من أنين الأرامل في غزة الثائرة من دماء تغنت بها في محيط الذبح عيون أزقتها الضامرة من صراخات شحرورة أثقلتها المنافي طوال السنين وتغني لحن التفاؤل رغم الحزن الدفين رغم الترحال ورغم الجرح اليومي و الأنين و هناك أراها في أبحر القفر و النسيان أودعت في الثرى تابوت الأماني و الأمنيات جثتا للنسور و للعقبان و تغازلها في محبسها القسري جيوش من الديدان لا خيار لها حتما لا خيار بين قنبلة الانفجار أو سكين الانتحار يومها خلع السيف بردته ثم أعلن للدم شهوته و انزوى يشدو و يردد خيبته قائلا: شحرورة وادينا غني ... غني ... حوالينا مات الصبح راحت أمانينا واستأسد ليل الظلم و بحت أغانينا شحرورة وادينا شلت الأفواه و جفت مآقينا وأنا أصغي لأنين المرضى والمتعبين في اكتئاب أشاطرهم و أظل أجول بفكري أرمق كل فراغ يملأ صفحة هذا المدار و النجوم العطاش تسافر مبحرة دون مجداف أو سفين حوصرت في اليم تصارع موج الدهر العسير و إلى كهف المجهول أراها تسير دون بوصلة أو دليل طريق لا تعرف وجهتها أو أين المصير و على خدي وقفت دمعتي حائرة عن دروب دمي عن محطات عمري تسائل في كل منعطف فتجيب لغات الظل بصمت مرير ثم يفتح دمعي باب الحلم يستحضر في وجهي الأرض .... الوطن ... الأم ... الحناء ... الوشم ... ليالي الحصاد و أغنيات البنات لعب الأطفال و ثورتنا العابرة وهنا فوق جسر التاريخ مرت قريتنا يوم قيل لها : ادخلي صرح المجد السائر نطت من فرحتها حسبته كما قالت لجة ثم راحت تكشف عن ساقيها للحظ العاتر سقطت في الطريق ثم نادى مناد من نسلها ألا تحزني نحن بلسم هذا الجرح الغائر فانطلقت تجري و تصيح مهرولة في ربوع الجليل إنني هاهنا في انتظار الخليل ثم تشرب آمالها في أقداح صبح ضرير وتقلب في جوف الأرض عن فارس يعشق الموت في كفن من عبير لم يكن ... لم يكن كلهم استحلوا فاكهة الدفء فوق السرير و هي بالدم تبكي حصاد النهاية بعين لم تدرف فرحا فوق جسر البداية قد صارت شبحا باهتا في مرايا الحياة نسيا منسيا في أحجيات السمار و الرواة و تردد في سرها كل شيء هنا لا ضوابط له كل شيء في عالمي لا منطق له كل شيء غريب عجيب في متاهات هذا الوقت الرتيب يهمس الظل للشمس في خلوة قائلا: رازح جسدي نازح ولدي فأضيئي طريق الفداء فأصاخت غزالة هذا الوجود للظل قائلة: قد رأيت الخراب على العجلات هنا يمشي ساخرا بالدماء فارتكنت و أطفأت كل عيوني لأتلف ضوء الطريق و أنا واقف ثمل بجروح الأسى تائه في دروب الوغى سائر في حياة العذاب أمشي مجبرا لامتصاص العرق وركوب الغرق وتعانقني في صهد الليالي بذور الأرق ثم اشربها حنظلا من مدام القلق و الرياح مزمجرة تنسف الإسمنت تدك الحطام و العواصف فرحانة لانتصار الحديد و وأد العظام الجميع تعرى و انطفأت ثورتي يوم فل الحسام وبعيني جمرة ثأر أراها ترسم خارطة الانتصار لبلاد تنبت طينتها مضغتي روحها تستوطن مجرى دمي من مهدي الى لحدي وهي وا أسفاه وحيدة درب تقاوم حكامها القتلة وأنا كلما انتبذت ثورة في عروقي مكانا قصيا تبسم ضوء الكون له فرحا ثم اجتمع الناس حولي و قالوا: لقد جئت شيئا فريا نظرت إليهم مبتسما في سخرية و انطلقت وحيدا ألعنهم فردا فردا ألعن الخناسين السفلة و بقيت أنادم في الحان كل فراغ يجالسني أشرب الجوع قسرا و قهرا أقضم حلو الظمأ و يطالعني صبح غزة من تحت الأنقاض بوجه توج هامتها تاج الفخر من حمأ ورماد مثخنا بجراح الهزيمة مبتسما لانتصار العزيمة ثم رحت إليها أعدو مشتعلا و أصيح لا تعتقدوا صمتي خوفا فالصمت بليغ أحيانا بالصمت بليغ شفاف مرآة يعكس هول الصدمة و الحيرة هذا صمتي صار عود ثقا ب شارة ضوء يشعل في الأفكار فوانيس الثورة في بلاد تنعي النصر المهزوم في كل يوم مليون مرة.