تقرب أبرز التحليلات السياسية والقراءات التفصيلية الصادرة عن مؤسسات ومنظمات أممية بخصوص "تطورات قضية الصحراء المغربية"، الصورة الحقيقية للزخم الدولي التي باتت تعرفه القضية الوطنية الأولى للمملكة الشريفة، بعد توالي الاعترافات الدولية والدعم غير المسبوق للخطة المغربية المتعلقة ب"الحكم الذاتي".
ورغم أن هذه التقارير أصبحت تعتبر مصدر ازعاج لحكام قصر "المرادية" بالجزائر، غير أنها تعطي قراءات وخلاصات لمستجدات هذا النزاع الإقليمي المفتعل، الذي يعيش دينامية متطورة وقوية تروم للصالح المغربي، والتي تعززت باعترافات دول عظمى وأخرى متقدمة، أتت في سياق كرونولوجي حساس يتزامن مع التقلبات السياسية والعسكرية بالمنطقة.
ومن بين القراءات السياسية لتطورات قضية الصحراء المغربية، نجد منشورا تحليليا صادرا عن "معهد السلام الأمريكي"، الذي أكد على أن "قضية الصحراء باتت أمرا محسوما لصالح المغرب"، في حين قال معهد الدراسات الأمنية الذي يوجد مقره الرئيسي في عاصمة جنوب إفريقيا، بريتوريا، إن "جبهة البوليساريو الانفصالية، تخسر معركتها بشكل تدريجي ومستمر أمام المغرب في قضية الصحراء".
في هذا الصدد، قال بكار السباعي، محام وباحث في قضية الصحراء، إنه "لعل الأقرب في السياسة الديبلوماسية المغربية اليوم، ماذهب إليه ريتشارد هاس، الذي ينتمي إلى التيار المحافظ التقليدي الأمريكي، في أحد مقالاته بعنوان: "لحظة بالمرستونيا The Palmerstonian Moment"، فالعلاقات الدولية حاليا حسب هاس، تكشف على أن الدول ليست في خصومة واضحة أو حلفاء تلقائيين، فهو أمر يصعب التنبؤ في شأنه، الدول يمكن أن تكون شريكة نشطة في قضية ما وغير نشطة في قضية أخرى، وعليه يجب السعي إلى تبني المشورات الهادفة، وبناء ائتلافات مع الدول الأخرى".
وأضاف السباعي، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "المحرك الأساسي للسياسة الخارجية للمغرب هو تحقيق المصلحة الوطنية في إطار تحالفات تراعي وتحترم سيادة المملكة على جميع أراضيها وعلى رأسها الأقاليم الصحراوية والتي أضحت اليوم حواضرها كالداخلة والعيون في مرتبة المدن العالمية بل أصبحت كذلك تعرف فتح تمثيليات ديبلوماسية لعدة دول وصلت إلى 29 قنصلية، فضلا على أنها باتت في صلب الاهتمامات الاقتصادية الدولية الكبرى خاصة الداخلة ومشروع مينائها الدولي الذي يعتبر قطب الرحى للمبادرة الأطلسية".
وتابع المتحدث عينه أن هذا "الميناء سيمكن دول الساحل (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد) من الدخول مباشرة إلى المحيط الأطلسي لتسويق منتجاتها، وتحقيق تنمية شاملة لمواطنيها، وهو ما يتماشى مع سياسة مغربية تبحث عن تمكين هذه الدول من التحكم في ثرواتها ومستقبلها".
وأردف الباحث المغربي أنه "من هنا سنلاحظ أن التقارير الصادرة عن منظمات ومؤسسات لها وزنها الدولي لم تكن لترجح الموقف الثابت للمغرب بخصوص سيادته على صحرائه وإرتفاع الدعم الدولي لخطة الحكم الذاتي، وهنا سأرجع معكم إلى تقرير "المعهد الإفريقي للدراسات الأمنية" الذي يوجد مقره في بريتوريا، والذي كشف عن تصريحات مسؤولين جنوب إفريقيين فقدانهم الأمل في نجاح أطروحة بوليساريو وحشد الدعم لها"، مشيرا إلى أن "الاعتراف الفرنسي والإسباني والأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه عبر مخطط الحكم الذاتي كان ضربة قوية لطموح عصابة بوليساريو الإرهابية".
وزاد: "لسنا بعيدين كذلك عن تقرير "معهد الولاياتالمتحدة للسلام" والذي أكد بأن الإعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه كان بمثابة الخطوة الحاسمة نحو إنهاء النزاع في الصحراء المغربية، أضف إلى ذلك تزايد وتنامي القبول الدولي لمخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب في أقاليمه الجنوبية".
وأوضح أيضا أنه "لقد إتضح للعالم أن الجزائر لعبت دورا مباشرا في خلق ودعم جبهة إنفصالية مباشرة بعد إسترجاع المغرب لصحرائه سنة 1975، بل سعت جاهدة نحو إطالة أمد النزاعة بكل الطرق الممكنة، رغم أنه بالنسبة لنا جميعا فهو منتهي عمليا وواقعيا. الجزائر صنعت أكذوبة إسمها بوليساريو وقامت بتوفير الدعم لها".
"في السياسة يقال "أكذب ثم أكذب حتى يصدقك الناس"، مقولة أضحت مستهلكة كثيرا هذه الأيام من قبل إعلام العسكر الجزائري الداعم لصنيعته بوليساريو، هذه الكدبة التي كانت صالحة في زمن "الترانيستور " (المدياع) لم تعد تصلح لعالم القرن الحادي والعشرين، حيث سيطر الإنترنت والقنوات الفضائية على العالم، وسمحت بسرعة تنقل المعلومة في أقل من ثانية من خلال وسائل التواصل الإجتماعي من واتساب وفيسبوك وتويتر وانستغرام وغيرها"، يضيف المتحدث.
وأشار المحلل السياسي إلى أن "كذب الجزائر الذي إستمر لسنوات اعتبره محللوا السياسة الخارجية الجزائرية نوع من الغباء السياسي لنظام فاشل، وإعلام العسكر أضحى يفضل كعادته الهروب من الحقيقة وتبرير أخطائه وعثراته على أنها إنتصارات. فبوليساريو لم يعد لها وجود ولا تأثير إقليمي ودولي إلا في مخيلة نظام الجزائر"، مضيفا أن قضية الصحراء المغربية هي قضية وطنية مصيرية، جسدها الملك محمد السادس نصره الله في مقولته التاريخية : "سيظل المغرب في صحرائه وستظل الصحراء في مغربها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها".
واستطرد السباعي أن "الدبلوماسية المغربية نجحت في كسب الرهان الدولي فيما يتعلق بقضية الصحراء المفتعلة بفضل اسهام مجموعة من التغيرات الإقليمية والدولية، وتقديم المصالح العليا للبلاد كأولوية في كل تعامل دولي، في إعادة تحديد أولويات السياسة الخارجية المغربية بفضل هندسة ديبلوماسية ملكية حكيمة"، مبرزا أن "التركيز على تعزيز العلاقات القارية المغربية – الإفريقية، والانفتاح على فضاءات جديدة لم تكن حاضرة بقوة في أجندة الدبلوماسية المغربية السابقة، إلى جانب العامل الاقتصادي كمحدد أساسي في السياسة الخارجية المغربية".
وأكد أيضا أن "هاته الفرضية ما عرفته فترة تولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس الحكم، إذ عرفت السياسة الخارجية حركية ديبلوماسية واقتصادية نشطة ومكثفة نحو مختلف المناطق الجيو-استراتيجية للمغرب كآسيا، وأمريكا اللاتينية، وافريقيا...، مع التركيز على قوى كبرى، كالولاياتالمتحدةالأمريكية، روسيا، الصين، الهند، وإيلاء الأهمية الكبرى للقارة الإفريقية".
واعتبر الباحث في قضية الصحراء أن "إستراتيجية السياسة الخارجية للدولة سمحت بتكوين نخبة مثقفة من أبناء الصحراء المغربية، تستعمل السياسة من أجل الحفاظ والدفاع على مصالح المغرب السياسية الخارجية، فتحول العمل الديبلوماسي الرسمي إلى مجال تسخر له كل الوسائل للوصول إلى سياسة خارجية بناءة وهادفة ووفق خطوط حمراء يتم إستحضارها في كل تعامل دولي للمملكة ثنائي أو متعدد الأطراف".
وأبرز أيضا أن "نجاح الديبلوماسية المغربية اليوم ونجاح ترافعها عن قضيتنا العادلة كان بفضل جيل جديد من الديبلوماسيين المتمرسين سياسيا وعلميا والمتشبعين بثقافة الحوار والثابتين على مواقف المملكة التاريخية التي كرستها وحافظت عليها داخل النادي الديبلوماسي الدولي، فيما يخدم مصالح المملكة ويحمي علاقاتها الخارجية، ويحقق المزيد من المكتسبات والاعترافات بمكانتها الدولية وبسيادتها التي لا تقبل أية مزايدة من أي جهة كانت".
وخلص السباعي حديثه قائلا: "فاليوم نحن أمام إجماع دولي بسيادتنا على صحرائنا ليس فقط من دول كبرى أعضاء، بمجلس الأمن، الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا، ولكن كذلك من منظمات دولية مشهود بمصداقية تقاريرها والتي أكدت في العديد من المحطات سيادة المغرب على صحرائه".