تلعب مواقع التواصل الاجتماعية اليوم دورا بارزا في نشر مجموعة من الحقائق والمعلومات التي تخص الظواهر الاجتماعية عديدة والتي يتم تداولها على وجه السرعة من قبل مستعملي هذه المواقع. ومن الظواهر التي تم رصدها، في الآونة الأخيرة، على هذا الحامل ظاهرة العنف ضد المرأة، وذلك من خلال نشر العديد من مقاطع الفيديو التي يبدي أمامها «الفايسبوكيون» تفاعلا كبير ا ومثيرا.. من أشرطة الفيديو الأكثر تداولا، والتي لقيت تفاعلا من طرف العديد من رواد هذه المواقع، امرأة تظهر في فيديو بمدينة طنجة ملقاة على أرض بينما يعتدي عليها زوجها بطريقة يقشعر لها البدن في الشارع العام وأمام المارة. يشبعها ضربا مبرحا. يرفع قدمه إلى الأعلى ويوجه لها ضربات قوية على مستوى الرأس والوجه وهي تستنجد بالجيران وتتوسل وتترجى المعتدي عليها قائلة: «لله يرحم بابك» أملا منها في أن يكف عن تعنيفها، لكنه لا يصغي إلى صراخها ويستمر في ضربها فيما يحاول سكان الحي والمارة من الناس التدخل لتلخيصها، فيمنعهم الزوج بحجة أنها زوجته وليس لأحد حق التدخل في حياتهما الشخصية. الزوجة المعتدى (لبنى) صرخت لأحد المنابر الإعلامية بعد خروجها من المستشفى أنها ما حمله الفيديو الذي تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي يحكى واقع العنف الذي عاشته ذلك اليوم، وكان سبب تعنيفها من قبل الزوج راجع إلى رفعها دعوى قضائية تطالبه فيها بأداء النفقة. وبعد مشاهدتها لفصول الاعتداء الذي تعرضت له (لبنى)، صرحت خديجة تيكروين، مساعدة قانونية لمركز رابطة الإنجاد ضد عنف النوع التابع لفيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، ل»جريدة الاتحاد الاشتراكي» أنها لم تستطيع أن تقوم بالإنهاء فيديو لهذه السيدة التي تعرضت للعنف في أحد شوارع مدينة طنجة إلى آخره للبشاعة العنف الذي يحتوي عليه. وباعتبارها فاعلة الاجتماعية أعلنت تيكروين استنكارها لهذا الفعل الشنيع الذي تجاوز كل الحدود، وكشف في الشارع العام عن عن ما يحدث خلف الجدران، حيث تحدى هذا الزوج كل القيم وضوابط الإنسانية التي يفرضها المجتمع والقانون في حد ذاته. وقالت خديجة تيكروين إن العنف ليست بظاهرة الجديدة على المجتمع ووجوده في الفضاء العام وأمام الملاء أصبح مشتفشيا بصورة خطيرة، حيث تعتبر حالة السيدة لبنى غير استثنائية أو الوحيدة في المغرب. فهناك حالات عديدة لنساء تعرضن للعنف من طرف أزواجهم في الشارع العام، وبقسوة لا يمكن تخيلها أحيانا، سواء كن زوجات أو طليقات أو أخوات، وذلك بالاعتماد على وسائل خطيرة للتعنيف، كالسكاكين والهراوات والأسياخ الحديدية. وغير بعيد عن حالة (لبنى)، هناك العديد من مقاطع الفيديو التي ترصد بوضوح حالات لنساء تعرضن للعنف، من بينها حالة فاطمة الزهراء التي وجهت رسالة عن طريق نشرها لمقطع فيديو تحكي تفاصيل العنف الذي عانته ذلك اليوم الذي اعترض فيه زوجها طريقها أثناء خروجها من العمل وتوجهها نحو منزل والديها الذي تقيم فيه لمدة سنتين مع ابنتها بعد طردها من بيت زوجها بسب نزاعات عائلية مع دون أن تتوصل بطلاقها الذي تطالب به مند خروج من بيت زوجية. وتؤكد المعتدى عليها أنه طوال هذه الفترة لم يكن ينفق عليها وأنها هي لوحدها تعيل أسرتها لتفاجئ ذلك اليوم بترصد زوجها وقيامه بتوجيه طعنات غائرة على مستوى الخدين باستعمال شفرات للحلاقة بأحد الشوارع العامة بمدينة مراكش. مضيفة أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها للعنف بل إن زوجها يهددها دائما بالقتل مع السب والقذف ومسها في كرامتها باستمرار. وتقول فاطمة زهراء المنشود إن الهدف من وراء نشر الفيديو هو إرسال رسالة للفاعلين في المجتمع المدني، ولأصحاب القلوب رحيمة للنظر في حالتها الصحية والنفسية، وخاصة أن إصابتها على مستوى الوجه تعد خطيرة وتحتاج لعمليات تجميله كثيرة، لكن حالة عائلتها الفقيرة لن يمكنها من أن تغطي جميع تكاليف علاجها، مطالبة بالأخذ بيدها والدفاع عن حقوقها التي انتهكت. وحسب ما صرحت به لنا خديجة تيكروين، فإن السنوات الأخيرة (مابين سنة 2013 و 2014 ) عرفت تسجيل أرقاما مرتفعة لحالات النساء المعنفات، بل إن يعضهن تعرض للموت أو أقدم على الانتحار بسبب العنف الممارس عليهن، بل منهن من حكم عليها العنف التعايش مع عاهة مستديمة طوال حياتها أمام غياب القانون خاص يحمي هذه النساء. وتبرز الفاعلة الاجتماعية نفسها أن العنف تطور بشكل ملحوظ، وأن الظاهرة أصبحت فعلا مقلقة، بل تمس المجتمع بكل فئاته وتهدد الاستقرار الأسري خصوصا، والمجتمعي بصفة عامة. وتضيف أن هذا ما يندر بدق ناقوس الخطر مادامت هذه ظاهرة في تنام مرتفع، ومن ممكن أن تتخذ أشكالا أخرى غير مسبوقة، و قد تكون نتائجها سلبية على المجتمع. في السياق ذاته، تسعى مختلف الجمعيات المجتمع المدني المهتمة بشؤون المرأة المغربية وحقوقها إلى إخراج قانون يقف بالمرصاد لهذه ظاهرة، توضح تيكروين: "لقد هرمنا ونحن نطالب بقانون شامل يحمي النساء المعنفات، ويوفر لهن الجانب الحمائي والوقائي والزجري بالنسبة للمعتدين"، وأضافت أن كل هذه المطالب التي تندد بها الرابطة لم تجد أذان صاغية ، وأن نضالهم كهيأة تمثل المجتمع المدني لازال مستمرا وصامدا في وجه العنف وأشكاله إلى حين وضع حل لهذه ظاهرة. وأشارت تيكروين إلى أن مراكز الاستماع تستقبل بشكل يومي حوالي ستة نساء إلى ثمانية، ويختلف هذا الرقم من مركز إلى آخر. كما تعتبرأن النساء الوافدات على مراكز الاستماع هن النساء اللواتي يملكن الجرأة والشجاعة لمواجهة العنف وعدم الصمت إزاء العنف الموجه لهن، حيث أن نساء عديدات لا يتوجهن إلى المراكز بسبب الخوف وعدم القدرة على البوح، أو لظروفهن الاجتماعية أو الاقتصادية وغيرها التي لا تسمح لهم بالانتقال إلى مراكز الاستماع. تؤكد الفاعلة الاجتماعية أن المجتمع المدني يبذل جهودا فيما يخص هذا الموضوع، ولا يقف دوره فقط على استقبال الحالات، بل مخاطبة المجتمع من خلال توعية الشباب من خلال القيام بالحملات التحسيسية والتكوينية في إطار محاربة العنف بجميع أنواعه. مشيرة إلى أنه لا يمكن الوقوف عند هذا الحد، بل وجب مساهمة كل من الأسرة والمؤسسات التعليمية، كما يفرض هذا الواقع دخول الدولة على الخط، وذلك من خلال سنها لقوانين تحمي هذه الفئة المعنفة في المجتمع . ومن جهته، أوضح الدكتور أبو حركات، وهو مختص في العلاج النفسي والجنسي، أن المرأة المعنفة بصفة عامة، سواء أفصحت عن العنف الذي تتعرض له أو صمتت عن ذالك، فإنها تشعر بأنها ذلك الكائن الضعيف الذي لا يستطيع التصدي للعنف الموجه ضده . ويعتبر أبو بكر حركات العنف ظاهرة قديمة، ولا يخلو أي مجتمع منه، فقط تتفاوت نسبته بين بيئة وأخرى وأن النساء لطالما تعرضن للعنف بشتى أنواعه الجسدي واللفظي والمعنوي، وأنهن يختلفن فقط في طريقة التعنيف ومن مارس عليهن التعنيف ، حيث إما أن يكون العنف من طرف واحد: مثلا أن يمارس زوج العنف على زوجته وفي هذه الحالة يمكن للمرأة إما أن تقاوم العنف الموجه ضدها أو تخضع له لعدم توفرها على الإمكانيات المعنوية ونفسية التي تساعدها في التغلب على ما تتعرض له من عنف. أما بالنسبة للحالة التي تتعدد فيها الجهات والأطراف التي تمارس العنف، فقد تحاول المرأة مرة تلو الأخرى مقاومة العنف، لكنها حتما ستنهار وترفع راية البيضاء تعلن استسلامها للوضع . وأشار نفس المصدر إلى أن العنف الذي يمارس على المرأة إما يترك وراءه تلك المرأة ثائرة تحاول أخذ الثأر، وإما دخولها في الحالة الاكتئاب، حيث تصبح كارهة مكنتها أو وضعيتها الإنسانية كأنثى. ويرجع الدكتور أبو بكر حركات انتشار هذه الظاهرة الى غياب الوعي وترسخ أفكار قديمة تتكلم عن خضوع المرأة لسلطة الرجل، من خلال تفوق الرجال على النساء، مثلا بالبنية الجسمانية التي تخول له إنتاج العنف ضد المرأة. ويقول أبو بكر حركات في هذا الصدد: «أصبح من الأمر العادي أن تجد نساء يخبرنك أن أزواجهن لا يعتدون عليهن بالضرب أو ماشابه ذلك، وتخبرك الواحدة منهن أنه رجل جيد رغم قيامه بشتمها وإهانتها متى سنحت له الفرصة «. ليوضح قائلا : إنه ليس كل النساء يدركن ما يمارس عليهن من عنف، وأن هناك التي أصبحت تعتاد وتتكيف مع جو مليء بالعنف، وذلك بدافع الحفاظ على علاقتها زوجية رغم أنها هي شخص الوحيد الذي يدفع ثمن هذه العلاقة. وقال أبو بكر حركات بخصوص مواقع التواصل الاجتماعي أنها أصبحت بالفعل تفضح مجموعة من الظواهر، ومن بينها العنف، وأنها تؤدي دورا مهما في نشر ما يقع داخل المجتمع. لكنه يشير إلى أن الواقع هو الذي يتحدث. مضيفا: «إذا عرضنا مثلا مقاطع الفيديو مثل هذه على البعض في ظل غياب وعي بهذه ظاهرة، فإنه سيخبرك أن ما تتعرض له النساء أنه شيء قليل من العقاب الذي يستحقينه أو ما تسمع غالبا بالعامية»راه يضربها وميخليش ليضربها».. وجدير بالذكر، ساهمت مشاركة المقاطع الفيديو على نطاق واسع من خلال تداولها بين زوار المواقع التواصل الالكترونية الفايسبوك في لفت الانتباه لموضوع العنف ضد المرأة المغربية الذي بات من المواضيع الأكثر الخطورة في المجتمع. حيث اشتعلت العديد من المواقع، وخاصة «الفايسبوك» و»اليوتوب»، بتعليقات زوار العالم الافتراضي، رغم أنه عالم مجهول، إلا انه ينقل حقيقة ما يجري داخل المجتمع الذي ينتمي إليه بدون الحاجة إلى قناع. ومن بين التعليقات على الموضوع أن «العنف جريمة فردية شنيعة وجب أن يعاقب فاعلها بأقصى العقوبات ليكون عبرة لغيره وان يتحمل مسؤولية كل الأضرار التي لحقت بطرف المعنف»..... وهناك من يرى أن المجتمع يجب أن يتحمل مسؤولية كل ما يقع من عنف داخله، بينما يعتبر آخرون أن هذه الحالات كلها فقط جزء صغير من العنف الذي لازال يوسع دائرته بشكل ملحوظ في المجتمع المغربي وقد أشارت الفاعلة الاجتماعية خديجة تيكروين إلى الدور الإيجابي لوسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، رغم إنها تفزع المتلقي أثناء المشاهدة أو الشخص الذي رصد الظاهرة، وذلك لبشاعة العنف الموجود إلى أنها لها دورا مهما وفعالا في الفضح، وفي المساهمة في تحريك العديد من الهيأت وجمعيات المجتمع المدني لتدخل على الخط في هده القضايا الاجتماعية وغيرها..ومنحها الأولوية في أجندة المسؤولين لمكافحة الظاهرة التي لا زالت تشهد ارتفاعا في مختلف المدن المغربية . وبدوره، أكد رشيد الخوديم، محام بهيئة الدارالبيضاء، أن القانون الذي تخضع له نساء المعنفات في المغرب ما زالت تحكمه فصول القانون الجنائي المغربي المستوحى من التشريع الفرنسي. ويضيف أنه حان الوقت لتعديله وإصدار قانون خاص لمناهضة العنف ضد المرآة ويقول الخوديم بالفعل انخرط المشرع المغربي في هذا القانون لمحاربة العنف ضد النساء الذي يحمل رقم 13.103 ويصف أن مشروع هذا القانون جاهز للإصدار، وذلك من خلال انخراط المغرب في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان والمصادقة على العديد من الاتفاقيات التي تقدم حماية لكافة النساء المعنفات. وفي انتظار المصادقة على مشروع هدا القانون والخروج لحيز التنفيذ، يعزز قوله أن الدستور الجديد 2011 رسخ مكانة المرأة المغربية ودورها المهم وبنص الدستور على: « يتمتّع الرّجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحرّيّات المدنيّة والسيّاسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والبيئيّة... بما فيه الإصلاح الجزئي للقانون الجنائي والدي يمكن من تشديد العقوبات في حالتي العنف الزوجي ومن جانب أخر تجريم التحرش الجنسي من خلال تعريفه كالاستغلال سلطة». وفقا لدراسة التي أنجزتها المندوبية السامية للتخطيط، فإن 55 % من النساء المتزوجات تعرضن للتعنيف الزوجي لمرة واحدة أو أكثر خلال السنة التي سبقت الدراسة. وحسب نفس البحث، فإنه لا توجد فوارق ملموسة بين المدن والبوادي من حيث انتشار ظاهرة العنف، إذ أنه بالنسبة للعنف في الإطار الزوجي، بلغت نسبة المتزوجات المعنفات 56,1 % بالمدن مقابل 53,3% بالقرى، أما بخصوص العنف العائلي فقد بلغت النسب على التوالي 14,3 بالمئة و بالمئة 12,3. ويوضح هذا الرقم أن نصف نساء المتزوجات تعرضن للعنف أي نحو أربعة ملايين ضحية وهو مؤشر على أن الظاهرة باتت ترهق كاهل الأسرة والمجتمع المدني، مما يفسر غياب ثقافة الحوار والوعي داخل الأسرة وعدم تمكين المرأة من حقوقها الطبيعية وعدم تقديرها و احترام مكانتها الأصلية و المهمة في المجتمع. * صحافية متدربة