ما تزال ردود الأفعال الدولية حول رفض المغرب استقبال مساعدات من بعض الدول، وعلى رأسها فرنسا، تثير إعجاب الكثير من المراقبين، بعد أن أكدت السلطات قدرتها على إدارة الأزمة وتدبير تداعيات الكارثة دونما حاجة إلى الهيئات الدولية والأممية العاملة في المجالات الإنسانية. هذا القرار السيادي الذي عبّرت عنه بلادنا أظهر للعالم أن هذا البلد قادر بملكه وشعبه، بشبابه وشاباته وبمواطنيه المحليين ومغتربيه أن يعيد بناء الذات وحماية النفس وتوفير الحضن الدافئ للمنكوبين بعيدا عن أيّ استغلال أو توظيف أو مزايدة. ولعلّ نقطة القوة الواضحة التي دلّت على ذلك هي سرعة التفاعل التي عبّرت عنها الدولة المغربية بقرارات عاجلة لإيواء المنكوبين وإطلاق برنامج إعادة الإعمار. تصريحات المسؤولين في الأممالمتحدة بمختلف هيئاتها الطبية والإنسانية أكدت أن المغرب لم يطلب أيّ دعم أو مساعدة. وأظهرت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وبلاغ الخارجية الجزائرية أيضا أن المغرب لم يقبل أيّ مساعدات من هذين البلدين اللذين يحاولان توظيف هذه الكارثة لغايات سياسية ضيقة ومقيتة. كما تساءلت بعض وسائل الإعلام الألمانية عن سرّ امتناع المغرب إلى حد الساعة عن تقديم طلبات المساعدة أو قبول العروض التي قدمت في هذا الإطار. وهذا كان هو شأن الكثير من وسائل الإعلام والفاعلين في مختلف بلدان العالم. لكن الجواب الذي يقدمه المغرب عن هذا الاستغراب والتساؤل هو ما يحدث ميدانيا. في ظرف 6 أيام وبينما ما تزال عمليات الإنقاذ وانتشال الجثث متواصلة نجحت السلطات في حصر قائمة المنازل المتضررة وأعدّت برنامجا استعجاليا للإيواء والتعويض، وأطلقت عمليات لتقديم المساعدات العاجلة وسهلت حملات التضامن الوطنية الهائلة التي اجتاحت كل أقاليم البلاد. وتم احتواء حالات المصابين في مختلف المستشفيات الإقليمية والمركزية في الأقاليم المتضررة. وتوصلت الأسر المتضررة بمختلف المؤن اللازمة الكافية لتغطية احتياجاتها الغذائية. كما نجحت مصالح وزارة النقل والتجهيز في فك العزلة عن كل المناطق المنكوبة وأعلنت بالأمس عن فتح آخر طريق أغلقتها الانهيارات الصخرية النّاجمة عن الزلزال. لم تنتج عن هذه الكارثة بحمد الله أيّ حالات سرقة أو فوضى أمنية، ولا حالات انتشار للأوبئة والأمراض ولا مظاهر انهيار للخدمات العمومية. فقد استمرت خدمات التزويد بالكهرباء والأنترنت حتى في قلب المناطق الجبلية المنكوبة. ولم تمنع الصخور العملاقة التي سقطت على الطرق والمسالك من وصول القوافل التضامنية الضخمة. كما أعلنت المستشفيات التي يخضع فيها الجرحى بمراكش وأكادير للعلاج عن امتلاكها الكفاية اللازمة من المواد الطبية والأدوية، التي لم تسجل أيّ خصاص. ووسط هذا المشهد المشرّف ظهر المواطنون من سكان المناطق المنكوبة في قمة التفاعل الإيجابي مع أداء الدولة ومبادراتها، ومع مختلف القرارات الملكية الهادفة إلى إسعافهم ومعالجة جراحهم. في ظل هذه الظروف يصبح من حقّ المغرب أن يدير أزمته باستقلالية كاملة عن أيّ دعم مشبوه أو مساعدة متبوعة بأذى من هذا البلد أو ذاك. ويصبح من حق بلادنا أن تفتخر بقدراتها الذاتية الهائلة على تدبير شؤونها بما تملكه من موارد مالية وبشرية وأخلاقية وإنسانية هائلة أظهرت معدن المغاربة شعبا وحكومة وملكا. ومن هنا فإذا كانت محنة الزلزال في بلدان أخرى قد أفضت إلى دمار إداري ونفسي يتجاوز دمار البنايات والجدران، فإن محنة زلزال الحوز أخرجت من المغرب والمغاربة أفضل ما فيهم، وأثبتت بالملموس أن بلدنا الجريح اليوم سيجني غدا وعمّا قريب من هذه المحنة منحاً لا حدود لها، لن يكون أقلّها إعادة تأهيل العالم القروي الجبلي في بلادنا وإنصاف ساكنته وإعادة الاعتبار لموروثها الثقافي والإنساني.