ترأس جلالة الملك، مرفوقا بولي العهد الأمير مولاي الحسن والأمير مولاي رشيد، افتتاح الدروس الحسنية الرمضانية بالقصر الملكي بالرباط . وكان موضوع الدرس الافتتاحي الذي ألقاه أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، في مستهل الدروس الحسنية التي عرفت انطلاقتها أول أيام رمضان: " أبو العباس السبتي ومذهبه في التضامن والتوحيد"، انطلاقا من قول الله تعالى : "إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا"، واستهل التوفيق هذا الدرس بالتعريف بأبي العباس السبتي، وهو أحمد بن جعفر الخزرجي، والذي ولد بمدينة سبتة عام 524 ونزل بمراكش، وبها مات عام 601. وحول مذهبه في التضامن، أكد المحاضر أن أبي العباس بدأ مذهبه التضامني العملي بالإنفاق على طلبة العلم الواردين على مراكش، حيث ما لبث أن اشتهر بالجلوس في الأسواق والطرقات، وحض الناس على الصدقة، ويذكر ما جاء في فضلها من الآيات والآثار فتتوارد عليه الصدقات ، فيفرقها على المساكين وينصرف، مما جعل مذهبه في التضامن يدور على هذا المنوال، أخذ المال من البعض وإعطائه للبعض الآخر. وبموازاة لهذه التجربة العملية، كان أبي العباس، يضيف التوفيق، يجتهد في تأصيل مذهبه من جهتين هما جهة النص وجهة الذوق. فمن جهة النص، يقول المحاضر، إن أبي العباس يستشهد بآيات القرآن الكريم التي ورد فيها الحض على الإنفاق عامة، والإحسان خاصة، سواء بالحرف أو بالمعنى، وهي آيات كثيرة. ومن وقائع السنة كان يذكر على الخصوص ، أن الذي فتق وعيه وفتح بصيرته في البداية، هو العمل التضامني المؤسس لجماعة الإسلام الأولى في المدينة على يد الرسول الأكرم عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، حيث قسم الأنصار أموالهم مع المهاجرين، وهو عمل المشاطرة، واستلهاما من هذا العمل عقد أبو العباس النية مع الله ألا يأتيه شيء إلا شاطر فيه إخوانه المؤمنين الفقراء. وأبرز التوفيق أن أبي العباس كان يرد سائر أصول الشرع إلى الصدقة، فيرى أن التكبير في الصلاة بقول " الله أكبر "، فيه التزام من القائل بأن لا يبخل على الله بشيء يملكه، وأن رفع اليدين بالتكبير يعني المشاطرة، أي تقسم ما عندك مع غيرك، والسلام من الصلاة يعني الخروج عن كل شيء، والصوم يعني أن تتذكر الجائع وتتصدق عليه، والزكاة فرضت ليتدرب الناس على البذل والإعطاء، والحج أن تبرز في زي المساكين وتظهر ما ينبغي لله من العبودية. غير أن مذهب أبي العباس في التضامن والقائم على الإنفاق، يضيف التوفيق، كان في نظره ذا عمق يتصل بجوهر الاعتقاد، وهو توحيد الله تعالى. فقد اعتبر أن الإنفاق هو الدليل على أن المنفق قد تخلص من الشرك الخفي الذي يتسرب إلى القلب من حب المال، مضيفا أن التوحيد هو الركن الأعظم في التدين بالإسلام، وشرط الإقرار به شهادة أن لا إله إلا الله. وقال المحاضر إن مذهب التوحيد عند السبتي لم يقف عند براهين المتكلمين، ولم يتناول أذواق المتصوفين، إذ ربطه بدليل عملي يتجلى في السلوك ويتمثل في البذل والعطاء. وأشار إلى أن هذا المذهب استقى من المنطوق المباشر لآية من القرآن أن الهوى يمكن أن يتخذ إلها، وأن المال الذي يستولي على ضمير الإنسان قد يكون حجابا، لذلك أمر الله رسوله بأن يأخذ من المؤمنين صدقة يطهرهم بها. بعد ذلك، تطرق المحاضر إلى القراءات الخمس لمذهب أبي العباس السبتي وهي الشرعية، والصوفية، والسياسية، والاجتماعية، والفلسفية. فبخصوص القراءة الشرعية، أكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أن أهم ما يبرز منها يتعلق بترتيب الأولويات، حيث اعتبر أبو العباس أن الإنفاق هو الذي ينبغي أن يكون في مقدمة أعمال التدين، أي أن يعبد الله عن طريق إسداء الخير للغير قبل كل شيء أما بخصوص القراءة الثانية، فقد ذكر التوفيق أن أبي العباس عاصر شيوخا كبارا في التصوف، ولم يعرف له شيخ في الطريق، ولكن سلوكه ومنظومته الفكرية مما يجعله في عداد رجال التصوف مشيرا في هذا الصدد إلى قوله بأن العبادة ظاهر وباطن. كما تتمثل صلته الأخرى بالتصوف في الحرص على خدمة الناس ومواساتهم غير أن ربطه العطاء بالاستجابة، وتحقق ذلك بشكل مطرد، يتعدى مستوى الكرامة المعروفة لعامة المتصوفة. وحول القراءة السياسية لمذهب أبي العباس السبتي، قال التوفيق إن أبي العباس السبتي عاش في العهد الموحدي الذي اتسم في بدايته بالتخوف السياسي من الشيوخ الذين تتجمع عليهم الجماهير، ومع ذلك، يضيف المحاضر شهد هذا العهد بروز مئات من أعلام الشيوخ الذين بنوا علاقتهم بالناس على أساس التربية الروحية والخدمة التي لا تشوش على عمل الدولة. وفي قراءته الاجتماعية، أكد التوفيق أن أي نظام اجتماعي يتحدد بالموقف من المال، وأن موقف الإسلام من المال يتلخص في مشروعية الكسب الحلال وحماية التملك، والحض على أنواع السعي الذي نسميه اليوم بالمبادرة. وأكد أن المال ينبغي أن يكون التمييز فيه بين نوعين، مال مطلوب استكثاره من أجل بذله في الخير والنفع، ومال يجر إلى الفساد والطغيان. من كل هذا، يضيف المحاضر، يتضح اليوم أن الاختلال الذي يبحث الإنسان عن إصلاحه، باقتراح نظريات سوسيو اقتصادية، يتعذر تحقيقه ما لم يعتبر الإنفاق بمعناه الشامل، خلقا عاما، وما لم يعتبر الشكر في مقابل العطاء مقرونا بعقيدة الاستحلاف في الأرض. من جهة أخرى أشرف جلالة الملك مرفوقا بولي العهد الامير مولاي الحسن، الخميس بحي اليوسفية بالرباط، على إعطاء انطلاقة العملية الوطنية للدعم الغذائي "رمضان 1436"، التي تنظمها مؤسسة محمد الخامس للتضامن بمناسبة شهر رمضان الأبرك. وسيستفيد من عملية "رمضان 1436"، التي رصد لها غلاف مالي قدره 55 مليون درهم، زهاء 2,37 مليون شخص، ينتمون إلى 473 ألفا و900 أسرة، منها 403 آلاف أسرة بالوسط القروي، وذلك عبر مختلف جهات المملكة. ومن أجل ضمان السير الجيد لهذه العملية، تمت تعبئة آلاف الأشخاص، يدعمهم مساعدات اجتماعيات ومتطوعون من بينهم طلبة، ويخضع تنفيذ هذه المبادرة للمراقبة، لاسيما على مستوى لجنتين، واحدة محلية والأخرى إقليمية، ستسهران في الميدان على مراقبة تزويد مراكز التوزيع وتحديد المستفيدين وتوزيع المساعدات الغذائية. كما تقوم المجموعة المهنية لبنوك المغرب والخزينة العامة للمملكة وبريد المغرب، بتقديم المساعدة لمؤسسة محمد الخامس للتضامن من خلال مساهمتها في مراقبة مختلف الجوانب المالية للعملية، فيما يسهر المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، من جانبه، على مراقبة جودة المنتوجات الغذائية الموزعة.