أكد محللون وخبراء أن المغرب يدعم مادياً ومعنوياً ما يسمى بالإسلام "الصوفي" المرتبط بالزوايا والطرق الصوفية بهدف محاربة التيارات السلفية المتشددة، وسحب البساط من تحت أرجل حركات الإسلام السياسي أيضاً. ويرى هؤلاء الأخصائيون أن اعتماد مدبري الحقل الديني بالبلاد على التيار الصوفي يعود أساساً إلى طبيعة هذا النوع من الإسلام "الشعبي" الذي يرتكز على الانشغال بطقوس التدين من دون الخوض في السياسة والشأن العام. وتبرز مظاهر الرعاية الرسمية للطرق الصوفية في تسليم الهبات الملكية لبعض الزوايا مثل الهبة التي تم منحها للزاوية الشرقاوية في 24 أيلول (سبتمبر) الجاري، وكذلك في تنظيم الندوات العديدة والمهرجانات الفنية ذات الاتجاه الصوفي، فضلاً عن تخصيص برامج إعلامية عديدة في القنوات التلفزيونية لبث شعائر التصوف وسط المغاربة. الصوفية تحارب التشدّد ويرى الدكتور رشيد مقتدر، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية بالمغرب، أن علاقة الدولة بالقوى السياسية المعارضة اتسمت بانتهاج عدة استراتيجيات حسب نوعية القوى السياسية والسياقات الثقافية والاجتماعية والسياسية، ووفقاً لطبيعة موازين القوى داخل الدولة، والقوة السياسية للنخبة الحاكمة ومكانة الدولة السياسية والاقتصادية إقليمياً ودولياً. واعتبر مقتدر في حديث ل"العربية.نت" أنه من الطبيعي أن تنتهج الدولة استراتيجية توظيف قوى سياسية واجتماعية ضد أخرى إما بشكل مباشر مثل الدعم المادي أو المعنوي أو القانوني، أو غير مباشر كغض الطرف عن بعض الأنشطة غير القانونية أو الدعم اللوجيستكي غير المباشر، أو التساهل في الإجراءات القانونية أو القضائية. واستدل الباحث المغربي بتوظيف الدولة السياسي والإيديولوجي للإسلاميين خلال حقبة السبعينات للحد من تغلغل وتجدر اليسار، أو توظيف القوى السلفية غير المهيكلة للحد من امتداد جماعة العدل والإحسان ذات التوجه المعارض للسلطة. ويضيف مقتدر: إذا كان توظيف الرمزية الصوفية لضرب حركات الإسلام السياسي بالمغرب مسألة قائمة، فإن القول بدعم الصوفية للحد من حركات الإسلام السياسي يتسم بالعمومية، ذلك أن الإسلام السياسي يضم التيارات الحركية المندمجة كحركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، والتيارات الرافضة للمشاركة السياسية كجماعة العدل والإحسان، والقوى السلفية التقليدية والجهادية. وأوضح الخبير أن دعم الصوفية بالبلاد هي استراتيجية مخصصة أساساً لمحاربة التيارات الجهادية الداعية للعنف والتيارات الإسلامية المتشددة، مشيراً إلى أنها خطة - وإن كانت تجسد استراتيجية داخلية - فإنها تنسجم مع استراتيجية الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001. ويتابع مقتدر: أمريكا نهجت - علاوة عن المواجهة العسكرية - خطة سياسية ترتكز على البُعد الصوفي لمواجهة تنظيم القاعدة وفروعه في العالم الإسلامي، وهو ما طُبق من لدن العديد من البلدان العربية الإسلامية. خطاب معتدل للصوفية واستطرد مقتدر بأن الغرض من رعاية الطرق الصوفية أولاً هو الدعم المعنوي للبعد الصوفي، وثانياً إبراز التنوع الثقافي والروحي للمغاربة، ومنافسة القوى الإسلامية المندمجة أو المعارضة، فضلاً على محاربة القوى السلفية المتشددة والجهادية عبر بث خطاب روحي فردي معتدل. ويهدف نزوع الدول العربية الإسلامية لاستراتيجية التوظيف الإيديولوجي والسياسي للقوى الاجتماعية والسياسية ضد القوى المعارضة إلى الحفاظ على قوة الدولة وتنفد النخبة الحاكمة ضد معارضيها. ويكون ذلك، بحسب مقتدر، عبر ضرب بعضها ببعض ما يقوى من مكانة السلطة ويرفع من موقعها المعنوي والسياسي، ويسهم في الاحتكام إليها بعد إنهاك القوى المتصارعة. إلى ذلك، يرى الدكتور عباس بوغالم، الخبير المتخصص في الظواهر الإسلامية والباحث في التصوف، أن الدولة ترعى بشكل واضح الطرق والزوايا الصوفية التي تركت ولاتزال بصمات قوية رسمياً وشعبياً طيلة تاريخ المغرب. وبحسب بوغالم، فإن الدعم الرسمي للإسلام "الطُّرُقي" يرمي إلى تكريس التصوف سلوكاً تربوياً لدى المغاربة بغية مواجهة التيارات السلفية التقليدية والجهادية، باعتبار أن أتباع ومريدي الطرق الصوفية عادة لا يأبهون للسياسة وللشأن العام، حيث يفضلون الانغماس في طقوسهم وشعائرهم. وأوضح الباحث أن هذه التربية الخاصة التي تغرسها الزوايا والطرق الصوفية في مريديها تفضي إلى نوع من السلبية السياسية، وإلى عدم التعارض بين معتقداتهم الدينية وولائهم للدولة وسياستها وقوانينها، وهو من بين ما تسعى إليه إعادة هيكلة الحقل الديني بالمغرب. دعم سياسي ويحدد الدكتور مقتدر في حديثه ل"العربية.نت" بعض مظاهر دعم وتشجيع الصوفية من طرف السلطات، فقد فطنت الدولة أولاً إلى تعيين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق الذي ينتمي إلى الطريقة البوتشيشية، وهو ما أعطى دفعة معنوية لهذه الزاوية التي اتسعت قاعدة مريديها في الآونة الأخيرة. وهناك مظاهر أخرى تبرز هذا التوجه الرسمي، منها تقديم الدولة عبر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لمنح سنوية لعدد كبير من الزوايا بالمغرب، بالإضافة إلى تنظيم لقاء "سيدي شيكر" المخصص لجميع الزوايا والصوفيين بالمغرب، الذي يسعى إلى أن يكون لقاء عالمياً. وفي السياق ذاته، عاد الدكتور بوغالم ليسرد بعض مظاهر هذه الرعاية الرسمية في أعلى مستوياتها للطرق الصوفية بالبلاد، ومنها تنظيم ندوات وطنية ودولية بعضها يكون تحت رعاية الملك، وتنظيم مهرجانات غنائية تتخذ مضامين قبيل مهرجان السماع الصوفي أو مهرجان "الموسيقى الروحية" الذي ينظم في فاس كل سنة. وتبرز الرعاية الرسمية للتصوف في المغرب أيضاً من خلال ترويج إعلامي هائل للزوايا والطرق الصوفية عبر تخصيص برامج إعلامية وتلفزيونية تبثها القنوات المغربية، تحفل بالتعريف بهذه الزوايا وبرموزها وشيوخها وذكر تاريخها ومريدها.