سجلت ورقة بحثية أصدرها المعهد المغربي لتحليل السياسات، من إعداد الباحثة الأكاديمية المغربية المتخصصة في القانون الدستوري والعلوم السياسية مريم أبليل، أن غياب إطار قانوني واضح ينظم استقبال اللجان الدائمة بمجلس النواب للفاعلين من القطاع الخاص، يؤدي إلى العمل في الظل وبشكل غير مؤطر، مما قد يؤثر سلبا على مبادئ الشفافية والمساواة.
ما خلصت إليه الأكاديمية أبليل في ورقتها البحثية، يأتي في أعقاب إصدار المحكمة الدستورية قرارا تحت رقم 243.24 بتاريخ 7 غشت المنصرم، يتعلق بالرقابة على النظام الداخلي لمجلس النواب، والذي اعتبر أن المادة 130 المتعلقة باستماع اللجان الدائمة لممثلي القطاع الخاص، غير مطابق للدستور، مبررا ذلك بكون العلاقات بين مختلف السلط منظمة بموجب فصول الدستور، وأن اللجان الدائمة لمجلسي البرلمان لا تمارس اختصاصاتها إلا في نطاق أحكام الدستور والقوانين التنظيمية.
ويلاحظ، حسب معدة الورقة، أن المحكمة الدستورية اعتمدت في هذا القرار على مبدأ التقيد الحرفي بالاختصاصات المنصوص عليها في الدستور والقوانين التنظيمية، قناعتها في ذلك أن توسيع الاختصاصات يجب أن يكون بناء على نصوص تشريعية واضحة، الأمر الذي يغيب في هذه الحالة، لكن أبليل تدعو إلى أن يكون الباب مواربا أمام هذه الإمكانية حتى ولو لم يتناولها الدستور، بالعودة إلى قواعده العامة التي تضع إطارا عاما يتم توضيحها من خلال الأنظمة الداخلية والقوانين الأخرى.
ففيما يتعلق بمسألة الاستماع إلى آراء فاعلين من القطاع الخاص في أمام اللجان الدائمة، إذا لم ينص الدستور بشكل صريح على هذا الأمر، فهذا لا يعني بالضرورة أنه غير مسموح، ترى أبليل، متحدثة عن إمكانية تنظيم هذا المقتضى في النظام الداخلي للمجلس وفقا لمبادئ عامة، مثل الديمقراطية التشاركية، بشرط ألا يتعارض مع المبادئ الأساسية للدستور.
وحذرت أبليل من التضييق على المجال الدستوري، الذي من المفترض ترجمته وتوسيعه عبر القوانين والأنظمة الداخلية، مع الحفاظ على الانسجام مع مبادئ الدستور، وعدم تعارضه مع أي فصل من فصوله، معتبرة أن عدم استماع اللجان النيابية إلى الفاعلين في القطاع الخاص الذي يمثل جزءا هاما من مكونات المجتمع، قد يتناقض مع المبدأ الدستوري المتعلق بتعزيز الديمقراطية التشاركية والانفتاح كجزء أساسي من النظام السياسي، كما يقيد إمكانية الحوار بين الفاعلين الاقتصاديين والبرلمان، مما يضعف روح التشاور والشراكة التي يسعى الدستور إلى تكريسها.
وقدمت الباحثة نماذج دول ديمقراطية تنظم عمل جماعات الضغط في البرلمان لضمان تفاعلها مع البرلمانات والمؤسسات الحكومية بشكل شفاف وعلني، مستعرضة تجارب الولاياتالمتحدةالأمريكية (قانون الإفصاح عن اللوبيات)، والاتحاد الأوروبي، (السجل الشفاف لممثلي المصالح)، كندا (قانون تسجيل اللوبيات)، أستراليا (مدونة قواعد سلوك اللوبيات)، والمملكة المتحدة (قانون الشفافية في ممارسة الضغط).
وأبرزت أبليل أن "الوبيات تلعب دورا رئيسيا في الأنظمة الديمقراطية المتقدمة عبر تقديم المعلومات والخبرات للمشرعين، والدفاع عن مصالح محددة"، وهو ما جعلها توصي بوضع إطار قانوني وتنظيمي في المغرب يضمن الشفافية والمساءلة وتجنب تضارب المصالح، مع إمكانية الاستفادة من التجارب الدولية وتطوير نظام لوبيات يساهم في تحسين جودة العملية التشريعية وتمثيل مصالح المجتمع بشكل أفضل، مشددة على أن "الدول التي سمحت بتفاعل مؤسساتها البرلمانية مع القطاع الخاص، لم تتعرض بالضرورة لتضارب المصالح، طالما أن هناك قواعد شفافة تنظم هذا التفاعل".
وحول ما قد تشكله لقاءات البرلمانيين داخل اللجان بجماعات الضغط من تهديد ومساس بمبدأ استقلالية السلطة التشريعية، ذكرت أبليل أن "هذه الآراء استشارية فقط"، وتابعت موضحة أن "الاستشارة غير ملزمة، لأن الاستماع إلى فاعلين من القطاع الخاص لا يعني أن البرلمان ملزم باتخاذ قرارات وفقا لمصالح هذا القطاع، إنما يمكن الاستفادة من آرائهم كمصدر إضافي للمعلومة والمشورة".
وخلصت الورقة البحثية إلى أن قرار المحكمة الدستورية "قد يكون مفرطا في الحذر"، داعية إلى تطوير آليات قانونية تسمح بالتفاعل المنظم بين البرلمان والفاعلين من القطاع الخاص، بما يتماشى مع مبادئ الشفافية والديمقراطية التشاركية، مدافعة على جعل هذا العنصر من عناصر تطوير الممارسات البرلمانية، بما يستجيب للتغيرات المجتمعية والرقمية، ويسهم في تطوير نظام برلماني يضمن إشراك أكبر لمكونات المجتمع ويحقق ديمقراطية مواطنة تشاركية.