الحلقة التراجيدية، التي تعيشها الحكومة حاليا، تنضاف إلى حلقات المسلسل الطويل والمُمل، الذي يتخبط فيه تحالف غير متجانس، لا يجمع بينه أي توافق سياسي أو إيديولوجي، بل لقد تم تركيبه بمنهجية حسابية، وتوزيع للمصالح والأدوار، سرعان ما ينهار سواء داخل الحكومة، أو في إطار الأغلبية التي تتشكل منها، ويعاد ترميم متلاشياته، من جديد. الحلقة الحالية، رغم طابعها التراجيدي، من جهة، إلا أنها مسلية من جهة أخرى، خاصة عندما يدعي رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، أنه «تقولب» (معذرة على هذا المصطلح، حيث لا مثيل له في الفصحى) من طرف وزير المالية، محمد بوسعيد، ووزير الفلاحة، عزيز أخنوش، حيث وجه لهما اتهاما بدَس بند في قانون المالية، يعطي صلاحيات الإشراف على صندوق التنمية القروية والجبلية، لأخنوش بدل بنكيران. بغض النظر عن التفاهمات، التي يمكن أن تحصل بين أطراف السلطة التنفيذية، حول كيفية تسيير مثل هذه الميزانيات، فالخطير في الأمر هو ما انكشف حول أسلوب تدبير بنكيران، لبرامج ومشاريع بالغة الأهمية، مثل مخطط تنمية المناطق القروية والجبلية، والذي تم الإعلان عنه في خطاب ملكي، بعد دراسات مفصلة أجرتها مصالح وزارة الداخلية. الأمر لا يتعلق ببند عادي في الميزانية، بل ببرنامج شامل خصص له مبلغ 55 مليار درهم، يمتد على خمس سنوات، وتتم المراهنة عليه، من أجل إخراج جزء من سكان هذه المناطق من التهميش والفقر والعزلة... وكان من المفترض أن يخضع لنقاش مفصل بين رئيس الحكومة والوزراء المعنيين، لا أن يتم المرور عليه مرور الكرام، «في غفلة» من بنكيران، الذي يدعي أنه لم ينتبه، فالعذر أكبر من زلة. الوجه الثاني من هذه الحلقة المضحكة/ المبكية، هو الجدل القائم حاليا بين طرفي النزاع، حيث يقول الوزيران إنهما أخبرا رئيسهما بالأمر، ووافق عليه، بينما ينكر هو ذلك. في جميع الأحوال، هناك جهة ما تكذب على الرأي العام، ومن واجب المؤسسة التشريعية أن تفتح تحقيقا في الموضوع، لأن الأمر يتعلق بمسألة ثقة، أساسية في العمل الحكومي، بالإضافة إلى الكذب على الشعب، إما من طرف أخنوش وبوسعيد أو من طرف بنكيران. لا أحد يعلم كيف ستتطور الأمور، هل ستحترم المقتضيات الديمقراطية، وتحدد المسؤوليات ويخبر الرأي العام بنتيجة التحقيق، أم أنه سيتم جمع المتلاشيات مرة أخرى، في غياب تام للمصداقية والنزاهة والمسؤولية الأخلاقية.