ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد باهي حرمة : «يموت الحالم ولا يموت الحلم»


الكتاب الثالث
خلال الثلاثين سنة الماضية، كان الجيش هو المحرك الفعلي للحياة السياسية، لكنه استطاع أن يظل بعيدا عن الأضواء. أما اليوم، فإن تصاعد العنف يضعه وجها لوجه أمام المجتمع، كما أن الفراغ القانوني الناجم عن وفاة محمد بوضياف، إثر حادث اغتيال ساهم فيه عدد من الضباط للحرس الجمهوري، يطرح عليه كمسؤولية سياسية مباشرة قد تفرض عليه مراجعة جذرية لأسلوب العمل، ورغم أن الجيش، في كل أنحاء الدنيا بما فيها الجزائر، يعرف بأنه مؤسسة صامتة، ونادرا ما تصل أصداء المناقشات الجارية في صفوفه إلى الخارج، فإن الجيش الجزائري يعيش حاليا جدلا ساخنا، تتردد بعض جوانبه خارج الثكنات.
1992/12/03
يحمل كثير من الناس، منذ لحظة الميلاد، أو حتى قبلها، حسب بعض النظريات «البيو-نفسية»، طباعا مضمرة، كامنة، محتملة التحقق، تأتي لاحقا جملة من الظروف المختلفة، لإنضاجها، في وقت مبكر أو متقدم من العمر، فتعطي لزيد أو عمرو، أو لفلانة أو علانة، وجها يصدم سلبا أو إيجابا، من كانوا يظنون أنهم يعرفون الشخصية المذكورة معرفة جيدة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن ملابسات الاحتلال الإسباني لشمال المغرب، وبالنظرة الاحتقارية لبعض الموظفين المحليين إلى الأهالي والبنية الاجتماعية للمنطقة، ووزن بني ورياغل فيها ومكانة أسرة بن عبد الكريم داخلها والخلفية التاريخية للصراع المسيحي الإسلامي على الضفتين، كلها عناصر أسهمت في تحويل ابن قاض تقليدي من فقيه مغمور كان مرشحا لأن يتدرج في مناصب إدارية أهلية مثل عدد من معاصريه في ظل الحماية أو في أحسن الأحوال يبقى وجها جهويا خامل الذكر، لتجعل منه قائدا لحركة حرب عصابات ثورية اعتبرها القادة العسكريون والثوار المعاصرون بدءا من ماوتسي تونغ حتى تشي غفارا قدوة مثالية ساروا على منوالها لانتزاع السلطة من خصومهم السياسيين، ناهيك عن مكانتها المركزية في التاريخ المغربي والعربي المعاصر.
1994/12/21
ولعل القارئ سوف يصاب بأول دهشة إذا ما ذكرت له بأن فكرة إجتماع الأحزاب الجزائرية في الخارج، برزت كمشروع عملي لأول مرة، كمبادرة مغربية. إنني أكتب هذه الواقعة من ذاكرتي، وذهني منصرف إلى ذلك البيان الذي أصدرته أحزاب الكتلة الديمقراطية الثلاثة : حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي بالرباط خلال فصل الربيع الماضي (وربما أثناء شهر مارس بالضبط)، ودعت فيه الأحزاب السياسية الجزائرية إلى الإسراع بعقد إجتماع فيما بينها للبحث في وفاق وطني يخرج القطر الشقيق من مخاطر الانزلاق نحو حرب أهلية مدمرة. ليس أمامي ذلك النص حتى أستشهد بكلماته، لكن روحيته حاضرة تماما في وعيي. وأظن أن مشروع دعوة جيراننا الجزائريين إلى ذلك الإجتماع نوقش هنا في باريس خلال واحد من هذه اللقاءات الكثيرة التي تمت بين عدة شخصيات من الكتلة الديمقراطية من جهة وبين الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي والفقيه محمد البصري من جهة أخرى.
18/01/1995
ما زلت أتذكر، كما لو أني رأيتها أمس أو حتى قبيل بضع ساعات فقط، تلك المسيرات الشعبية الحاشدة التي عرفتها الجزائر من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن تخوم الشرق إلى ثغور الغرب، خلال فصل الربيع الديمقراطي القصير [أكتوبر 1988 بداية يناير 1992]، ولا تزال ترن في أذني الأصداء البعيدة لذلك الشعار السياسي المركزي : «لا دستور لا برلمان... ميثاقنا هو القرآن». لقد سمعت مئات الشبان والمراهقين يهتفون به في شوارع مدينة مغنية، وظننت وأنا أتمعن في ملامحهم وأنصت إلى هتافاتهم أنهم من بلدة بني يدرار المجاورة. بحكم تشابه السحنات ومخارج الحروف عند سكان جبال بني يزناسن الموجودين على ضفتي وادي كيس، وأنصت إلى مئات الشبان الآخرين يصدحون بنفس الشعار حتى لتكاد حبالهم الصوتية تتقطع من فرط الانفعال في مدينة «سوق أهراس» على التخوم التونسية، وخلتهم أيضا من أهالي مدينة «الكاف» أو من بلدة «ساقية سيدي يوسف» التونسيتين المجاورتين.
01/02/1995
ما معنى «عصر المناطق الرمادية»؟
إنه باختصار شديد مفهوم «زمكاني» ذو طابع إجرائي هدفه إعطاء فكرة عامة جدا، قريبة قدر الإمكان من الواقع، حول وضع تاريخي راهن داخل منطقة جغرافية معينة.
المناطق الرمادية بهذا التعريف السريع هي فضاءات جغرافية تعاني فيها الدولة المركزية بما هي تعبير رمزي عن الكيان الوطني، سلسلة من العوائق تحول بينها وبين احتكار مشروعية استعمال العنف لضبط آليات سير المجتمع وتسييره.
في مثل هذه الحالة تغلق مساحات كاملة بسكانها ومواردها وولاءاتها ومرجعياتها وتَوَجُّسَاتها من هيمنة الدولة لتسقط تحت سلطة العصابات المسلحة أو المليشيات العرقية أو صعاليك الدرب والحي والقرية أو حتى تحت تسلط قبضة المافيا وصغار المجرمين.
المناطق الرمادية بهذا المعنى الواسع موجودة في بقاع كثيرة من العالم وليست خاصية جزائرية، بل ليست حادثا جديدا طارئا وإنما هي معاصرة لنشوء الدولة المركزية في عهد حمو رابي، بل يمكن القول بأن محاولة تنظيم الدولة انطلقت أساسا لاحتواء تلك الظاهرة القديمة.
1995/04/19
في اليوم التالي للغارة الجوية التي قامت بها الطائرات الإسرائيلية على «حمام الشط» في ضاحية العاصمة التونسية ودمرت فيها مقر منظمة التحرير الفلسطينية غضب الرئيس الحبيب بورقيبة غضبا شديدا ما عليه من مزيد. لم يكن الغضب الرئاسي موجها ضد إسرائيل، وإنما ضد القيادة الفلسطينية التي اتُّهمت بأنها قدمت الفرصة للإسرائيليين لمهاجمتها ولم تكن حكيمة بما فيه الكفاية. وفي ثورة الغضب قرر الرئيس التونسي أن يُلقي خطابا رسميا في الإذاعة والتلفزة التونسية يعبر فيه عن موقفه «الرافض للإرهاب». وخوفا من الفضيحة والمضاعفات السياسية ذهبت «الماجدة وسيلة» بعد أن أخفقت في إقناع الرئيس بورقيبة بالعدول عن قراره بمهاجمة الفلسطنيين علنا في الصباح الباكر إلى منزل أحد قادة منظمة التحرير وأيقظته من نومه وقالت له بالحرف : «تعال معي فورا لمقابلة الرئيس بورقيبة قبل أن يعمل المصيبة». ولابد لي من أن أقول بأنني خففت جدا صياغة الكلمات التي نطقت بها «الماجدة وسيلة» أمام المسؤول الفلسطيني وأن أضيف إلى أنني سمعت رواية الحادثة من مسؤول تونسي سابق، المهم أن القائد الفلسطيني رافق السيدة التونسية الأولى إلى منزل الرئيس بورقيبة الذي استقبله بسيل من الشتائم والمسبات في حق السيد ياسر عرفات.
1986/04/30
وقد وصل الصراع الجزائري الليبي حول تونس إلى قمته في الصيف الماضي، وتحديدا في شهر غشت 1985، حينما أقدمت طرابلس على إبعاد أعداد من العمال التونسيين. الطريقة المثيرة التي عالجت بها وسائل الإعلام الغربية والعربية تلك المسألة، حجبت عن الرأي العام بعدها السياسي الواضح. لم ينتبه إلا عدد قليل من المراقبين إلى خطاب هام ألقاه معمر القذافي في تلك المناسبة، وأكد فيه أن الدافع الأول لتصرفه سياسي بالدرجة الأولى وليس اقتصاديا، كما ذهب إلى ذلك أغلب المعلقين. والواقع أن الشائعات عن تدهور الحالة الصحية للرئيس بورقيبة تكاثرت في ذلك الصيف وجعلت العواصم المهتمة بالوضع في تونس وخاصة باريس وواشنطن في الغرب والجزائر وطرابلس في المغرب العربي، تشحذ أسلحتها لوضع أوراقها على طاولة اللعب.
07/05/1986
وبما أن الحياة السياسية معلقة في تونس بما يصدر من كلمات قليلة عن رئيس طاعن في السن، لا تمكنه صحته من تركيز ذهنه طويلا على القضايا المعقدة التي تواجهها الدولة في الظروف الإقليمية والعالمية الجديدة، فإن المؤشر الوحيد على ما يحدث في حقل النشاط الرسمي هو ما يتداول في الدوائر الدبلوماسية وفي أوساط الحاشية أو المقربين من البلاط البورقيبي حول نوايا المجاهد الأكبر، وفي هذا السياق يقال إن الرئيس التونسي الذي يقضي لحظات طويلة يتفرج على نفسه في الشاشة الصغيرة من خلال البرامج اليومية الطويلة التي تقدمها عنه التلفزة التونسية، كان ينزعج كثيرا خلال بعض الأيام حين يشاهد وزيره الأول يأخذ وقتا غير عادي من البث التلفزيوني. إنه أصبح، بناء على ما يمكن لنا أن نستنتجه من مسموعات ومشاهدات العارفين بالأحوال التونسية، يغار حتى من ظله في المرآة.
14/05/1986
ولكن، ما علاقة ذلك كله بإبعاد محمد مزالي عن رئاسة الحكومة؟ الملفت للانتباه وهو ما يؤكد الطابع المسرحي للعملية أن هذا الرجل الذي كان مرشحا بحكم نصوص الدستور التونسي لخلافة الحبيب بورقيبة قد أقيل من منصبه ببيان مقتضب من جملة واحدة دون أن توجه إليه أية تهمة أو يزجى له شكر.
لن نعود في هذه المراسلة إلى الخوض في تفاصيل صراع التيارات والشخصيات والمصالح المحيطة بالرئيس بورقيبة التي سبق لنا أن تناولناها في مقالات سابقة وإنما سنتوقف عند بعض الجوانب المعتمة لإلقاء الضوء عليها.
23/07/1986
ما الذي حدث بالضبط حتى يضطر هذا الرجل الذي كان في قلب الأحداث وبؤرة الأضواء، ومركز الإهتمام داخل بلده وفي العالم العربي، ما الذي حدث ليجبره على التنكر في زي تونسي تقليدي لمغادرة منزله الفاخر في تونس العاصمة، ثم إجتياز الحدود ليلا نحو الجزائر بتلك الطريقة التي اجتازها بها؟
يحاول السيد محمد مزالي الإجابة عن هذا السؤال في كتيب صغير (مئة وستة وثمانين صفحة) صدر خلال الأسبوع الأول من شهر يونيو الماضي تحت عنوان : «رسالة مفتوحة إلى الحبيب بورقيبة»، عن دار آلان مورو Alan Moreau للطباعة والنشر في باريس.
1987/07/15
على عكس ما جرى في العام الماضي، حيث أعطت بعض المبادرات الصاخبة الانطباع بأن هذا الجزء من العالم العربي مقبل على إعادة صياغة توازناته الإقليمية، فقد حملت التطورات الحاصلة خلال الشهور الأخيرة، خاصة بعد تنحية الرئيس الحبيب بورقيبة من موقعه وحلول الثنائي زين العابدين بنعلي-الهادي البكوش مكانه، كما أَنَّ الطريقة التي استقبل بها الحدث التونسي في كل من طرابلس والجزائر والرباط ونواكشوط، ثم الأولويات التي وضعها المسؤولون التونسيون لأنفسهم وكذلك المطالب الدبلوماسية التونسية الجديدة والانفراج في العلاقات الليبية التونسية، والاتصالات المعلنة وغير المعلنة المستمرة ولو بتعثر بين الرباط والجزائر، وانشغال أغلبية الأطراف بالقضايا الداخلية الملحة، حمل ذلك كله أكثر من مؤشر يبعث على الظن بأن شروط قلب موازين القوى في الساحة المغاربية لم تعد متوفرة وقد لا تكون واردة في جدول الأعمال لفترة قريبة.
1988/02/10
حين تمكن الليبيون خلال الأسبوع الأخير من شهر غشت 1987، من استرجاع واحة أوزو الواقعة في الأطراف الشمالية القصوى لجمهورية تشاد، فإنهم لم يفعلوا شيئا آخر سوى استعادة القسم المأهول من شريط رملي مساحته مائة وعشرين كيلومتر مربع كان الصراع يدور حوله وحول الأراضي المجاورة له غربا وشرقا وجنوبا، بين طرابلس وباريس، منذ أكثر من مائة سنة.
عندما يقول العقيد معمر القذافي إن شريط أوزو جزء لا يتجزأ من التراب الوطني الليبي، فهو لا يبتدع موقفا جديدا، وإنما يعبر عن سياسة ليبية قديمة لا تبتعد إطلاقا عن حقائق تاريخية وجغرافية تسندها وثائق معروفة لدى الأطراف المعنية.
09/09/1989
لقد تحولت تشاد بعد إعلان استقلالها مباشرة إلى ساحة النزاع العربي الصهيوني، وكانت إلى جانب أوغندا من أوثق البلدان الإفريقية المستقلة حديثا، علاقة بإسرائيل.
الرجل الذي اختاره الفرنسيون ليكون قائدا للدولة الجديدة، وهو فرانسوا طومبلباي، زار إسرائيل عام 1954، أي قبل إعلان «استقلال» تشاد بست سنوات، واستورد بعد توليه مقاليد الحكم خبراء عسكريين إسرائيليين أشرفوا مباشرة على تكوين وتدريب وحدات الشرطة والدرك. كما جلب فنيين زراعيين لدراسة إمكانات تطوير الزراعة ومهندسين جيولوجيين للتنقيب عن النفط واليورانيوم والمناجم الأخرى.
الاهتمام الإسرائيلي بتشاد في تلك المرحلة المبكرة من تاريخها كان جزءا من إستراتيجيتها العامة المناوئة للثورة الناصرية في مصر ولعموم الحركة القومية العربية في شمال إفريقيا.
16/09/1987
أكثر من ذلك : فقد أعلن العسكريون التشاديون الحاكمون، وهم كلهم من أصدقاء باريس، أن هذه الأخيرة قدمت الأسلحة بالفعل إلى حسين حبري، وأصدروا بيانا يحظرون فيه رسميا وبصورة احتفالية، على فرنسا أن تتابع مفاوضاتها المباشرة مع المتمردين، وقالوا إنهم سوف يدخلون في مفاوضات شاملة مع جبهة تحرير تشاد، يعالجون ضمنها مشكلة المرأة المخطوفة. وإذن فإن فرنسا التي اعتقدت أن الإنقلاب يعطيها هامش حرية، وجدت جهودها تتبخر فجأة تحت ضغط حلفائها التشاديين، مما جعلها توقف مفاوضتها مع الثوار، خوفا من تدهور أعمق يستفيد منه خصومها الليبيون، الذين بدؤوا في الفترة نفسها يتصلون بالإنقلابيين ويحاولون إقناعهم بالتفاهم مع المعارضة المسلحة. وسوف تعتقد فرنسا، عن خطأ أو صواب، أنها تصطدم بالأصابع الليبية، في محاولاتها الرامية إلى التعامل مع حسين حبري، دون المساس بمواقع نفوذها لدى الطرف الآخر.
1987/09/23
إحدى الفضائح السياسية، إن لم نقل أخطر فضيحة سياسية في عهد الرئيس السابق فاليري جيسكار، كانت من مضاعفات الصراع الذي دار بينه وبين معمر القذافي في تشاد وفي عموم القارة الإفريقية. لقد ساد الإعتقاد داخل الدوائر السياسية والإعلامية في خريف 1979، أن تسريب أنباء نشرتها جريدة «الكنار أنشيني Le canard enchainé»، عن استلام السيد جيسكار ديستان لمجموعة من الألماس والأحجار الثمينة هدية من صديقه الإمبراطور جان بيديل بوكاسا، كان من فعل الليبيين. ومن غرائب السياسة ومفارقاتها أن الجيش الفرنسي، أشرف مباشرة على قلب نظام الإمبراطور بوكاسا في نفس الخريف، وأن أنباء الإنقلاب وصلت إلى بوكاسا وهو يقوم بزيارة رسمية إلى طرابلس بحثا عن مساعدات مالية، بدأت باريس تتردد في تقديمها إليه.
07/10/1987
وكان عدد هذه النخب التي تخرجت من مؤسسات التعليم المختلفة يرتفع باستمرار، بموازاة ارتفاع وثيرة التطور السكاني.
ثم جاء «الزلزال السوفياتي» وما رافقه من إنهاء لدور الطرف الآخر في اللعبة الدولية، مؤذنا ببداية مرحلة جديدة في الحياة الدولية.
ولقد كان الزلزال السوفياتي، ضربة مزدوجة للأنظمة الإفريقية الحاكمة، سواء منها الليبرالية الموالية للغرب، أو «الماركسية اللينينية» التابعة للشرق. وكانت أغلب الدول الإفريقية، غداة حصولها على الاستقلال، في حقبة الستينات، قد اختارت نظام «الحزب الواحد»، سواء منها تلك التي انتهجت السياسة الفدرالية في المجال الاقتصادي مثل السنغال وكوت ديفوار وزائير والكامرون، أو التي طبقت مبادئ التخطيط المركزي والتأمين الشامل مثل غينيا ومالي وبنين.
25/08/1992
القول بأن المؤتمرات الوطنية هي السبيل الإفريقي نحو التعددية الديمقراطية، فإن الحكومات القائمة لم يكن لديها موقف موحد من الفكرة الجديدة التي بدأت تشق طريقها بقوة في مختلف الأوساط.
يمكن تصنيف ردود الفعل الرسمية إلى أربعة مواقف :
موقف حاول أصحابه ركوب الموجة مع العمل على الخروج بحد أدنى من الخسائر والاحتفاظ قدر الإمكان بمواقع مؤثرة في السلطة. وتلك هي حال الدول مثل الكونغو والطوغو والزائير.
والمقال الحالي مخصص لتجربة الكونغو والطوغو وسوف نعالج تجربة الزائير لاحقا.
موقف المعارضة الصريحة والرفض القاطع وتلك هي حال الكامرون وساحل العاج.
موقف التظاهر بالقبول ومسايرة التيار ثم تغليطه واستغلاله لتقوية الوضع القائم (وتلك هي حال الغابون).
موقف استباق الأحداث وإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل موعدها (مثل ما حدث في السنغال وموريتانيا)، لقطع الطريق على دعاة المؤتمر الوطني.
26/08/1992
في ليلة باردة من ليالي شهر دسمبر 1989، شاهد المارشال موبوتو سيسي سيكو، رئيس جمهورية الزائير، وهو جالس بمقعده الوثير بقاعة التلفزة في الباخرة الرئاسية الراسية في عرض نهر الكونغو، أمام مدينة كينشاسا، شاهد مثل غيره من المتفرجين في العالم وقائع محاكمة وإعدام نيكولا شاوسيسكو وزوجته الجميلة إلينا. وبما أن موبوتو صديق شخصي لرئيس رومانيا الذي استضافه ثلاث مرات في بوخارست، ووضع معه برنامج مشتركا لتبادل الخبرات بين البلدين، فقد تأثر كثيرا بما شهده في تلك الليلة أو تطير، وهو المؤمن بالأقدار، من وقوع شيء مماثل له.
1992/08/27
من العبث، كما ذكر لنا معارض زائيري في باريس، محاولة إحصاء عدد «الأحزاب» لأن موبوتو، أصر شخصيا على إفساد اللعبة الديمقراطية، من خلال ما أسمته الصحافة المحلية «التعددية الموبوتوية» وعندما اتخذ المارشال-الرئيس قراره المبدئي بقبول انعقاد المؤتمر الوطني، تقرر في نفس الوقت أن تمثل الأحزاب بالتساوي (أربعة أشخاص لكل تشكيلة سياسية) بصرف النظر عن وزنها الحقيقي في المجتمع.
وقد حرص موبوتو ومستشاروه، على تهميش أحزاب المعارضة الحقيقية الكبرى، وهي لا تتجاوز ثلاثة فأغرقوها بإنشاء عدد لا حصر له من التنظيمات الصورية التي أطلق عليها الرأي العام في الحين اسم «الأحزاب الغذائية»
28/08/1992
الكتاب الرابع
«أتصور أن الأشخاص المجتمعين بهذه القاعة لم يأتوا إليها ليواصلوا بالكلام معارك السلاح التي يخوضها المقاتلون في مواقعهم. ويخيل إلي أنهم حضروا لأن كل واحد منهم يملك مقدارا صغيرا أو كبيرا من قابلية الإصغاء إلى الطرف الآخر وربما محاورته، إنهم في كل الأحوال ليسوا جنودا يحملون السلاح. وإذا كانوا كذلك فلا أرى أي مبرر لهذا الاجتماع. إنني أدعو الجميع إلى التزام الهدوء والصمت للاستماع إلى المتحدثين ومناقشة ما سوف يقدمونه من تصورات وأفكار، في حدود القواعد المتعارف عليها لمثل هذه المناسبة».
بهذا الخطاب الذي تتخلله روح ساخرة، افتتح المستشرق الفرنسي الكبير مكسيم رودنسون، الأستاذ بمدرسة اللغات الشرقية، أعمال جلسة ما بعد الظهر من اليوم الثاني لندوة الأراضي المحتلة وآفاق السلام في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، التي نظمت يومي الخميس والجمعة (29-30 مايو 1986)، في العاصمة الفرنسية، تحت إشراف مجموعة من الجامعيين الفرنسيين.
11/06/1986
أريد أن أبدأ هذه المراسلة، بالإشارة إلى ثلاث وقائع، عمرها عشرين سنة تقريبا، أي أنها تعود إلى الأيام التي ولد فيها أطفال ثورة الحجارة في قطاع غزة والضفة الغربية.
الواقعة الأولى، يرجع تاريخها إلى ربيع 1967، وتتصل بأول محاولة فكرية جدية لتقديم القضية الفلسطينية إلى الرأي العام الفرنسي.
الثانية حدثت في ربيع السنة اللاحقة أثناء ثورة الطلاب والعمال وكان مسرحها، باحة جامعة السوربون في قلب الحي اللاتيني.
الثالثة، كانت بطلتها الصحفية الفرنسية، اليهودية الأصل، أنيا فرانكوس، التي توفيت قبل بضعة أسابيع، بعد سنوات عديدة من مكافحة مرض السرطان.
خلال ربيع 1967، وجدت نفسي، بتكليف من الإخوة الفلسطينين، أشارك في اجتماعات ببيت السيد كلود لانزمان، سكرتير مجلة «الأزمنة الحديثة»، الصديق الشخصي للفيلسوف الفرنسي الراحل جان بول سارتر، صاحب المجلة المذكورة، الذي كان قد عاد، مع سيمون دي بوفوار، من رحلة قاما بها إلى مصر، وقابلا خلالها الرئيس جمال عبد الناصر، بفكرة إصدار عدد خاص من تلك المطبوعة الواسعة النفوذ في أوساط اليسار، بهدف عرض وجهات نظر الطرفين، العربي والصهيوني، حول المسألة الفلسطينية.
1988/03/09
إما أن تستعيد إسرائيل إلهامها ومبرر وجودها، وتنطلق محررة من كل احتلال نحو معاناة المعرفة والإبداعات التي تثمرها، وإما أن تنقاد للنفير العسكري القديم، قدم العالم نفسه، لتختفي بدورها من صفحات التاريخ. وهكذا، نرى أن المفاوضة المطلوبة، ليست إلا في الظاهر فقط، بين العرب واليهود، بل ينبغي على الإسرائيليين أن يختاروا مصيرهم بوضوح. إنه يتعين عليهم أن يقدموا برهانا تاريخيا جديدا، مثل ذلك الذي قاموا به قبل أربعين سنة، وأن يجيبوا على نفس التساؤل، أي أن يخضعوا للخوف، أو يتغلبوا عليه».
هذه هي الخلاصة التي انتهى إليها الكاتب والصحفي الفرنسي اليهودي، جان جاك سيرفان شرايبر، في مؤلف من مئتين وخمسين صفحة
08/06/1988
ثم جاءت ثورة الحجارة المباركة، وكان لعمرها الذي لا يتجاوز عشرة أشهر، تأثير في الرأي العام الغربي أعمق وأوسع، من كل ما قامت به الدعاية العربية من نضال خلال الأربعين سنة الماضية. وأبادر هنا لأقول إن هذا التحول ليس نتيجة «جيل فطري» ولم ينزل من السماء نتيجة لِسحَّة الغيمة الأخيرة. بل أريد أن أنبه إلى أن هناك محاولة لتشويه العلاقة التاريخية القومية بين الانتفاضة وبين تضامن الشعب العربي معها. حقا أن فلسطيني الضفة وقطاع غزة هم الذين استطاعوا أن يفرضوا حضورهم على الخارج.
لكن من الحق أن نقول أيضا إن «غليان» الشوارع العربية، وحتى معارضتها الخرساء، وتجليات الرفض العربي للظاهرة الصهيونية بكل أشكالها، وإحباط محاولة تعميم «النموذج المصري» ساهمت كلها في إبقاء الجذوة حية في الداخل.
28/09/1988
تحمل الزلازل التاريخية السياسية، ثلاث خصائص مترابطة شبيهة بالهزات الأرضية :
الخاصية الأولى هي أنها تأتي مفاجئة.
الخاصية الثانية أنها تكون عنيفة.
والخاصية الثالثة أنها مدمرة.
الجوانب الثلاثة نجدها مجتمعة في الانتفاضة الفلسطينية التي عُرفت بثورة أطفال الحجارة.
لقد فاجأت الانتفاضة الأطراف الثلاثة المعنية أكثر من غيرها بأوضاع الضفة الغربية وقطاع غزة. والأطراف الثلاثة المقصودة هنا هي : إسرائيل والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية.
1993/10/06
في هذه الأثناء مثلا صادف أن اثنين من علماء الطبيعيات الفرنسيين، كانا يتجولان بين مصر والقسطنطينية وحلب وبغداد وبلاد فارس، ظاهريا لجمع الحشرات والنباتات النادرة من أجل إغناء متحف التاريخ الطبيعي في فرنسا، وواقعيا من أجل التعرف على نقاط الضعف داخل جسد الإمبراطورية العثمانية لقطع طرق التجارة البريطانية مع البحر الأبيض. وحين عاد العالمان الفرنسيان إلى باريس، قدما في تقريرهما إلى سلطات الجمهورية الفرنسية الناشئة، معلومات تتحدث عن إمكانية إقامة مراكز تجارية فرنسية على ضفاف الخليج العربي، واحتمال توجيه ضربة قاضية إلى القوة البريطانية من خلال الإستيلاء على مصر. ولكن المستر صمويل مانيستي، كان قد تمكن انطلاقا من مكتبه في البصرة وبفضل شبكة الصداقات العربية من تعقب الرجلين ومن إرسال تفاصيل هامة عن نوايا فرنسا تجاه منطقة النفوذ البريطاني وذلك قبل أن يقود نابليون حملته الشهيرة إلى ضفاف النيل
04/09/1990
مع انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914-1918) التي توجت بتفكيك الدولة العثمانية، وبتقسيم تركيا الجغرافية العربية بين الدول الغربية المنتصرة، وتحديدا بريطانيا وفرنسا، دخلت المنطقة العربية الواقعة إلى الشرق من مصر، وضمنها إمارة الكويت، طورا جديدا من تاريخها، استمر إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945). وإذا كانت أصول الحرب العالمية الثانية موجودة في الحرب التي سبقتها، فإن بذور الأزمة الراهنة، التي نعالجها تحت عنوان : «حرب الخليج الثانية»، قد زرعت خلال الفترة الزمنية الفاصلة بين الحربين العالميتين.
20/09/1990
وليس الوقوف عند إشكالية المصطلح من باب الترف الفكري أو من وحي الرغبة في حذلقة لفظية، وإنما هو ضرورة تحتمها شروط المعالجة الموضوعية لقضية في منتهى الخطورة، مثل تلك التي تواجه العرب اليوم، ومعهم العالم بأسره بسبب دخول العراق للكويت وضمها إليه، وما أثاره ذلك كله من تحركات عسكرية ودبلوماسية. لا، ليست إشكالية المصطلح نقطة هينة، وإنما هي بعد جوهري من أبعاد الصراع الذي نعيشه، وهي كذلك لكون السيطرة على الأشياء، تبدأ دائما بالتحكم فيها من خلال التعريف اللفظي. إن تسمية الظاهرة، هي الخطوة الأولى نحو امتلاكها أو تملكها. وقد بدأ الغرب سيطرته على العالم بتقسيم أجزائه وإطلاق أسماء معينة عليها، وكانت أرض العرب من ضمن أقسام الكرة الأرضية التي بسطت عليها الهيمنة الغربية بهذه الطريقة.
إذا كان المبدأ الفلسفي الفقهي القديم يقول : «إن الحكم على الشيء فرع من تصوره» فإننا نستطيع أن نضيف إليه التحكم في مقاليد منطقة جغرافية يبدأ بإطلاق أسماء معينة عليها.
20/09/1990
الحدود الراهنة بين دول المشرق العربي، ليست حدودا عادية بين كيانات متميزة، قد تكون مستقلة بهذا القدر أو ذاك عن جيرانها أو تملك تراثا تاريخيا قديما أو جديدا يسمح لها بتأسيس مشروعية مقنعة وغنية بما فيه الكفاية لبناء وعي وطني ينتج جذور هوية متحكمة تولد سلسلة من الولاءات والانتماءات الصلبة والمتماسكة. إننا نستعمل عبارات «التراث التاريخي» و«الوعي الوطني» و«الهوية» و«الولاءات» و«الانتماءات» بالمعنى النسبي جدا، وفي ذهننا أن هذه المصطلحات لا تمتلئ إلا بما نضعه داخلها من حسابات خلفية، ومن نوايا مبيتة أو من قَبْلِيات ومفاهيم ذاتية.
وللاختصار، فمشكلات الوعي الوطني والتراث وما يرتبط بها من قريب أو من بعيد، إنما هي حالات نسبية تنتجها ظروف وأوضاع متغيرة، في حركية تاريخية مفتوحة تتصل بسيرورة المجتمعات وصيرورتها.
المجتمعات والدول المشرقية والكيانات هي من صنع بشر هذه المنطقة وأيضا من فعل القوى الخارجية، ولكن الحدود القائمة فيما بينها هي سلسلة من الألغام الموقوتة التي لم تتوقف عن الانفجار منذ أن تم رسمها بعد الحرب العالمية الأولى، وهي مرشحة لانفجارات قادمة.
1990/09/25
أما السبب في أولوية النفط، وفي كونه أساس الحدود، فيعود إلى بديهية أخرى من بداهة السياسة العربية المعاصرة : النفط هو الثروة الأولى والوحيدة، وقيمة دولة ما، في هذه المنطقة العربية تقاس بمقدار كميات الذهب السائل الأسود المستخرج من أراضيها. ونحن نلاحظ أن ارتفاع أسعار النفط فيما بين 1973 و1985، أحدث توسعا فضائيا خرافيا في عمليات التنقيب عن النفط، داخل سائر دول الخليج والجزيرة العربية فقد شكلت اليمن الجنوبية مجمعا بدأ بالتنقيب عن النفط، على مشارف محافظة ظفار وبأماكن لا تزال موضع نزاع، ومنحت سلطنة عمان من جانبها امتيازات للتنقيب عن ذلك السائل السحري الثمين بجهات لا تزال تختصم حولها مع السعودية.
27/09/1990
وكانت تعيش في الكويت عجوز بدوية تتقن فن تفسير الرؤى والمنامات، وقد طلب منها الشيخ أحمد الجابر الصباح رأيها في حكاية الكولونيل ديكسون، فأخبرته أن «السدر المقصود هو سدر البرقان، وأما المرأة الميتة، فهي الكنز النائم، تحت الرمال والأعداء الغرباء هم أولئك الذين يريدون حرمان البلاد من ثروتها النفطية»، وقالت العجوز البدوية إن النفط سوف يكتشف في البرقان.
ويقول الكولونيل ديكسون في مذكراته، إن الشيخ جابر الصباح اقتنع بتفسير العجوز البدوية، وأن تنبؤاتها التي لا علاقة لها بمناهج التنقيب والبحث الحديثة، أبلغت للمهندسين الجيولوجيين الذين استأنفوا نشاطهم في حقل السدر، وأن النفط انفجر متدفقا بقوة هائلة في شهر أبريل 1938 من حقل البرقان، أي من تلك النقطة التي تكلمت عنها العجوز البدوية
02/10/1990
هل رأيتم تلك الصورة؟
كان الجنرال «نورمان شوارتزكوف» الذي يسمونه الآن في الغرب «دب الخليج»، يجلس بجسده العملاق إلى مكتبه الفخم بمقر القيادة الأمريكية في الرياض، في قلب شبه الجزيرة العربية، عن يمينه العلم الأمريكي بنجومه الخمسين وعلى يساره العلم السعودي الأخضر تتوسطه كلمة الشهادة وصورة النخلة والسيف.
ظهر دب الخليج في تلك الصورة خلال ندوة صحفية وصف فيها الهجوم العراقي الجريء على مدينة الخفجي بأنه «لسعة ذبابة على جسد فيل».
لا أعرف إن كنتم رأيتموها أم أنها فاتتكم، أما أنا فقد شاهدتها في بيت صديق عربي مع عدد من المفكرين والإعلاميين والسياسيين والفنانين العرب المقيمين بالعاصمة الفرنسية.
رأيت الصورة ووجدتني أردد تلقائيا : السيف أصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
ثم قلت في نفسي بعد ذلك، لو كان شاعرنا القديم حيا لقال بيتا بهذا المعنى :
الصورة أصدق إنباء من الخطب في شكلها الفرق بين الصدق والكذب
14/02/1991
في تلك الليلة الصقيعية من شتاء 1991، كان الجنود المصريون والسوريون المرابطون بصحراء حفر الباطن على الحدود السعودية الكويتية، بالقرب من مدينة حائل التاريخية، يلاحقون الأنباء من إحدى الاذاعات الأجنبية التي تبث برامجها باللغة العربية. وكان هؤلاء المقاتلون القادمون من ضفاف النيل وبردى، موجودين في مواقع مختلفة ومتباعدة، وعندما سمعوا خبر وصول أول صاروخ فصيح قادم من بلاد الرافدين إلى أرض فلسطين، أطلقوا عفويا صيحات التكبير والتهليل طربا وفرحا بالحدث. ثم... فجأة توقفوا عن الاحتفال حين تذكروا، أو ذَكًهم ضباطهم بالمكان الذي يوجدون فيه، وبالمهمة التي جاءوا من أجلها.
1993/01/07
لقد كان التاريخ، في عصر الإسلام الأول، ثم في عهد النفط الحالي، سيد الجغرافيا، في شبه الجزيرة العربية. في الحالة الأولى، أعطت المنطقة طاقة روحية، سرعان ما انقطع حبل الإتصال بينها وبين موطنها الأول، الذي تركه سكانه للإستقرار بالمناطق الجديدة. وفي الحالة الثانية اكتشفت فيها طاقة مادية، تعتبر عصب الحياة العصرية، في زمان كان ما تبقى فيها من السكان، يُعتبر بالقياس إلى العالم الحديث الذي تقوم صناعاته وتقنياته على النفط، بمثابة شهود أحياء على حضارات بائدة. وفي الحالتين كان هناك طلاق واضح بين ثوابت الجغرافيا ومتغيرات التاريخ، أو بالأحرى كان هناك وجه آخر، مناقض تماما للتفاعل الحي والمستمر بين الثوابت والمتغيرات. ولعل هذا التناقض بين حقل الجغرافيا وحقل التاريخ هو أصل تلك الإشكالية المعاصرة المتجلية في تلك العلاقات المعقدة بين الأصوليات السلفية والثروة النفطية، وهو أي ذلك التناقض مسؤول عن تلك الحالة التي عرفناها في حرب الخليج الأخيرة : حالة بلاد عربية أصيلة توجد جغرافيا في القسم العربي-الإسلامي من القارة الآسيوية، ولكنها أصبحت تاريخيا وجيو-ستراتيجيا في صلب مكونات المعسكر الغربي.
1993/01/14
إنه الحلاج العربي المعاصر.
الحلاج قال قولته الشهيرة : «أنا الحق» وصدام يأتي اليوم ليقول لنا «أنا الصمود».
عند ذلك المستوى من التصوف الذي وصل إليه الحلاج، وعند هذه الدرجة من الصمود المعاند التي إنتهى إليها صدام حسين، لا تبقى للكلمات نفس المعاني. ولذلك ومثلما دخل الحلاج التاريخ من خلال «التماهي» حد الفناء في «الحق» فقد دخل صدام حسين، على طريقته، رحبة التاريخ العربي الواسعة، ولن تغيب قامته الهائلة منها إلا إذا ظهر حلاج سياسي عربي آخر.
1991/02/27
تسهيلا أو تبسيطا لهذه الظاهرة المعقدة، أي موقف العرب الرسميين من الحرب العراقية-الإيرانية، يمكن تقسيم الدول العربية إلى أربع دوائر : دائرة أولى تشمل الخليج وشبه الجزيرة العربيَّيْن تضم السعودية واليمن بشطريها والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين، وهي التي يدور حولها هذا المقال. ودائرة ثانية هي الهلال الخصيب تندرج فيها سوريا ولبنان وفلسطين والأردن. ودائرة ثالثة تحتوي على وادي النيل، أي مصر والسودان وجيبوتي والصومال. ودائرة رابعة أخيرة تدخل فيها دول الشمال الإفريقي العربي، أي ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا.
1986/03/12
مع مغادرة السيد مسعود رجوي، زعيم منظمة مجاهدين خلق الإيرانية المعارضة قرية «أوفيرسيرواز» الصغيرة الهادئة الغارقة في ربيع رطب أزلي فوق تلتها الخضراء الملاصقة لنهر «الواز» على مسافة خمسة وثلاثين كيلومترا إلى الشمال الغربي من العاصمة الفرنسية، تكون قد طُوِيت صفحة كاملة من العلاقات الفرنسية-الإيرانية المضطربة. وكان مسعود رجوي، منذ وصوله برفقة الرئيس الإيراني السابق «أبو الحسن بني صدر» إلى فرنسا في شهر يوليو-تموز 1981 هاربين من طهران على متن طائرة مختطفة من مطار مهراباد، يقيم ببيت ريفي عصري يملكه شقيقه، طبيب القلب الدكتور صالح رجوي في تلك القرية البالغ عدد سكانها حوالي 5800 شخصا.
1986/06/18
مع البداية التاريخية للقرن العشرين، وهي مقترنة بالحرب العالمية الأولى، وقيام الثورة الروسية، خلق الغرب صورة البلشفي الذي يحمل سكينا بين أسنانه، ويستعد لالتهام العالم المتحضر. ثم جاءت الحرب الكونية الثانية، واستبقى منها «الغرب الديمقراطي الليبيرالي» صورة ستالين، الذي رأى شبحه يطارده في المستعمرات الإفريقية-الآسيوية، ويستعد لتطويقه والانقضاض عليه.
هكذا اعتبر الغرب حركات التحرير، بما فيها تلك التي قادتها نخب بورجوازية معتدلة، مجرد امتداد للأخطبوط الشيوعي العالمي. لقد اعتبر المعلقون الغربيون، حركات مثل حزب الدستور التونسي الجديد، وحزب الاستقلال المغربي وجبهة التحرير الوطني الجزائري مثلا مجرد أدوات ضمن خطة عالمية شيطانية يوجد مركزها في موسكو وبكين، واعتبروا حركة الضباط الأحرار في مصر وزعيمها عبد الناصر جزءا من هذه الأسطورة.
14/06/1989
ولكن الشاه لا يريد أن يذهب لاجئا إلى سويسرا لاعتبارات أمنية هذه المرة. وكون السفير الأمريكي أبلغه بضرورة المغادرة، من دون أن يحدد له الوجهة المناسبة، يعطي مصداقية لتلك الجملة الصادرة عن أحد الجنرالات الإيرانيين لحظة إعدامه : «لقد لفظ الأمريكيون الشاه وأخرجوه من بلاده كفأر ميت». وعلى حد تعبير مثقف إيراني معارض للشاه وللخميني ومقيم في باريس منذ سنوات : «لقد عامل الأمريكيون الشاه، في تلك المناسبة معاملة أسوأ من تلك التي يعاملون بها مهاجرا عاديا متسللا إلى بلادهم من دولة المكسيك المجاورة».
وقال الشاه للسفير الأمريكي : «نحن نملك بيتا في بريطانيا ولكن المناخ فيها سيء وغير مناسب لنا»، وكان بإمكانه أن يضيف إلى ذلك : «ولكثرة ما استشرت البريطانيين افتقدت الثقة فيهم». نعم كان بإمكانه أن يقول ذلك، ولكنه اكتفى، كما يقول السفير الأمريكي، بالتحديق إلي بعينين حزينتين.
21/06/1989
في بيروت كان نظام الطوائف مغلفا بالليبرالية الاقتصادية والإعلامية والحزبية، وفي عدن كانت الاشتراكية العلمية الستار الخارجي للصراعات القبلية.
ومن التعسف مع ذلك أن نحاكم الليبرالية اللبنانية المتوحشة والماركسية اللينينية المتطرفة على ضوء الواقع الاجتماعي، الليبرالية بمذاهبها المختلفة. لم تخترع الطوائف في لبنان، كما أن الماركسية لم تنشئ القبائل في اليمن الجنوبية، لقد كانت الطوائف موجودة في لبنان، وكانت القبائل موجودة في عدن. قبل أن تقوم في البلدين نخبة سياسية وعسكرية تحاول أن تفرض الليبرالية والاشتراكية العلمية على البلدين. وسوف يجد خصوم الايديولوجيا الليبرالية، وإعداد الفكر الاشتراكي بالتأكيد، فيما حدث ببيروت وعدن، مبررات معقولة للإسراع بدفن المذهبين بحجة عدم صلاحيتها للأقطار العربية والإسلامية. وسوف ترتفع الأصوات أكثر وأكثر للدعوة إلى السلفية والمناداة بالعودة إلى الدين.
1986/01/29
وإذا كانت الانقلابات تبدأ عادة بالسيطرة على رئيس الدولة، فإن انقلاب أبو سليمان [الإسم الشعبي لحافظ]، شذ عن القاعدة، إذ إنه أجل القبض على رأس الدولة ثلاثة أيام، ولم يرسل إليه ضباط الاستخبارات العسكرية إلا في يوم السادس عشر من الشهر. وخلال تلك الأيام الثلاثة، حاول رجل سوريا القوي الجديد، أن يقنع رفيقه بالبقاء في منصبه، منصب رئيس الدولة، على أساس أنه لا وجود لأي خلاف شخصي معه، لكن الدكتور الأتاسي رفض الاستجابة لكل المغريات، ورفض تقديم استقالته، وظل متمسكا بضرورة التراجع عن الاعتقالات التي تعرض لها رفاقه.
1992/12/17
الكتاب الخامس
مشكلة التعليم ظلت طوال الفترة الماضية في صميم الجدل السياسي والإجتماعي. من جملة الدراسات الكثيرة التي صدرت حول هذا الموضوع كتابان طبعا في سفر واحد، بعنوان : «أطفالكم لا يهمونني» و«هل تريدون أبناء أغبياء؟» للأستاذ موريس طارق مسكينو، مدرس الفلسفة في ثانوية جان باتيست بوكلان بضواحي باريس الغربية. يقدم الكاتب في مؤلفيه اللذين بيعت منهما مئات آلاف النسخ وأثارا ضجة واسعة لدى صدورهما (سنة 1982) صورة قاتمة عن المدرسة الثانوية، عن مستوى الطلاب والطا
1987/02/25
الحقائق العنيدة تجعلنا ندرك أن الأجيال الصاعدة في فرنسا صارت لها فضاءات ومرجعيات مختلفة عن تلك التي نتصورها، ولربما كانت هذه هي حالة الشباب في أكثر من بلد أوربي وحتى عربي. الصبايا والمراهقون، لا يتكدسون في مقاهي الحي اللاتيني للتداول وسط قاعات مليئة بدخان السجائر حول الوجود والعدم وعبثية الحياة كما كان يفعل معاصرو جان بول سارتر، ولا هم يتدفقون بالمئات على خلايا الأحزاب اليسارية، ولا ينخرطون في اللجان القاعدية ضد حرب الجزائر أو الإمبريالية الأمريكية، ولا ينتمون إلى فئات متضاربة الرأي بشأن علاقة أفكار لويس التوسيي بالسلفية الماركسية والماركسية السلفية-الجديدة ولا يختصمون حول النظريات البنيوية (النقد عند رولان بارت والانتربولوجيا لدى ليفي ستروس، والفلسفة عند ميشيل فوكو، والتفسير اللاكاني للفرويدية). كما فعل آباؤهم في حقبتي الستينات والسبعينات، إنهم في واد آخر، أي أنهم يتطورون فكرا ووعيا والتزاما بالمسؤولية في أجواء مختلفة عن كل السلفيات، وإذا أردنا البحث عن المرجعيات الجديدة التي بثت روح التمرد لدى الأجيال الفتية، في مواطنها الحقيقية، فإنه يتحتم علينا أن نلتمسها في صالات الغناء والرقص بدلا من قاعات الدروس الجامعية. لقد استمدت الأجيال التي نزلت إلى الشارع في الانتفاضة الأخيرة غذاءها الروحي من أغاني بسيطة لم ينتبه أحد في بداية الأمر إلى شحنتها الرمزية العميقة ذات الدلالة السياسية الصارخة رغم أنها ظلت طوال السنوات الأخيرة في مقدمة الموضوعات التي يثرثر حولها المراهقون.لبات واهتماماتهم الفكرية والسياسية وطموحاتهم في الحياة وعلاقاتهم بالأساتذة
04/03/1987
يمكن لمن يتأمل «ثورة الربيع في الشتاء»، أن يضيف إلى المثل السائر : «إذا أراد إنسان أن يتخلص من كلبه اتهمه بالسعار»، مثلا جديدا يتصل بعلاقة الآباء مع الأبناء، يصوغه في العبارات التالية : «إذا أراد جيل الكبار أن يبرر عجزه وتنصله من المسؤولية وانسداد آفاق المستقبل أمامه فما عليه، وهذا ما يحدث غالبا، إلا أن يتهم الجيل الناشئ بالسلبية». هذا في الأقل، هو الإنطباع السريع الذي تكون لدينا ونحن نراجع أدبيات الحقبة الماضية حول الشباب نلتمس منها إرهاصات أو توقعات لما سيأتي.
1987/03/11
من كان يشك في أن الحقيقة أغرب من الخيال وأكثر خصوبة وثراء أكثر مما يمكن أن يخطر على البال، وأن الروايات البوليسية المجيدة بما تتضمنه من حبكة فنية ومن تشويق ومن إنقلاب متجدد ومتواصل في الأدوار والمواقع ومن صفقات وعمليات تهديد وإبتزاز ومساومات، هي وقائع عديدة يتألف منها نسيج العلائق اليومية، بين الدول والدول، وبين المجتمعات والمجتمعات وبين الأفراد والدول والجماعات، قبل أن تكون آثارا أدبية يُقْبِلُ عليها الناس لأنهم يجدون فيها أصداء قوية أو صعبة لخبراتهم وهواجسهم ومخاوفهم. من كان يشك في ذلك كله، فليقرأ جيدا تفاصيل الدور الحاسم الذي لعبه رجل تونسي شاب في التطورات الدرامية الأخيرة للعلاقات الفرنسية الإيرانية.
1987/07/29
لعل أهم أثر يترجم دخول الفرنسيين العرب، أي المواطنين الفرنسيين المنحدرين من أصول عربية، إلى معترك الحملة الانتخابية الحالية، هو ذلك المنشور الكاريكاتوري الساخر الذي وزعته مجموعة «فرنسا زيادة France plus» في جامعة «فيلتانيز Villetaneuse»، بالضواحي الشمالية لباريس، خلال شهر فبراير الماضي. في هذا المنشور رسم لشاب لا غبار على ملامحه العربية يلوح ببطاقته كناخب فرنسي، مع شعار جريء للغاية : «غدا أصبح رئيسا»، وفي ظهر المنشور شريط مرسوم، يقدم ملامح نمطية لشخوص عرب، يحاورون عفريتا أو جنا خارجا من قمقم يشبه صندوق اقتراع، يقول لهم : «من حقكم أن تتقدموا بثلاث طلبات»، فيردون عليه بصوت واحد : «الحرية، المساواة، الإخاء»، وهي الشعارات الرسمية للجمهورية الفرنسية.
04/05/1988
رغم أن البرتغال لا تنتمي جغرافيا إلى البحر الأبيض المتوسط فإن قربها من حوضه الجنوبي عند نقطة التحامه بالمحيط الأطلسي، وكذلك مجاورتها للمغرب وإسبانيا وجبل طارق لدى ملتقى الطرق البحرية بين أوربا وإفريقيا، إضافة لانتمائها إلى حلف الشمال الأطلسي كلها عوامل تجعل منها قطعة جوهرية ضمن ترتيبات الدفاع عن أوربا الغربية في الساحة المتوسطية. وقد سبق للجنة الدفاع والتسليح التابعة لإتحاد أوربا الغربية أن قامت بزيارة استطلاعية إلى هذا البلد نشرت بعدها (في شهر أكتوبر-تشرين الأول 1982) تقريرا مفصلا بعنوان : «حالة الأمن الأوربي» شرحت فيه باستفاضة الجهود التي بذلها البرتغاليون لتطوير قدراتهم الدفاعية.
1986/07/02
السرعة الجهنمية التي تتوالى بها التطورات، تجعل المراقب يلهث وراء الأحداث، دون أن يجد فرصة يلتقط فيها أنفاسه للوقوف عند معانيها العميقة، ذلك أن ما يحدث في عالم اليوم، يشبه شريطا من أفلام الرعب، تتوالى مشاهده، ووجوه الممثلين والممثلات فيه، عبر شاشة ضخمة، مسرحها الكرة الأرضية كلها، يتفرج عليها جمهور شبه مخدر، ذاهل، مأخوذ بسحر غامض، لا يعرف كيف بدأت القصة ولا متى وكيف ستنتهي؟
المراقب السياسي، الذي تعود على مراقبة الأحداث، وفقا لمرجعيات ثابتة، يجد نفسه أمام صور متغيرة، ما إن يبدأ بمحاولة تركيب شكل عقلاني منها، في ذهنه، حتى تفلت منه، لتحل محلها حالة جديدة، تحيره.
مأخوذ هذا العالم كله من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، في حبائل دوامة مجنونة، لا يستطيع أحد أن يتنبأ بالاتجاه الذي ستسفر عنه، في النهاية. إن كانت هناك نهاية، لاشيء ثابت مكانه. ويبدو أن هذه «الدوامة» أصبحت تخضع لقوانين الأرصاد الجوية ولا يمكن المجازفة بتوقع مسارها خارج حدود زمنية قصيرة
19/11/1992
بعض الكتب تشبه غابات استوائية كثيفة النبات، زاخرة بالمناهل والينابيع، مليئة بالأشواك والورود.
الأرض هنا مغطاة بالحشائش الحية أو الجافة، مفروشة بالأوراق الميتة، مكسوة بالأعواد والأخشاب، وقد تكون مأهولة بحيوانات مفترسة ومسالمة.
وكل الحيوانات، مفترسة ومسالمة، تنتابها أو تتناوبها هذه الحالة أو تلك.
هنا تتجاور الأفاعي مع الفراشات، تتساكن الصقور مع الأرانب، والجنادب مع السناجب، وتتعايش الذئاب مع الحملان وتحتك القطط مع الجرابيع.
الإنسان الذي يجول هذه الغابة يشعر بأنه ملاحق ومراقب، هناك عيون تراه ولا يراها.
لا تفارقه تلك الرهبة الغامضة أو تلك اليقظة المتوفزة إلا حين ينتهي من رحلة العبور.
والنهاية، ضمنا، متعددة الاحتمالات، قد تكون وصولا آمنا إلى الهدف الأصلي، وقد تصير اكتشافا جديدا لشيء غير متوقع إطلاقا، وقد تكون ضياعا، وقد تصبح عودة إلى نقطة الانطلاق الأولى، من دون الظفر بأي شيء.
31/08/1988
إذا كان كبار أساتذة الفلسفة ومشاهير المؤرخين، ثم نوابغ النقد اللامنتمين إلى التنظيمات الحزبية، أجمعوا رغم ما بينهم من اختلافات على الإشادة بأعمال ميشيل فوكو، فإن المثقفين المنخرطين في الحزب الشيوعي أو المتحالفين معه أو القريبين من تأثير جاذبيته، لم يترددوا في مهاجمة الاسم الجديد. كان رد فعل السلفية الماركسية ضد أفكار ميشيل فوكو، شبيها في عنفه وعنفوانه برد فعل السلفية العربية الإسلامية ضد كتابات طه حسين، لم يغفر السلفيون الماركسيون لمؤلف كتاب «الكلمات والأشياء» قولته الشهيرة : «تعيش الماركسية مثل سمكة في فكر القرن التاسع عشر، الأمر الذي يعني أنها تفقد القدرة على التنفس خارجه».
1989/10/04
فهرس الكتاب الثالث
أولا : المغرب الكبير
2 - باقي المغرب العربي وإفريقيا
تتمة الجزائر
ثلاثة مآزق تواجهها السلطة في الجزائر
الذكرى الأربعين لثورة فاتح نونبر
قوس أزمات جديد من الرياض إلى نواكشوط
عبد الحميد المهري يحول جبهة التحرير الوطني إلى حزب معارض :
«مقارنة تعطيل المسار الانتخابي لسنة 1992 بتزوير الانتخابات في عام 1948»
جبهة الجبهات الثلاث : هل هي بداية العد التنازلي للخروج من المحنة الجزائرية؟
البيان الأول للثورة الجزائرية الثانية من أجل إنهاء الحرب الأهلية الجزائرية الأولى
تحول الجبهة الإسلامية للإنقاذ نحو الديمقراطية ستكون له عواقب كبرى على الساحة المغاربية
حول مقال وزير الدفاع الفرنسي الذي أهملته صحافة باريس :
لوفيغارو أفسحت لسعيد سعدي مكانا أرحب من الحيز الذي خصصته لفرانسوا ليوتار
جوانب من «المكبوت» التاريخي في العلاقات الجزائرية الفرنسية :
"صحيفة المجاهد تؤاخذ ميتران على تصريح صدر عنه قبل 40 سنة»
كيف حاول ميتران أن يجعل الجزائر نموذجا لسياسة فرنسا تجاه الجنوب
كيف قطف الشاذلي بنجديد ثمار تحالف بومدين مع فرانسوا ميتران؟
بضعة أخبار عن تشابك صراع المصالح بين أمريكا وفرنسا في الجزائر
تنبؤات ديغول الجزائرية قبل ثلاثة وثلاثين عاما
هل دخلت الجزائر عصر المناطق الرمادية؟
هل يتحول الأمين زروال من «رئيس عازل إلى رئيس فاعل»؟
ماذا يريد السيد رضا مالك؟ قصة الرجل الذي كانوا يسمونه «سوسلوف الجزائر».
الزعيم الجزائري حسين آيت أحمد يقول في حديث خاص مع الإتحاد الإشتراكي
بوضياف والاستقالة
تونس
المغرب العربي يدخل الدوامة وتونس في عين الإعصار :
فتش عن المرأة وفلسطين
التنافس الجزائري الليبي في تونس
رحلة محمد مزالي نحو المجهول السياسي
مؤشرات انتقال التوتر من غرب المغرب العربي إلى شرقه
لماذا تخلص بورقيبة من محمد مزالي؟
الرسالة المزالية في مثالب البورقيبية : "جزى الله الكلاب خيرا..."
المغرب العربي بعد الحدث التونسي :
مرحلة تطبيع العلاقات الثنائية
مشاكل "الغورباتشوفية" في تونس والجزائر
حل وسط يفرضه الشاذلي بن جديد في العلاقات الليبية-الجزائرية
نحو «مغربة» النزاع الجزائري المغربي حول الصحراء المغربية
بمناسبة زيارته لفرنسا زين العابدين بن علي يكشف عناصر جديدة عن الإطاحة ببورقيبة
ليبيا
قرن من التنافس الفرنسي الليبي في تشاد :
أمريكا كانت تؤيد عودة أوزو إلى ليبيا والليبيون حاولوا استرجاع الواحة عام 1955
شهر عسل طوله خمس سنوات
حكاية المرأة الشقراء والإنقلاب الغامض
جيسكار ديستان ضد معمر القذافي
ورطة عدو ما من صداقته بد
مكره أخوك لا بطل
قصة النزاع الليبي التشادي حول أوزو :
كيف تم إحتلال أوزو في نطاق إستراتيجية الرمال
الصراع بين معمر القذافي وحسين حبري
إفريقيا جنوب الصحراء
إفريقيا على طريق الديمقراطية عبر المؤتمرات الوطنية :
وجاءت البداية من بنين
تدويل المعركة الديمقراطية
فشل البريسترويكا في زايير
موبوتو رئيسا تحت المراقبة
مالي : الديمقراطية على انقاض النظام السابق
عدد الصفحات 425 صفحة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.