أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأربعاء خلال مؤتمر صحافي جمعه بنظيره الإسرائيلي رؤوفين ريفلين في القدس الأربعاء أن فرنسا عملت وتعمل على محاربة معاداة السامية، ودعا إلى بناء الثقة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني. ويتواجد ماكرون في القدس تلبية لدعوة إسرائيل التي تحيي الخميس الذكرى ال75 لتحرير معسكر "أوشفيتز" النازي بحضور نحو 40 زعيما آخر من حول العالم. واختار ماكرون الوصول قبل يوم لإجراء هذه المحادثات التي ستتناول خصوصا الملف الإيراني الملتهب منذ اغتالت الولاياتالمتحدة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني بغارة جوية في بغداد مطلع الجاري. وقال ماكرون في المؤتمر الصحافي "هذا لا يعني أنه سيكون من المستحيل وجود خلافات، او انتقاد لهذا الإجراء أو ذاك من قبل حكومة إسرائيل، لكن إنكار وجودها اليوم هو شكل معاصر لمعاداة السامية". وشدد ماكرون على أن فرنسا عملت وتعمل على محاربة معاداة السامية. واضاف "سنحاول أن نكون أكثر فاعلية حتى نتمكن من محاربة ظاهرة الكراهية والعنصرية ومعاداة السامية بشكل قانوني بما في ذلك العبارات على الإنترنت". وعلى غرار سلفيه فرنسوا هولاند وجاك شيراك، زار ماكرون كنيسة القديسة آن التي تملكها فرنسا في القدس الشرقية المحتلة برفقة ممثلين عن الطوائف المسيحية الذين سيجتمعون معه لاحقاً على مأدبة غداء. ووقعت مشادة بين ماكرون وعناصر شرطة إسرائيليين. وطلب الرئيس الفرنسي بإصرار من عناصر شرطة إسرائيليين أن يسمحوا له بالدخول إلى كنيسة القديسة آن في القدس، كما شاهد صحافيون في فرانس برس، في مشهد يذكر بموقف مماثل واجه الرئيس الراحل جاك شيراك في التسعينات. وصعد ماكرون النبرة مبادرا شرطيا إسرائيليا باللغة الإنكليزية "الجميع يعرف القوانين، لا يعجبني ما فعلتم أمامي"، طالباً منه أن يغادر الكنيسة الواقعة في البلدة القديمة في القدس، والتابعة للأراضي الفرنسية. على صعيد النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، دعا ماكرون إلى المساهمة في جهود السلام قائلا "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني معقد وحساس ويتطلب بناء الثقة بين الطرفين، ولهذا نحن بحاجة للسعي لذلك". وأضاف "عملية السلام من أي نوع ممكنة إذا كانت الأطراف مهتمة في بناء السلام، وبعد ذلك ستكون فرنسا مستعدة للمساعدة". وتطرق الرئيس الفرنسي خلال المؤتمر الصحافي إلى الأزمة اللبنانية. وأكد أن فرنسا ستفعل "كل شيء" لمساعدة لبنان على الخروج من "الأزمة العميقة" التي تعصف به. وأضاف ماكرون "سنقوم بكل شيء لمساعدة أصدقائنا اللبنانيين في الأزمة العميقة التي يمرون بها". وتزامنت تصريحات الرئيس الفرنسي مع أول اجتماع للحكومة اللبنانيةالجديدة الأربعاء برئاسة حسان دياب. ويأمل المانحون أن تجري الحكومة الجديدة إصلاحات لا بد منها للحصول على مساعدات اجنبية. كذلك، أكد ماكرون أنه سيبقى "يقظا" حيال أي "نشاط إرهابي" من لبنان قد يهدد الشعب اللبناني أو إسرائيل. وبعد الظهر، سيزور الرئيس الفرنسي الضفة الغربية المحتلّة حيث سيلتقي رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في مدينة رام الله. وماكرون هو الوحيد الذي يزور رام الله من بين سائر رؤساء الدول الكبرى الذين سيحضرون إلى إسرائيل هذا الأسبوع. وسيؤكّد ماكرون خلال لقائه عباس موقف فرنسا الثابت من حلّ الدولتين وقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى جانب إسرائيل. وإذا كان الرئيس الفرنسي قد وعد بعيد توليه منصبه بطرح خطة سلام بين إسرائيل والفلسطينيين فإنّ مثل هذه الفكرة لم تعد واردة بالنسبة اليه، لا سيّما وأنّ الولايات المتّحدة لم تطرح حتى اليوم خطتها لتحقيق السلام بين الطرفين. وقال ماكرون للصحافيين الأسبوع الماضي "لن أذهب وبجعبتي خطة سلام أفرضها على الطرفين. سأناقش معهما ونرى". وحرص الإليزيه قبل زيارة ماكرون على إرضاء كلا الطرفين، إذ انتقد "سياسة الأمر الواقع" التي تنتهجها إسرائيل في توسعتها للمستوطنات في القدس الشرقية والضفة الغربية المحتلّتين، ووعد في الوقت نفسه بأن يكون خطاب ماكرون أمام نصب فاد ياشيم الخميس حادّاً جدّاً في رفض معاداة السامية. ويعيش في الضفة الغربيةوالقدس الشرقية نحو 600 ألف مستوطن على أراضي الفلسطينيين الذين يبلغ تعدادهم نحو ثلاثة ملايين. وترى الأممالمتحدة أن المستوطنات التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية المحتلة من إسرائيل منذ العام 1967 غير قانونية، ويعتبر جزء كبير من الأسرة الدولية أنها تشكل عقبة كبرى في طريق السلام. واجتمع ماكرون بالمرشح للانتخابات العامة الإسرائيلية ومنافس رئيس الوزراء بيني غانتس، حتى لا يظهر بمظهر المنحاز إلى أحد المرشحين الرئيسيين في الانتخابات العامة المقررة في الثاني من مارس المقبل. وكان الرئيس الفرنسي قد التقى صباح الأربعاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على مأدبة فطور. ودعا نتانياهو الرئيس ماكرون لممارسة الضغوط على إيران بسبب "الخطوات التي اتخذتها في المجال النووي وأعمالها العدوانية في المنطقة". وبحث نتانياهو وماكرون الأوضاع في لبنان وليبيا على خلفية التدخل التركي فيها. وقررا إطلاق حوار استراتيجي بين البلدين بغية تعزيز التعاون بينهما وتحقيق أهدافهما المتعلقة بالقضايا الاقليمية. ورحب نتانياهو بطلب الرئيس الفرنسي الانضمام إلى منتدى الغاز الإقليمي الذي أقيم في القاهرة بمشاركة إسرائيل والذي يعمل على إقامة تعاون إقليمي في مجال الغاز الطبيعي وعلى تصدير الغاز من إسرائيل. ويوجّه الإسرائيليون انتقادات عدة لماكرون بسبب ارتفاع وتيرة الأعمال المعادية للسامية في فرنسا وبسبب محاولاته لعب دور الوسيط بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإيران التي تتهمها الدولة العبرية بالسعي إلى امتلاك أسلحة نووية. وبعيداً عن مسألة القدس الشائكة، يعتزم الرئيس الفرنسي تسليط الضوء على الأهمية التي يوليها للجماعات المسيحية التي تدعمها فرنسا في إسرائيل. وتحمي فرنسا في إسرائيل 40 إرسالية ناطقة بالفرنسية تشكل مساحة نفوذ لباريس عبر المدارس ودور الأيتام والمستشفيات التي تديرها، ولا سيّما في الأراضي الفلسطينية، بحسب الأب لوك باريت، مستشار الشؤون الدينية في القنصلية الفرنسية العامة في القدس. المصدر: الدار أ ف ب