تصريح دوبرافكا سويكا، المفوضة الأوروبية لشؤون البحر الأبيض المتوسط، حول اتفاقية الشراكة المرتقبة مع المغرب يؤكد أن الوقت قد حان لإعادة بناء قواعد التعامل من جديد بين الطرفين. وإشارة المسؤولة الأوربية إلى أن الاتحاد الأوربي يفكر في إبرام اتفاق شراكة جديد لكن لم يتم بعد التوصل إلى صيغة نهائية بسبب حكم محكمة العدل الأوروبية بشأن الصحراء أكبر دليل على أن بلادنا في حاجة ملحة إلى فرض شروط جديدة أهمها التوقف عن هذه اللعبة السخيفة التي تلعبها بعض المؤسسات الأوربية بين مقبل ومدبر، ومتحمس ومثبط. لا يكفي أن تعلن المسؤولة الأوربية عن حسن النية، والعزم على إيجاد حلّ، بل لا بد من إنهاء هذا الوضع الابتزازي إلى غير رجعة. الاتحاد الأوربي الذي يضم دولا كثيرة تجمعها مصالح وشراكات ثنائية مع المغرب، هو الذي يحتاج اليوم إلى بلادنا أكثر من حاجتنا نحن في المغرب إليه. ومن غير المقبول بعد أن بلغ تاريخ التعاون المغربي الأوربي مراحل متقدمة وصلت حدّ الشراكة المميزة أن نعود في كلّ مرة إلى هذا الجدل العقيم المتعلق بقرارات المحاكم الأوربية حول شمول الاتفاق للأقاليم الجنوبية. ومثلما تستطيع المؤسسات السياسية للاتحاد الأوربي خلق منافذ وإيجاد حلول للعديد من القضايا المتعلقة بمصالح الدول الأعضاء لتجاوز المعوّقات القانونية المزعومة، يمكنها أيضا أن تجد حلا نهائيا لهذه المهاترات السياسوية التي تصدرها بعض المحاكم فيما يخص أقاليمنا الجنوبية. ولعلّ المفاوض المغربي الذي يجلس اليوم في مواجهة نظيره الأوربي يستند إلى موقع أكثر قوة بعد أن شهدت القضية الوطنية دينامية استثنائية في السنوات القليلة الماضية. بعد اعتراف الإدارة الأميركية بمغربية الصحراء، وتعبير العديد من الدول مثل فرنسا وإسبانيا عن دعمها لهذه السيادة، وافتتاح قنصليات وتمثيليات دبلوماسية في مدن الصحراء، من الضروري أن يرفع المغرب سقف التفاوض نحو الحسم في هذه المهزلة التي أضحت تُوظَّف توظيفا سياسيا لابتزاز بلادنا من أجل الحصول على امتيازات ومصالح معينة، وضمانها دون تقديم المقابل المادي أو العائد الربحي الذي تستحقه. وأكبر مثال على هذه المهزلة ما يحدث في مجال اتفاق الصيد البحري، حيث تعبّر المؤسسات الأوربية في كثير من الأحيان عن تناقضاتها الصارخة بين رغبتها في ضمان مصالح الصيادين الإسبان على الخصوص، والتظاهر بالحرص على مبدأ "تقرير المصير" المزعوم. الأقاليم الجنوبية جزء لا يتجزأ من المغرب، هذا ما يقوله التاريخ، وهذا ما يقوله الواقع اليوم. وأعْرَف الدول بهذه الحقيقة هي البلدان الأوربية التي يجمعها ببلادنا تاريخ طويل من العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء والمندوبين حتّى قبل أن تظهر العديد من الدول المستحدثة في منطقة شمال إفريقيا وغربها. ولدى الأوربيين الكثير من الخبرات في إدارة هذه الحالات التي يتم توجيهها لأغراض سياسية لا أقل ولا أكثر. والمؤسسات القضائية الأوربية التي تفتي أحيانا لخلق أزمات لا داعي لها، هي نفسها التي تقضي أحيانا بنقيض ما قضت به في مراحل سابقة، وتجد المبررات الكافية ولا سيّما في مناطق أخرى من العالم على تخوم روسيا أو في الشرق الأوسط من أجل ضمان مصالحها. لهذا قبل التفاوض على أيّ جانب من جوانب اتفاق الشراكة الجديد سواء تعلّق الأمر بمجالاته أو تمويله أو مشاريعه الكبرى، فإن البند الأول الذي ينبغي للمفاوض المغربي أن يحسم فيه، هو عدم التساهل في إدراج مناطق الأقاليم الجنوبية دون أيّ محاولة للابتزاز والاستغلال المقيت. أقاليمنا الجنوبية تشهد تنمية هائلة بفضل الاستراتيجيات التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس، وسكان الأقاليم الجنوبية يعيشون في مدنهم آمنين مطمئنين مستفيدين من حالة الرخاء والاستقرار، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن نقبل تحويل ميليشيا مسلحة تدعمها الجزائر إلى مبرّر لتعطيل هذه المسيرة التنموية، وحرمان هذه الأقاليم من الإسهام في الجهد النهضوي لبلادنا.