لا شك أن مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، وهو يختار طريقة جلوسه غير المنسجمة مع وضعه كمسؤول في مركز قرار هام في بلادنا، على كرسي «فرضته الأيام»، في الاجتماع الذي عقدته اللجنة الحكومية المشرفة على الانتخابات مع أمناء الأحزاب السياسية ذات الفرق البرلمانية في مجلس النواب الأسبوع الماضي، قد استوعب الدرس جيدا، ووصلت إلى مسامعه كما إلى ذهنه الإشارات القوية التي جاءت في تدخل الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي الأستاذ إدريس لشكر، وهي الإشارات التي بسطت دلائلها ، بعدما تمادى وزراء من حكومة بنكيران في الاستغلال السيء لمقاعدهم الوزارية ، مرة بممارسة الترغيب في صفوف من بدءوا بالفعل منذ منتصف الولاية الحكومية ، يتساءلون عن الأسباب الحقيقية وراء الإخفاقات المتتالية للعمل الحكومي في ملفات اقتصادية واجتماعية وسياسية في قراءات برهنت في تحليلاتها من طرف المحللين الاجتماعيين والاقتصاديين والسياسيين،عن النفق المظلم المؤدي إلى المجهول والذي بإمكانه أن يوصل البلاد إلى كارثة يصعب الخروج منها. وتخلل هذا «الترغيب الحكومي» محاولات الإقناع عبر كافة البوابات بما في ذلك قبة البرلمان، أن الأمر يتعلق بتمساح يفشل كل المشاريع التي تقترحها الحكومة ، وأن هذا التمساح يمارس التحكم بحكومة لا يرأسها بنكيران، الذي أعطاه الدستور صلاحيات كبرى، بما في ذلك الإعلان عن اسم التمساح ومحاكمته ،بناء على ما يصرح به السيد بنكيران على رأس حكومته وحزبه وكافة منظماته الموازية، في كون التمساح موجود، وفي وجوده تكبيل لرئيس الحكومة ووزرائه، وإلغاء لبرنامجه الحكومي، ووضع برنامج آخر من بوابة التحكم، ككلمة صدعت مسامعنا حتى ذهبنا نبحث في تفاصيلها دفاعا عن مؤسسة رئيس الحكومة بالصلاحيات التي خضنا بالفعل معارك لتثبيتها في دستور 2011. ولم يكن الترغيب وحده أسلوب حكومة القهر التي جثمت على كافة أحلامنا في العدالة الاجتماعية والكرامة والحرية، بل إن وزراء الحكومة ومنهم رئيسها، توجهوا إلى الترهيب الفعلي ، بقطع الأرزاق في صفوف من رفضوا أسلوبهم في تدبير ملفات المغرب المتميز في المنطقة، لوضع زبانيتهم وأقاربهم، في مشهد يدعو إلى التقزز، خصوصا عندما توجه وزراء من حكومة بنكيران إلى خلق تفرقة في صفوف الشعب ، هدفهم فقط الحفاظ على قاعدة انتخابية تثبتهم في مقاعدهم الحكومية، دون اكتراث بتداعيات ذلك على مصلحة البلاد واستقرارها. أبدأ مقالي بهذا الطرح المفصل لأقول لقرائي ،أن وزير العدل والحريات السيد مصطفى الرميد، لم يكفه هذا «التنوعير « بل اختار «تنوعيرا» أعمق ليعلن للرأي العام أنه يريد أن يقضي عطلته السنوية في شمال المغرب وتحديدا في منطقة وادي لو، بعدما وافق رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران على تمكين الوزراء من حقهم في ذلك. واستحسن من تداول الخبر اختيار الرميد قضاء عطلته داخل بلده ، وهو الاختيار الذي لربما يمحو اختيار زميله في الحزب وفي جماعة التوحيد والإصلاح السيد محمد يتيم ، بقضاء العطلة في أرقى منتجع خارج الوطن. والحال أن وزير العدل والحريات -الذي عدل من جلسته مصدوما بالمعلومات التي طرحها الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الأستاذ إدريس لشكر في الاجتماع المذكور أعلاه، حول الخروقات التي يقدم عليها الوزراء في استمالة المرشحين من داخل الأحزاب بالضغط الذي وصل حد التهديد - ذهب إلى وادي لو في حملة انتخابية قبل أوانها، الشيء الذي استغرب له المواطنون بمنطقة وادي لاو وبني سعيد، وهي الحملة التي قادها الوزير المتسلل إلى المنطقة تحت ذريعة قضاء عطلة صيفية ، لفائدة مرشح حزبه العدالة والتنمية بدائرة تطوان التي تدخل وادي لاو ضمن مجالها الترابي. وهي الحملة التي استعمل فيها الوزير سيارة الحكومة ، ناهيك عن كرسي الوزارة، الذي جعل الوزير يرعد ويزبد في مأدبة الغداء- التي أقامها بوسائل الوزارة ووسائل من يبحثون عن منفذ لطمس فسادهم- أمام الأعيان وبعض الشخصيات ، أنه قادر على إدخال مرشحين من المعارضة للسجن، كما هو قادر على رسم وجه البراءة على المنتمين لأغلبية حكومته. وتبختر الوزير بين الحضور على قلته، حتى أن بعضهم نعته «بسيدي» مقدما للوزير كافة الوعود في خدمة حزبه ضد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي يشكل قلعة اتحادية في المنطقة، وخاصة في وادي لو، التي أخرجها حزب الوردة من الظلام الدامس كي تكون وادي لو مميزة في الضفة الجنوبية من المتوسط، في انسجام تام مع الإرادة الملكية التي فكت الحصار على مدن الشمال بطريق ساحلية ، كانت بداية أمل كبرى بمسح وجه الحزن والضياع عن منطقة بكاملها ، وأدخلت البهجة على من كانوا بالأمس معزولين بالفعل والقوة. لم يع السيد مصطفى الرميد حجم الحلم الذي تحقق، ولم يع أن الكثير ممن حضروا مأدبته الفاخرة ، أدانوا بالفعل سلوكه كوزير، كان عليه أولا أن يحترم القانون، وهو القانون الذي خرقه حيث جاء بعد زلته في مأدبة الغداء «الرشوة»، وبعد تحايله باسم قضاء عطلة صيفية ، أن يفتي في احترام قواعد اللعبة الانتخابية في اجتماع اللجنة الحكومية المشرفة على الانتخابات والتي يشغل الرميد عضويتها من بوابة مقعده كوزير للعدل والحريات.. إلا أن خطاب الكشف والمكاشفة الذي اختاره الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية جعل الرميد يحتمي بمن جاء بهم إلى الاجتماع من حزبه و أغلبيته ، تحسبا لأي طارئ، وهو الأسلوب الذي اختاره حزب بنكيران وسجله التاريخ عندما عمل على توزيع الأدوار في البرلمان بين فريقه ومنه باقي الفرق في الأغلبية وبين وزرائه، في صورة أفقدت مشهدنا الديمقراطي بريقه الذي ناضلنا فيه مع كافة القوى الحية والديمقراطية من أجل ترسيمه. كما لم يفت حزب رئيس الحكومة التفتيش في أوراق التوت الهشة المحسوبة على الصف الديمقراطي كي يلمع وجهه المتآكل في الوطن و في محيطنا الإقليمي والجهوي، ليقول عبر إعلامه المخدوم أنه يملك مفاجئات والحال أن مفاجآته، لا يرد عليها إلا بالقول أن زمن المغرب الحداثي الديمقراطي ، هو زمن ولاّد بنسائه ورجاله وشاباته وشبابه الصامدين والصامدات من أجل مغرب ديمقراطي حداثي مات من أجله شهداء المشروع.