بعث السيد امحمد المذكوري عضو المكتب المركزي لحركة الطفولة الشعبية برسالة مفتوحة إلى السيد وزير الشباب والرياضة حول موضوع تفويت بعض الممتلكات العمومية لقطاع الطفولة والشباب إلي القطاع الخاص وحول «الحوار» المزعوم الذي يتم في غياب الجمعيات. و قد استند كاتب الرسالة إلى تصريحات الوزير في البرلمان وإلى الصحافة المكتوبة والمرئية التي تمت منذ حوالي شهرين «تتبعت باهتمام كبير واستغراب أكبر تصريحاتكم قبل وأثناء البرنامج التلفزي للأربعاء الفارط، لأنه يعنيني من حيث موقعي بجانب العديد من المواطنين العاملين والمهتمين بالقطاع الجمعوي المتعلق بأنشطة الشباب والطفولة الواقعتين تحت سلطتكم الحكومية، ولأن أغلب ردودكم على التدخلات البرلمانية والسياسية والجمعوية والصحفية اتسمت بعدم الوضوح و تراجعات ينم عن الشك في المواقف والتذبذب فيها أو لعلها فقط بوليميك سياسوي لانتزاع مزيد من الاهتمام اعتذر سيدي الوزير عن هذا المدخل الذي ربما لن يروقكم، واعتذر مسبقا عن الوقت الذي سآخذه منكم، واطلب منكم التحلي بشيء من الصبر، لأني أريد أن أبلغكم بعض الأفكار التي سيتعرض لها آخرون من خلال مواقعهم بشكل آخر وقد تبقى حبيسة لقاءاتفي حين أن الموضوع يحتاج إلى نقاش عمومي وعلني لأنه يهم العديد من الشرائح والمواطنين الذين ساهموا بأموالهم وجهدهم ووقتهم من أجل بلوغ مستوى تطلعوا له بروح وطنية ولا زالوا يكافحون من أجله بمختلف التضحيات. سيدي الوزير، نبدأ من النقطة المركزية الأساسية وهي «الخطة الإستراتيجية» فإذا كنتم تعنون في مختلف تصريحاتكم مخطط الوزارة فهل اعتمدتم في الصيغة الرسمية له على التصريح الحكومي للسيد الوزير الأول أمام البرلمان أو لبرنامج الحزب الذي تنتمون له رسميا أو إلى الخطة التي جاءت بها السيدة الوزيرة سلفكم سواء قبل رسالة مناظرة الرياضة أو بعدها والتي لم تسقط رسميا، وبالتالي ما هي القواسم المشتركة أو ماذا يميزها عن سابقاتها، أم نحن أمام اقتراح «جديد» ل»برنامج» جديد، وإذا اعتمد على دراسات أنجزت داخل الوزارة أو خارجها فهل تم اعتمادها من الجهات المعنية وهل تناقشها وهي لم تساهم فيها أصلا، وكما يقال فان دراسات منجزة من قبل «مكاتب الدراسات» لا تتجاوز أنها تقوم بإخبارك بالساعة الراهنة بعد أن تأخذ ساعتك اليدوية وتنظر فيها، والدراسات في هذا الميدان والحوار الشبابي الجاري حاليا بعد «اعتماد» «الخطة» ليس سوى نوع من أنواع ريبورتاجات الطروطوار كما يقول الصحافيون. سيدي الوزير، تمنينا لو أن الحوارات والخطة التي سبقته ( وهذا من غرائب الأمور)، اعتمدت مقاربة تشاركية ولم تقص الفاعلين الحاليين الذين اثبت التاريخ دورهم ولم يفطن لذلك الكثير إلا عندما أصبحت موضة غربية ثم أن تكون تلك المشاركة فعلية لا « وذن كيال « - كما يقول المثل الشعبي - وكما فعلت الوزارة في منتديات المخيمات نهاية السنة الفارطة حيث سجلت مصالح وزارتكم طروحات الفاعلين وعملت على إخراج / إصدار توصيات و مواقف تعنيها هي فقط، وعلى ارض الواقع استمر الحال على حاله، لا علينا فعذرا لهذا الاستطراد، إن استبعاد وتهجين الجمعيات ليس إلا عملية مجانية من اجل معركة لسنا في حاجة لها مع تنظيمات وهيئات أبانت بالرغم من كل المد والجزر الذي له أسبابه الموضوعية والذاتية وبالرغم من كل الإقصاء الذي مورس عليها عن دورها ومكانتها، والتي استمرت عبر التاريخ مدارس وجامعات مفتوحة لتكوين المواطنين، والتي لولاها لما كان هذا المد الكبير الذي نعيشه وهذا التنوع الغني الذي نشاهده والذي يمس كل القطاعات والمجالات و لما بلغنا ما بلغناه من تعدد جمعوي وسياسي، كمي ونوعي متميز وخلاق والذي يحتاج حقيقة إلى تأطير وتأهيل ومصاحبة للرفع من مستوى عطاءاته و يحتاج أكثر إلى إطار قانوني دستوري ليحصن من كل النزوات العابرة منها والمقصودة وليكون فضاء مناسبا لتأطير وتتبع ومراقبة الفعل الجمعوي وليكون بالخصوص الهيأة التي تضع الخطط الإستراتيجية وطنيا وحسب كل القطاعات، الخطط الوطنية التي تضيف إلى المجهود المبذول مكاسب ايجابية تحافظ على التراكمات وتنميها لا أن تبدأ من نقطة البداية وكأن التاريخ يبدأ فقط من اكتشافكم لهذا القطاع و من بدء مسؤوليتكم عليه. إن الحوار الدائم مع الشباب هو العمل اليومي معهم، وهو ما تقوم به المنظمات والهيئات والحركات يوميا ومنذ القدم ومع مئات الآلاف الذين يشربون من ينابيعها والذين يبرهنون في حياتهم عن نجاعة المتَلقى من قيم ومبادئ، ومحطات نقاش أو حوارات متخصصة يمكن القيام بها في إطارات فاعلة لا عن طريق « تمثيليات» مشكوك في استقطابها ومصداقيتها، ولا تتعدى لقاء مؤقتا للتسجيل التلفزي، إن الحوار مع الفاعلين الحقيقيين هو الذي أنتج في السابق نموذج التدبير المشترك والتدبير الذاتي اللذين أبانا عن نجاعتهما في المخيمات الصيفية قبل أكثر من عقدين من اكتشاف التدبير المفوض الذي يتغنى به الجميع اليوم، تم التراجع عنه عنوة وتم استبعاده من طرف بعض المسؤولين لغايات في نفوس بعضهم، وهذا ما حصل في أمور تدبير دور الشباب عن طريق مجالس منتخبة تجاوزا لضعف التأطير الرسمي من جهة وتطويرا للدور الحقيقي لأصحاب الحق في هذه الدور، والذي كان هو كذلك من خلال تطور نظرة المشاركة التي تقاسمتها الجمعيات ومارستها بالفعل اليومي و مراكمة الايجابي وتصحيح المسار كلما اعوج و انحرف بحوار دائم ومستمر وإن عرف انحسارات وتراجعات في بعض الأحيان. إن المغرب فعلا قد تغير، ويتغير و لا يسمح هذا الشعار/ الحقيقة لأحد بان يقصي الآخرين من المساهمة في تطوير وطنهم فكلنا شركاء في الوطن، والتطور الحاصل هو نتيجة تراكم تاريخي وليس اكتشافا جديدا، والأحكام الجاهزة حول اختيار هذه الوسيلة أو تلك قطعيا وفقط للتطوير والتطور والحداثة لا مكان لها في رؤى تطوير مجتمع لا زال فيه الأميون من الأطفال والمنسحبون من التعليم بفعل أسباب واهية و غير منطقية في مفهوم الحد الأدنى للعيش الكريم ومقومات التنمية البشرية الحقة، والذي يحتاج إلى تكثيف الجهود بكل أنواعها وأشكالها وفي كل المستويات، فالعمل الدؤوب وطويل النفس والمتنوع مع الشباب والأطفال و من أجلهم هو الكفيل بخلق إمكانات للمساهمة في تطورهم وانعتاقهم، والتأهيل المنشود لن يكون تهجينا لفعل اجتماعي متجذر بل هو الرفع من قدرات وطاقات موجودة بالفعل ولن يكون بتحويل الفعل التربوي إلى سلعة تباع وتشترى كما الأمتعة والأغراض الاستهلاكية . ومساهمة في النقاش الدائر حول التفكير والشروع في تفويت منشئات قطاع الشباب لفائدة القطاع الخاص من أجل إنعاش قطاع آخر فلن آت بجديد إذ أسجل أن كل الفعاليات والحساسيات أجمعت و باستمرار على رفض التفويت بأي شكل من الأشكال وتحت أي حجة كانت، لأن الهدف من المنشئات الاجتماعية دائم ولا يتوقف في أي زمان عكس كل التجارات والمزايدات المالية الصرفة التي تنتهي ببلوغ أهدافها. والمقترح الذي يرمى اليوم إلى التخلي عن مركز في هذه المدينة أو تلك لا يمنع من بعد من تفويت مركز آخر في مكان آخر وتعميم التجربة، والقضاء على كل الفضاءات التي لازال مجتمعنا في حاجة مؤكدة لأضعاف أضعافها، وبذلك يتم اغتيال ذاكرة واغتيال مؤسسات ساهمت في تكوين أجيال تلو أجيال، بينما نرى اليوم الدولة تنشئ مؤسسات متعددة ومتنوعة ومحدثة في إطار العمل السوسيو ثقافي الرياضي والاجتماعي، وتعمل على تجهيزها ورصد تمويل خاص لها «وتسلمها» إلى هيئات قصد تسييرها وتدبيرها في إطار برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وفي هذا تناقض صارخ. و إذا كان المقصود من هذا الطرح هو مبادرة معينة لتمويل برنامج معين فانه مرتبط أولا بتواجد أو انعدام الرؤيا ووضوحها في إطار برنامج وطني متوفر على حد من القبول والانخراط في خطة معلومة النتائج والآليات والأهداف. وإن كان الأمر يتعلق بتخلي عن فضاءات غير صالحة فليدرس الأمر لم أصبحت كذلك، وليدرس الأمر من حيث حاجة القطاع والمجتمع إلى مؤسسات من نفس النوع أو آخر من نفس الجنس والقيمة أو أحسن، ولكن العيب اليوم هو التخلي عن العمل وعن الفضاء لصالح شيء آخر، ولو كان المقابل مادي مالي مغري فلتنجز أولا البرامج والمخططات، أليست تلك المؤسسات هي منبت أولئك الذين يمكن أن ننشئ من اجلهم منشئات أخرى جديدة أو استثمار آخر. ليس المنطق التجاري القائم على الربح والخسارة هو الذي يجب يسود ولكن منطق النجاعة والمردودية والتطوير والتحدي هو الذي يجب أن يكون مدخلا للموضوع، فتيط مليل لو أصبحت مركزا لسياحة الشباب ومركزا لاستقطاب أبناء المنطقة و زوارا من مناطق أخرى في أنشطة تكوينية توعوية رياضية وثقافية وتقنية يمكن أن يصبح مصدر إشعاع علمي لاستثمار أكيد في البشر عوض الاستثمار في العقار، وكذا بالنسبة لمركز الفقيه بنصالح الذي تتعدى مساحته الثلاثون هكتار و الذي أنجز في إطار رؤيا معينة فهل تم التخلي عن تلك المنهجية ومن قام بذلك ولماذا تم وهل يمنع شيء من تحويل الفقيه بنصالح إلى قبلة للشباب والأطفال إذا تحول بها هذا المركز إلى مركز حديث بمواصفات حديثة وفضاءات حديثة وتنشيط حديث، ومركز المنظر الجميل إذا لم يعد صالحا لممارسة الرياضات أو التربصات فقد يكون لائقا بإحداث متحف للرواد أو مركز اجتماعي لهم ولعائلاتهم أو «حرام فاليهودي عينيه»!! ليس هناك فائض في مؤسسات قطاعي الطفولة والشباب والرياضة يمكن التخلي عنه وليس هناك زائد في المنشئات التي مولت بأموال المواطنين ويمكن مقارنة بعض الطموحات اليوم في بعض البرامج بالحاجيات الحقيقية، ولا اعتراض على برامج استثمارية طموحة بل يمكن أن تكتسب تلك البرامج مصداقية أكبر إن هي قامت بإدماج منشئات للطفولة والشباب ضمنها بشكل جديد وعصري، فماذا سيقع بعد التخلي عن مخيمات العرائش والسعيدية وتاغازوت وغيرها ؟ سيدي الوزير، إن الحوار الذي وعدتم بالدعوة له في 15 مارس يجب أن يكون لحظة إطلاق حوار شامل حول حالة الشباب وتطلعاتهم وحالة المنشئات والفضاءات و الجمعيات ومتطلبات المرحلة والمستقبل وتشخيص للعمل الوطني في المضمار، والأدوار التي من اللازم القيام بها من طرف كل ذوي العلاقة بالموضوع مجتمع مدني وفعاليات ومؤسسات سياسية وحكومية وكل من يمكن أن يشتغل على المستقبل لأنه ببساطة هو المستقبل، وهو الاستثمار الأفضل، لا أن يكون لقاء لعرض وحيد ومنطق وحيد. ومن موقعنا الجمعوي نؤكد لكم على انخراطنا في هذا المسار تأكيدا لقناعتنا بما يمكن وما يلزم والسلام عليكم.»