زاوية أسبوعية تسلّط من خلالها الدكتورة خديجة موسيار، اختصاصية الطب الباطني وأمراض الشيخوخة الضوء على مجموعة من الأمراض بتعدد أنواعها وأشكالها فقر الدم الوبيل (anémie de Biermer)، هو عبارة عن فقر دم له علاقة بنقص في نسبة فيتامين B12 بسبب مشكل في امتصاصها، وبالتحديد بسبب نقص في العامل الداخلي (facteur intrinsèque)، إذ يحتاج الفيتامين B12 أن يرتبط بالعامل المعدي الداخلي في المعدة، ليتم بعد ذلك امتصاصهما معا، كمركب في أقصى الأمعاء الدقيقة، وفي غياب هذا الجزيء الذي تفرزه المعدة وحمايته، يصبح الفيتامين عرضة للإتلاف من طرف حمض المعدة. يعدّ فيتامين « ب 12»، ضروريا لتكوين خلايا الدم الحمراء، ونقصه بجميع أنواعه يعطي فقر دم من نوع خاص، يكون فيه حجم كريات الدم الحمراء كبيرا، ويعتبر الخصاص فيه مشكلة شائعة جدا، علما أن أسبابه هي متنوعة على رأسها اضطراب الامتصاص في أعقاب نقص العامل المعدي الداخلي الثانوي لضمور الغشاء المخاطي للمعدة، أو لمرض فقر الدم الوبيل، المرض المناعي الذاتي الناتج عن مهاجمة وتهديم الخلايا المفرزة للحمض في الأغشية المخاطية في المعدة. ويتم الحصول على هذا الفيتامين عن طريق الأغذية ذات المنشأ الحيواني مثل اللحوم، والبيض، والسمك، والمحار، إذ يعطي الغذاء بالنسبة لمعظم الناس الكثير مما يحتاجون إليه منها، ويتم تخزين الفائض في الكبد، لذلك فمن غير المألوف أن يكون النقص فقط بسبب عدم التزويد الغذائي، إلا عند الأشخاص النباتيين الصارمين الذين لا يتناولون أي بروتين من نوع حيواني. لكن هناك أسبابا أخرى لهذا النقص ترجع إلى انخفاض نسبة إفراز حموضة المعدة وإلى كميات أقل من العامل الداخلي مع التقدم في السن، لذا فإن كبار السن هم أكثر عرضة له، إذ أن حوالي 12٪ منهم يعانون من نقص في هذا الفيتامين، وتكون نسبة ما بين 60 و70٪ من نقص الفيتامين عند كبار السن نتيجة لنقص الحموضة الضرورية لاستئصال الفيتامين من الأطعمة المحملة به، إضافة إلى تناول مضادات الحموضة لفترات طويلة، أو حاصرات الهيستامين، وخصوصا لمثبطات مضخة البروتون، التي تنقص من حموضة المعدة وتزيد في مخاطرة نقص الفيتامين. ومن الأسباب الأخرى لهدا العوز، نجد تناول «الميتفورمين» لعلاج مرضى السكري، والأمراض المعوية المزمنة، كمرض «كرون»، والتهاب القولون التقرحي، ومرض السيلياك. في هذه الحالات، يمنع الالتهاب مرور فيتامين B12 عبر جدار الأمعاء، كما هو الحال في التهاب البنكرياس المزمن الذي يسبب سوء امتصاص الفيتامين، كما يمكن لوجود طفيليات أن يستهلك الفيتامين B12 ويسبب النقص. لكن رغم تعدد أسباب نقص الفيتامين، يظل هذا النوع من فقر الدم ينتج في معظم الأحيان عن مشكلة فقر الدم الوبيل أو الخبيث، عندما يتم تحطيم العامل الداخلي من طرف جهاز المناعة. ويؤثر هذا المرض تقريبا على شخص واحد من كل 700 نسمة، لكن هذه النسبة هي بالتأكيد أقل من الحقيقة لعدم تشخيص الكثير من الحالات لأن الأعراض لا تكون دائما واضحة ومحددة. ويتشكل فقر الدم الوبيل ببطء شديد، بعد أشهر أو سنوات من نقص الفيتامين، وتظهر الأعراض بالتدريج، ويتقاسم المرض علامات مشتركة مع فصائل فقر الدم الأخرى وهي التعب، البشرة الشاحبة وأحيانا صفراء، والدوخة، وسرعة دقات القلب، وعسر التنفس عند الجهد. لكن هناك علامات خاصة بالمرض وهي التهاب اللسان الذي يصبح أحمرا وجافا، ضعف الشهية، والغثيان وآلام في البطن. وفي حالة نقص عميق تظهر أعراض عصبية مثل فقدان الحس أو إحساس بوخز في الأطراف، وضعف في التركيز، واضطرابات المزاج، وفقدان الذاكرة قد تصل إلى الخرف. كما يعتبر حاليا، نقص الفيتامين عاملا مسببا لخطر زيادة احتمال الإصابة بتصلب الشرايين، بسبب تواجد فرط «هوموسيستينيميا» الدم الناجم عن نقص ال B12. ويتم الكشف عن المرض بعد ملاحظة زيادة حجم كريات الدم الحمراء، ويعتمد التشخيص على قياس نسبة الفيتامين في الدم وعلى إيجاد أجسام مضادة ضد الخلايا الجدارية أو العامل الداخلي. في حين يعتمد العلاج على حقن الفيتامين «ب12»، مع الحرص على مراقبة منتظمة للمعدة بالمنظار لرصد تطور أورام خبيثة فيها لأن المرض يزيد من خطر حدوثها.