقو على النطق، على التعبير عما يخالجها في هذا اللقاء «ماذا أقول؟ أشعر بالرغبة في البكاء من الفرح لهذا الحشد من رجالات المجتمع ووسائل الاعلام على تنوعها واختلافها للشهادة على تكريم مستحق لرجلين استثنائيين في مغربنا الحبيب. أشكر الاتحاد الاشتراكي -في شخصك سيدي - لأنها لم تتأخر يوما في معانقة المكرمين المميزين بعطائهم. ولقدتم بث شريطين وثائقيين عن المرحومين، استعرضا جزءا من مسارهما الحافل بالعطاء والتنوع في التجارب والمواهب، كما بينا أن الرجلين معا منبتُهما مدينة البيضاء، منها أقلعا في الأربيعنيات(الصقلي 1931 وعفيفي 1933)،إلى فضاء الإبداع والخلق،وإليها عادا بعد أداء أدوارهما،لتواري جثمانيهما الطاهرين (الصقلي،ت 2008 وعفيفي،ت 2009)،كما رسم الشريطان الخطوط العريضة لشخصية المكرمين الراحلين،فكلاهماخفيف الظل والدم والروح،كثير الحركة،بعيد عن البهرجة والادعاء.. ولعل هذا ما يفسر ما قام به الفنان القدير رشيد الوالي يوما أمام الكاميرا حيث لم يستطع أن يخفي شعوره وغبطته كونه يشتغل في حقل هذين العملاقين المرحومين، فارتمى على جبهة أحدهما وهو حسن الصقلي لتقبيلها بقوة وتعطش وحب صادق،والقبلة والوردة دليل وفاء وعهد على السير على الدرب. وكلا المرحومين متيَّمان بالمسرح،وكلاهما له أعمال جليلة سينمائية وتلفزيونية..وكلاهما شارك في أعمال عالمية وكلاهما خلد روائع من المسرح تسجَّل بمداد الفخر والاعتزاز في ريبيرتوار الأعمال الخالدة التي لاتموت بعد أصحابها والتي تظل محفورة في الصدور والرؤوس. وركزت المداخلات والتعقيبات التي تلت استعراض الشريطين على الدعوة إلى مزيد من الاهتمام بتكريم أطرنا وكفاءاتنا في إشارة إلى المفارقة في التعامل بين مبدعي الوطن ومبدعي ثقافات أخرى،مشددة على مسألة التوثيق وضرورته.إذ مع الوقت قد يقع النسيان أو التناسي والعبث والتلف ..،فتضيع تجارب قيِّمة ما أحوج الأجيال لمعرفتها،لكن بفضل التأريخ أو التوثيق،الذي هو في الواقع عملية ضخمة ومجهدة ومعقدة ومكلفة،خلافا لجهود توثيقية يقوم بها أفراد (ناقدون -باحثون-مهتمون-مؤرخون)ولكنها محدودة في الزمان والمكان،يمكن لمؤسسات وطنية بعينها تحدوها رغبة النهوض بالتوثيق قويا،عبر الكتابة (الكتاب-القرص المدمج -الفيديو.. أن تحفظ تجارب أثيلة وحداثية على غرار ما بذله هذان المكرمان الراحلان:حسن الصقلي ومحمد سعيد عفيفي، من عوادي الزمن والعولمة.