صدر مؤخرا في العاصمة الفرنسية باريس كتاب تحت عنوان «أنا بهية، الناجية من الموت» صاغت بين دفتيه رفقة الصحفي العربي عمر الگندوز تفاصيل رحلتها الأخيرة رفقة والدتها على متن الطائرة اليمنية التي تحطمت في عرض المحيط الهندي قبل أن تحط بمطار عاصمة جزر القمر. تروي بهية البكري، الطفلة البالغة من العمر 13 سنة، كيف قاومت الموت غرقا وهي متشبثة بحطام طائرة تتقاذفها الأمواج لمدة أزيد من تسع ساعات قبل أن ينقذها صياد. كتاب، تطرقت فيه بهية، الطفلة البكر في أسرة تتكون من أربعة إخوة وأخوات، أيضا للحظات الأخيرة وأجواء الرحلة قبل أن تتحطم الطائرة، واسترجعت فيها علاقتها بوالدتها عزيزة التي قضت في هذه الفاجعة مثلها مثل 152 من الركاب وعلاقتها بوالدها قاسم وصديقاته.. واستعادت بهية، الناجية الوحيدة من بين ركاب الطائرة اليمنية، أجواء ما بعد إنقاذها من الموت، وكذا الاهتمام الاعلامي بها واهتمام المسؤولين الحكوميين الفرنسيين بها وزيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لها شخصيا. كانت الساعة تشير إلى حوالي الحادية عشرة صباحا، حين مر من جانبها صياد، يشتغل على متن سفينة «هشيما»، انه ليبونا سليماني ماترافي يبلغ من العمر ثلاثة وأربعون عاما، رجل رشيق ورياضي. تقول عنه بهية إن ملامحه توحي بكونه رجل يواجه المصاعب. فمغامرة الحياة في البحر بالنسبة إليها صعبة أيضا غير أنها ترى أن ليبونا مجبر على ركوبها لأجل أن يضمن لقمة العيش لزوجته وأربعة أطفال. تتحدث بهية عن ليبونا بكثير من التقدير، لكونه صياد يشتغل ليل نهار ويسكن بضاحية اسمها «ميرونستي» على جزيرة «انجوان». تشير إلى إن ليبونا حين يصل إلى موروني يقضي الليل على متن السفينة أو في بيت اقل مستوى من بيته في «ميرونستي». قبلها انتشر خبر الفاجعة ساعتان بعد منتصف الليل، تقول بهية، إذ تم تداول نبأ تحطم طائرة في عرض المحيط الهندي، الذي انطلق كالنار في الهشيم من المطار و انتشر في كل مكان بالأرخبيل و أيقض كل النائمين. الكل لم يكن يعرف المكان المحدد لتحطم الطائرة التابعة للخطوط الجوية اليمنية، فقد كان الكل في حير من المدينة التي كانت مسرحا للحادث وتم تداول اسم أكثر من مدينة مجاورة للشاطئ. كانت الطريق المنطلقة من المطار في اتجاه الشمال مكتظة بالكامل.لقد كان الخوف والقلق سيد الموقف في الأزقة. فقد اتخذت مركبات من مختلف الأنواع وجهة الطريق الوطنية. لقد عاشت القمر حالة تأهب بشكل مباغت. اقترح ليبونا وقائد السفينة «هيشيما» الالتحاق بفرق الإنقاذ كمتطوعين للبحث عن ناجين من حادث تحطم الايرباص، لم تسعفهما نفسيتهما أن يظلا مكتوفي الأيدي دون القيام بمبادرة أمام مثل هذه الفاجعة. وافق عليهما القائد سيريل دويي للمشاركة في عمليات الإنقاذ فكان من قدري أن التقي يهما في عرض البحر. اخذ ليبونا مكانه أعلى جسر السفينة، فقد كان البحر يغرق في ظلمة الليل، وكانت أمواجه أكثر قوة واقل هدوءا من تلك التي كانت عليها قبل أن يصل ليبونا إلى اليابسة قبل يومين. اختيار ليبونا أن يبحر في اتجاه الرياح ووافقه قائد سفينة «هيشيما» حين صعد أيضا إلى اعلي الجسر. إن الليل بدأ ينجلي و بدأ الفجر يعلن نفسه شيئا فشيئا، و الجلال يفهمان بعضهما البعض دونما النطق بكلمة. استرجعت بهية ليلة تحطم الطائرة مشيرة إلى أن أمثال ليبونا ممن لبوا نداء الإنقاذ التطوعي كانوا كثيرون وجاءوا من مدن عديدة. من بينهم بحارة محترفون، وآخرون عرضيون.. تستمر في رصد مراحل الإنقاذ إلى حدود وصول ليبونا. كانت الساعة تشير إلى حوالي الحادية عشرة صباحا، حين مر من جانبها ليبونا، عيناه، اللتان اشتدتا حمرة بسبب قلة النوم و ملوحة ماء البحر، تبحثان في حالة أشبه من التيه بين أمواج البحر على ما من شأنه أن يكون علامة على وجود شخص ما.. بشكل مباغت يتحرك بقوة. فلمح شيئا ما. أو بالأحرى احد ما. إن هي من رآها، إنها بهية البكري. كانت الساعة تشير إلى حوالي الحادية عشرة صباحا ولم تكن بهية على علم بعد كونها ستتخلص من هذا الكابوس وأنها ستصل إلى اليابسة. أنها ستعاود رؤية والدتها لتعانقها وتعانق كل من تحب. فهي ما تزال متشبثة بجزء من حطام الطائرة تعانقه ويمنحها الفرصة في البقاء فوق الماء. انه إطار طائرة الايرباص. كان جسد بهية تتقاذفه أمواج البحر على بعد حوالي عشرون مترا من سفينة الإنقاذ وتحاصرها بقعة من المادة الكيروسين، وقود لطائرة. فهم طاقم السفينة أن الأمر كان بمثابة معجزة كون الأمواج لم تتمكن من إن تقلب بهية رأسا على عقب وتغرقها في عرض البحر. بدء ليبونا ينظر إلى بهية ولم يتمكن إلا من تحديد أعلى جسدها. لقد كان رجلاها أسفل مياه البحر. ولا تتمكن من الحركة. تخلت عن مقاومة قدرها المحتوم، الموت. ليبونا كان يعرف أن قدره هو انقاد بهية، هكذا وصفت الوضع، فهو لأجل لا يتملك شيئا في الحياة سوى شجاعته. لم يتردد في القفز في البحر متجها لإنقاذ بهية. حمل طوق النجاة وحاول الاقتراب منها غير أنها لم تتمكن من ذلك. انتاب بهية الخوف غير أن ليبونا بدء يسبح في اتجاهها بطريق لم ترى مثلها. كان يسبح كما لو انه سينقذ كل القمريون، كأنما الأرخبيل كله من يغرق في قعر البحر. غير إن ليبونا بدء يصرخ في اتجاهها، فرفعت رأسها لترى سفينة بالقرب منها. إنها السفينة التي قدمت لنجاتها. لقد بدأت تصرخ فرحا وبدء صدى صوتها وصوت الصيادين يلتقي في وشط البحر. لقد انقدت تردد بهية، إنها ما تزال على قيد الحياة. لقد أحسست بهية فيما بعد، عندما تحدثوا لها عن الجهود التي بدلها الناس من اجل إنقاذها و إنقاذ ضحايا تحطم الطائرة بالفخر أن تشكل جزءا من سخاء هذا الشعب جميعهم، أطباء استيقظوا ليشتغلوا ليلا في جزيرة لم تعرف كما من الحكة كيفا عاشته اثر الحادث.