لا يتوانى النظام الجزائري في استغلال الفرص لتصدير عدائه العتيق للمغرب، باستعمال طرق "إبداعية"، لا تكاد تخطر على بال عاقل، آخر مظاهر ذلك، تتجلى في إقدام لجنة تابعة للمفتشية الإقليمية للتجارة بمدينة بريكة التابعة لولاية باتنة شمال شرقي الجزائر، بناء على "إخبارية توصلت بها"، بمداهمة مكتبات ومحلات تجارية، ومصادرة خرائط ومجسمات خرائطية تحتوي على خريطة المغرب غير مبتورة الصحراء المغربية، بدعوى أنها "لا تطابق اللوائح الأممية" ولا تعترف بوجود الكيان الوهمي على خارطة الكرة الأرضية. في تعليقه على هذه الخطوة، قال محمد أشلواح، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن "هذه مجرد مناورة من طرف النظام الجزائري وليس تغييرا أو إشارة تؤسس لحدوث تغيير في الموقف/ أو تعاطي الجزائر مع ملف الصحراء المغربية".
وأضاف أشلواح في حديث ل"الأيام24″، أن "ملف الصحراء يعد مسألة جوهرية في سياسة النظام الجزائري ويعتمده سواء في إدارة أزماته على الصعيد الداخلي، أو في صياغة سياسته الخارجية أو ممارساته الدبلوماسية الدولية/ مردفا أن "ذات النظام، الذي يكن عداء لا نظير له للمغرب، بقيادة العسكري "شنقريحة"، لا يزال هو الذي يتحكم في مصير الجزائر ولم يعرف تبديلات، رغم أن هناك رجّات محتملة تنذر بانفجار الأوضاع داخل المؤسسة العسكرية بين أجنحة، إحداها موالية لفرنسا، وأخرى تبدي تنوع من التبعية لروسيا، خاصة في ظل توتر الأوضاع الإفريقية (النيجر) واشتداد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد".
وتابع المتحدث: "ورغم وجود العديد من الأصوات والتيارات والأحزاب داخل الجزائر تعبر عن رفضها بشكل علني وقطعي لصرف أموال الجزائريين على البوليساريو ويرفضون السياسة الرسمية (بل هناك مسؤولون سابقون كشفوا عن أسرار خطير بخصوص ما يصرف في ملف الصحراء من أموال كمثال: ما قاله "عمار سعداني"، رئيس البرلمان الجزائري سابقا، وقيادي في حزب جبهة التحرير) للنظام الجزائري في قضية الصحراء، باعتبارها ملفا مفتعلا، وليست كما يروج لها ذات النظام ك"قضية تقرير المصير"!، وباعتبارها، أيضا، من العوامل الرئيسية التي عرقلت مسألة التنمية في الحزائر".
واعتبر أستاذ العلوم السياسية، أنه "من غير مستبعد أن تكون "خرائط ومجسمات خرائطية تحتوي على خريطة المملكة غير مبتورة الصحراء المغربية" إحدى تجليات رفض الجزائريين لما يقوم به "النظام" القائم، اليوم، في الجزائر في علاقته بملف الصحراء المغربية"، مردفا بالقول: "كما أنها قد تكون تعبيرا عن موقف عملي وغير مباشر، خاصة وأن مجال حرية التعبير غير موجود في الجزائر، فكل من سولت له نفسه المساس بما يعتقده ويسطره ذات النظام من تفاهات وتراهات يكون مصيره التصفية أو السجن.
لذلك، يورد أشلواح، موضحا: "قد تكون خطوات من هذا القبيل، الطريقة الوحيدة التي يمكن بواسطتها تمرير موقف مخالف لموقف النظام؟، وإن تأكدت وتكررت فستشكل، في حد ذاتها، بداية ثورة حقيقية للشعب الجزائري على توجهات النظام في الجزائر بخصوص الصحراء المغربية".
"وإذا افتراضنا بأن ما وقع ليس بعمل استخباراتي جزائري يراد به الردّ على "سياسة اليد الممدودة" التي يسلكها المغرب في علاقته مع الجزائر"، يقول المتحدث، مردفا: "فإن مصادرة، السلطات الجزائرية، الخرائط والمجسمات التي تتضمن خريطة المملكة المغربية كاملة تبرهن على حقيقة ثابتة، ما فتئت تؤكدها قرارات الأممالمتحدة، ألا وهي كون الجزائر طرف رئيسي في النزاع الاقليمي-نزاع الصحراء- المفتعل وتعمل جاهدة على المساس بالوحدة الترابية للمغرب من خلال الاستمرار في احتضان وتسليح البوليساريو".
وأشار أشلواح أن "ما يرجح فرضية ضلوع المخابرات الجزائرية في الموضوع هو إعطاء هذا الخبر طابعا رسميا- عبر بثه في قنوات موالية للنظام- فقد كان بالإمكان طمس المعطيات المرتبطة بهذا الحدث دون أن يعرفها أحد، لكن تسليط الأضواء عليها يجعلنا لا نستبعد أن هناك خلفيات وأهداف حرَّكت أجهزة "جبار مهنا" التي تفتعل، تقريبا أحداثا بشكل يومي، تحاول أن تبرز من خلالها أن المغرب سبب كل المشاكل التي تحدث في الجزائر والجزائرين. إن المخابرات الجزائرية هي في الحقيقة مختبر "أفكار" النظام الجزائري، وهي معتادة أن تقوم ب"مبادراة" غير مفهومة، وبما أنها طبَّعت مع الفشل وتعوَّدت على النكسات في معظم خطواتها لذلك يمكنها أن تقدِم على خطوات غير مدروسة وتكون نتائجها،طبعا، لصالح من تعُّده خصما والأمر هنا يتعلق بالمغرب.
خامسا: إن أطروحة القوة الضاربة للجزائر في المنطقة تسقط مباشرة من طرف "النظام" الجزائري نفسه، وذلك حينما يتهم المغرب بأنه يتسبب في وقوع أحداث في الداخل الجزائري(اشعال الحرائق مثلا، وقوع عمليات التهريب)، فالمغرب واضح مع نفسه وتنسجم سياسته الدولية مع اختيارات المملكة الخارجية، كما حددها ملك البلاد صاحب الجلالة محمد السادس، والقائمة على حسن الجوار ، والشؤون الداخلية للدول، واحترام أواصر الأخوة مع الشعب الجزائري، ومن ثمة فكل ما يمكن أن يروج له النظام الجزائري، بهذا الخصوص، هو مجرد أوهام ومجرد أباطيل لا اساس لها ولا توجد سوى في مخيلة القائمين على شأن "النظام" في الجزائر.