منذ فجر الإسلام، كانت فرحة العيد تسبقُه قبل أن يحلّ، فكانت ليلة تحرّي الهلال ليلة أُنْس وحُبور، وكان عيدُ النبيّ صلى الله عليه وسلّم وأصحابه متواضعًا بسيطًا، لكنّه أخذ من المَسرّات حظًّا وافرًا ليكون يوم الجمال التامّ في كل شيء بأمر من النبيّ صلى الله عليه وسلم. وبناءً على توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، كان من المعتاد أن يلبس المسلمون أفضل ما يجدون من الثياب يوم العيد، ويتطيبون بأطيب العطور، ويضحون بأفضل ما يجدون. فقد أخرج الحاكم في 'المستدرك' أن الحسن بن عليّ قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجودَ ما نَجِدُ، وأن نتطيب بأجود ما نجد، وأن نضحي بأسمن ما نجد" وكان النبي صلى الله عليه وسلم "يغدو يوم العيد إلى المصلى من الطريق الأعظم، فإذا رجع رجع من الطريق الأخرى. وكان له يوم العيد ما يشبه الموكب، حيث كان صلى الله عليه وسلم كان "إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها..، فمن ثَمَّ اتخذها الأمراء". أخرج البخاريّ في صحيحه وقد ذكر غيرُ واحدٍ من المؤرخين هذه الحربة؛ فقال الواقديّ (ت 207ه/823م) -فيما نقله عنه السمهودي (ت 911ه/1505م) في 'وفاء الوفا'- إنها "كانت للزبير بن العوام (ت 36ه/657م) -أعطاه إياها النجاشي (ت 9ه/631م)- فوهبها للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان يخرج بها بين يديه يوم العيد". وكان حمل الحربة بين يديْ النبيّ ثم خلفائه من بعده شرفًا يُحفظ فيتوارثه الخلفاء والملوك. وكانت الفرحةُ بالعيد زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم عامّة، إذ روى صاحبا الصحيحين وغيرهما عن أم عطية الأنصارية "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُخرج الأبكار والعواتق وذوات الخُدور والحُيَّض في العيدين، فأما الحُيَّض فيعتزلن المصلى ويشهدن دعوة المسلمين". وكانت صلاةُ العيدين تسبق خطبتَهما حتى جاء الأمويون وصار الناس ينفضون عن خطبهم السياسية بعد انقضاء الصلاة، وأرادوا حملهم على البقاء لسماعها. ولم يخلُ العيدُ في الزمن النبويّ من اللهو واللعب؛ إذ أخرج البخاريّ عن عائشة أنها قالت: "دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث (آخر معركة بين الأوس والخزرج)، قالت: وليستا بمغنيتين؛ فقال أبو بكر: أمزاميرُ الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! وذلك في يوم عيد؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا"