أصدرت السلطات المحلية المغربية، أمرا لتجار الملابس بالامتناع عن خياطة وبيع البرقع، بهدف محاربة الانتشار المحتمل لهذا الزِّي الدخيل على المغرب، ورغم أنها لم تقدم المبررات التي دعتها إلى اِتخاذ هذا القرار، فإن ما راج حوله هو أن هناك دواعي أمنية، فرضت ذلك، حيث إن هذا اللباس يغطي الجسد والوجه كله، ولا يسمح بالكشف عن هوية مستعملاته أو مستعمليه... غير أن هذا القرار يثير عدة إشكالات، أولها السند القانوني، حيث لا يوجد أي نص قانوني يمنع خياطة وبيع البرقع، أو اِستعماله، لذلك فإن السلطات تصرفت اِنطلاقا من صلاحياتها، التي قد تسمح لها باتخاذ إجراءات، في إطار مسؤوليتها الأمنية وحفظ النظام العام. ثانيها، ما يتعلق بالحرية الفردية، وهو المبرر الذي لوّح به الأصوليون، لمواجهة قرار السلطات المحلية، معتبرين أن من حق الخياطين بيع البرقع، ومن حق النساء اِستعمال هذا الزي، لأن هناك حرية التجارة، كما أنه لا يمكن منع شخص من لَبْس مايريد، ما دام لا يتعارض مع القانون. هذا الجدل هام جدا، لأنه يٓجُرّ الأصوليين إلى اللعب في المنطقة المحرمة، بالنسبة إليهم، كما فعلوا عندما تم ضبط القياديين في حركة التوحيد والإصلاح، عمر بنحماد وفاطمة النجار، وهما يمارسان الجنس، في شاطئ المنصورية، حيث تعاملوا مع الموضوع بمرجعية الحريات الفردية، التي يعادونها ويعتبروها، في الأيام العادية، مجرد فسق وتهتك وفساد أخلاقي. و في هذا الإطار، يواجهون أنصار منع البرقع، بشعار «صايتي حريتي»، حيث يعتبرون أنه إذا كان من حق الفتيات لَبْس التنورة القصيرة، فمن حقهن أيضا لَبْس البرقع، في إطار احترام حرية الشخص. وهذا منطق سليم، في المُجٓرّدِ، رغم أنه لا يجيب عن المشكل الأمني، في ضرورة الكشف عن الوجه. لكن ما يتجاهله هذا المنطق، هو أن اِستعمال البرقع ليس مسألة بريئة، تتعلق فقط باختيار شخصي، بل إنها تحمل في خلفيتها إيديولوجية دينية متطرفة، ومنظورا ثقافيا ظلاميا وظالما، تجاه المرأة، وتوجها سياسيا لا يقبل المجتمع الذي يحيا فيه، بل يعتبره مجتمعا جاهليا. لا يمكن أن نناقش موضوع البرقع، خارج السياق الثقافي والسياسي، الذي تجتازه منطقتنا، بل ومناطق أخرى في العالم، فهذا الزِّي الدخيل على المغرب، مرتبط بانتشار أفكار متطرفة وبالإرهاب وبمنظور متخلف لما ينبغي أن يتوجه فيه المجتمع، فهو ليس مجرد لباس، بل هو رمز للظلامية لونا وشكلا ومضمونًا.