منذ 2012 والقطاع العقاري الوطني في تراجع. فحسب الإحصائيات الرسمية تراجعت وتيرة إطلاق المشاريع السكنية الجديدة بشكل قوي ومستمر على مدى السنوات الأخيرة، خاصة في مجال السكن الاقتصادي، ونزل حجم أوراش البناء الجديدة التي تفتح سنويا من 474 ألف وحدة سكنية في 2011 إلى 225 ألف في 2015، أي بنسبة 52 في المئة خلال هذه الفترة. وتشير إحصائيات وزارة السكنى للنصف الأول من 2016 إلى انخفاض جديد الشقق السكنية التي أطلقت أوراش بنائها خلال هذه الفترة بنسبة في المئة 10 في المئة مقارنة بنفس الفترة من 2015. ورغم هذا التراجع القوي في بناء الشقق الجديدة فإن الشركات العقارية تجد صعوبة في إيجاد منافذ لمخزونها من الشقق الجديد التي تراكمت بشكل مقلق وأصبحت تهدد بخنق وإفلاس كبريات الشركات العقارية المغربية. وتعاني الشركات العقارية خلال السنوات الأخيرة من ارتفاع كبير في مديونيتها بسبب الاستثمار في المشاريع السكنية الكبرى التي لم تجد منافذ في السوق. بالنسبة للمهنيين، خاصة الجامعة الوطنية للمنعشين العقاريين، فإن تشخيص الأزمة واضح: ضعف القدرة الشرائية للمواطنين وعجزهم عن اقتناء الشقق. فعلى مدى السنوات الأخيرة جمد الحوار الإجتماعي وجمدت الأجور، في حين ارتفعت كلفة المعيشة بشكل صاروخي. ولم يجد المواطنون من سبيل لمواجهة تكاليف المعيشة وتعليم الأطفال سوى الاستدانة، الشيء الذي أدى إلى ارتفاع قوي لمديونية الأسر. وأكدت دراسة ميدانية لوزارة السكنى أن حجم الطلب على السكن يناهز 1.6 مليون وحدة سكنية، ضمنها 1.2 مليون وحدة سكنية في الوسط الحضري. وأوضحت الدراسة أن 83 في المئة من هذا الطلب يتعلق بشقق جاهزة و17 في المئة بتجزئات سكنية. غير أن المشكلة التي يواجهها جل هذا الطلب هو عدم القدرة على الأداء بسبب تدهور القدرة الشرائية وارتفاع مديونية الأسر. فنسبة الراغبين في الشراء المستعدين لتمويل العقار تمويلا ذاتيا لم تتجاوز 1 في المئة حسب الدراسة، فيما يعول 23 في المئة منهم على المساعدات العائلية. وصرح أزيد من 51 في المئة من المستجوبين أنهم سيلجؤون إلى الإقتراض من البنك، فيما يعول 12 في المئة على مداخيل رهن أو بيع ممتلكات أخرى للتمكن من شراء الشقة الموعودة. ولم يخرج السكن الاجتماعي عن القاعدة، فرغم أن ثمنه محدد قانونيا بسعر 250 ألف درهم للشقة، إلا أنه أصبح فوق طاقة شرائح واسعة من المواطنين، خصوصا الشرائح المستهدفة، التي تدهورت قدرتها الشرائية بشكل جعل حلم اقتناء سكن بسيط في ضواحي المدن الكبرى يبدو أمرا بعيد المنال. ويرجع العديد من الملاحظين الفورة التي عرفها السكن الاجتماعي قبل سنوات إلى إقبال الطبقة الوسطى على اقتنائه، عوضا عن الشرائح التي كان موجها لها أصلا. غير أن الأمور تغيرت مع عجز الحكومة على إيجاد منتوج خاص بالطبقة الوسطى. فقد اتجه المنعشون العقاريون في السنوات الأخيرة إلى بناء مشاريع من نوع جديد موجهة للطبقة الوسطى في ضواحي المدن، عبارة عن شقق تتراوح مساحتها بين 50 متر مربع و70 متر مربع بأسعار تتراوح بين 5000 و7000 درهم للمتر مربع. في الواقع لا تختلف هذه الشقق عن شقق السكن الاجتماعي إلا ببعض اللمسات البسيطة وزيادة في السعر وعنوان الحملة الإشهارية. ورغم ذلك فإن هذه المشاريع شدت أنظار الطبقة الوسطى وجعلتها تتحول عن السكن الاجتماعي المنجز في إطار اتفاقيات مع الحكومة، الشيء الذي زاد من حدة الكساد الذي يعرفه قطاع السكن الإجتماعي. وفي الوقت الحالي فإن أهم منفذ لمشاريع السكن الاجتماعي هو الاتفاقيات التي يتم التوصل إليها بين المنعشين والحكومة في إطار عمليات إعادة إسكان سكان الأحياء الآيلة للسقوط والسكن الغير اللائق. وتعاني العديد من مشاريع السكن الاجتماعي من الكساد، وتعيش العديد من المنعشين الذين انخرطوا فيها تحت هاجس المراجعات الضريبية.