في أقل من أسبوع واحد، ملأت أسماء كبيرة الحقل السياسي والاقتصادي، وتتبع المغاربة، الذين يهمهم أن يتتبعوا ما يجرى في بلادهم، أخبار الوزير الأول السابق، ادريس جطو، وتحدثت الصحافة، عن مدير المطارات، وثم الشعبي .. وفي الحالات التي تناولتها الصحافة كان للقضايا التي جاء بها المجلس الأعلى للقضاء الحصة الكبرى. أول ملاحظة هي أن التقرير، الذي حصلت عليه بعض المنابر قبل غيرها، وإن لم نقل لم تحصل عليها بتاتا، شأن وطني يهم الجميع، وليس المعنيين فقط. والتقرير الصادر عن مؤسسة دستورية، هو من صميم الممارسة الديمقراطية، ومن صميم الحداثة السياسية. فهو كما يقتضي ذلك مفهوم العمل الدستوري، أداة عقلنة وترشيد المالية العمومية، ومؤسسة عليا للمراقبة في هذا المجال ورصد الاختلالات، كما يراقب الاختلالات في تنفيذ قانون المالية .. والمجلس الأعلى، ليس هو فقط الخبطات الإعلامية التي يمكن أن تعطيها نتائج الافتحاصات، بل هو سند لعمل البرلمان ولعمل الحكومة في المجال الذي نتحدث عنه، بناء على القانون المنظم .. ولعل الهدف الأرقى من وراء كل الترسانات والاحترازات.. هو الوصول إلى ترسانة من العقوبات والمتابعات، التي تخضع للقانون والأصناف والأشكال إزاء كل من «سولت له نفسه..» كما تقول العبارة المسكوكة. وعندما تكون مؤسسة دستورية تقوم بعملها لا يمكن إلا التصفيق، بل الإطمئنان إلى أن الأمور تسير سيرها المطلوب. الآن ما يسجل هو تعميم التقرير، وتعميم القراءة الدستورية له، وليس القراءة التي تجعل من الاتهام والحط من الممارسة العمومية هما المطلوب من وراء القصد. لقد قطعنا مراحل عديدة منذ الستينيات في هذا الباب منذ اللجنة الوطنية للحسابات، والتي كانت وسائلها محدودة، بمقدار محدودية الزمن السياسي آنذاك والخصاص السياسي والمؤسساتي في بلادنا، إلى أن وصلنا إلى دسترة المجلس الأعلى للحسابات، بما يعنيه أيضا من مجالس جهوية، وقضاة ماليين الخ. واليوم مازال تلقي عمل المجلس الأعلى، إما يمثل نشاطا مثل الأنشطة التي لا يتجاوز عملها مستوى رصد الاختلالات، أو باعتبارها فرصة لشنق المعنيين. والسؤال هو هل يمكن أن نفرح أو نأسى لهذا الوضع؟ في الواقع لا يمكن للمغاربة إلا أن يعرفوا ما يروج حول أموالهم، ولا يمكنهم إلا أن يسعدوا لكون المجلس يقوم بما يجب القيام به، واعتبر بأن جزءا من العمل الذي يقوم به ليس هو تطهير الدولة فقط من أسماء وأصحاب الاختلالات، بل أيضا تطهير الأحزاب ومؤسسات المجتمع والباطرونا الوطنية من كل السلوكات، ولما لا الأفراد، الذين يجب أن يقلوا وأن يصبحوا نادرين عوض أن يكونوا العملة السائدة في المشهد الوطني.