بعيدا عن جدل "بقر أم جاموس" السؤال الذي أسال المداد وجر على حكومة عزيز أخنوش انتقادات لاذعة نتيجة استيرادها 2800 من الأبقار البرازيلية، وذهاب البعض حدّ التشكيك في هويتها وسلامتها، ما دعا البعض إلى التساؤل ماذا وراء اختيار الحكومة للسوق البرازيلية النفط؟، هل للأمر علاقة بالأثمان الرخيصة كما رُوّج لها "فايسبوكيا"؟ أم الأمر مرتبط بعلاقات اقتصادية وسياسية ورؤية مغربية من منظار ملف الصحراء لمنطقة أمريكا اللاتينية؟. يرى محمد طلحة أستاذ العلوم السياسية أن العلاقات الدولية أساسها مصالح، والمغرب يبحث عن توظيف الورقة الاقتصادية للتموقع استراتيجيا في منطقة أمريكا اللاتينية التي تعرف مخاضا وحركية على المستوى الجيوسياسي مع صعود اليسار المتطرف مستغلا حالة التضخم الاقتصادي العالمي وأزمة الحرب المدمرة بين أوكرانيا وروسيا وتفاقم الأزمات الاجتماعية لتجديد خطابه الردكالي.
وقال في حديثه ل"الأيام 24″ أن الرباط تختفظ لنفسها بورقة مهمة وهي البرازيل التي تربطها مع المغرب بها علاقات شراكات اقتصادية قوية، وتحالف قوي ومستقبل واعد لأن البرازيل قوة تشكل 60٪ من الناتج الداخلي الخام لمجموع دول أمريكا الجنوبية وتشكل 50٪ من مساحة القارة و50٪ من السكان.
واعتبر أن البرازيل هي مدخل استراتيجي لاكتساح أمريكا اللاتينية التي تراهن علييها الجزائر والبوليساريو لاستمرار تأييد بعض دولها للطرح الانفصالي، في استغلال لصعود اليسار إلى السلطة، مبرزا أن دور الدبلوماسية المغربية، هي قطع الطريق على خطاب الانفصال والتأييد، من خلال ربط علاقات اقتصادية وسياسية متينة مع دول مركزية على غرار البرازيل.
ومنذ شهر يناير من سنة 2019 السلطة، وتراجع الأحزاب اليسارية داخل البرلمان، لوحظ وفق المتحدث انتقال المؤسسة التشريعية البرازيلية من الدعوة إلى الاعتراف ب"جمهورية" البوليساريو بالإجماع، إلى دعم مقترح الحكم الذاتي الذي يعتبره المغرب الخيار الوحيد لحل النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، إذ سبق لمجلس الشيوخ البرازيلي أن صادق في شهر يونيو من سنة 2019، على ملتمس يدعو لتأييد مقترح الحكم الذاتي، بأغلية 62 صوتا من مجموع 81 عضوا.
وسجل المحلل السياسي أن العملية التي قامت بها القوات المسلحة الملكية لتحرير معبر الكركرات، في نونبر من سنة 2020، دعت البرازيل، إلى ضمان حركة الأشخاص والبضائع "دون عوائق" على مستوى المعبر الحدودي مع موريتانيا. ومع وصول سيلفا إلى الحكم في البرازيل، أكتوبر 2022، بات من المؤكد أنه السياسة الخارجية للبلاد ستشهد تغيرا كبيرا، لكن المصالح الاقتصادية والأمن الغذائي للبرازيل في السياق العالمي الحالي، تدفع إلى استقرار العلاقات مع الرباط، على اعتبار قيمة الفوسفاط المغربي في الحفاظ على الأمن الغذائي بهذا البلد.
ويكّن البرازيليون احتراما خاصا للمغرب الذي وصفه فيغيريدو ب"الصديق الكبير" لأنه كان أول بلد إفريقي يعترف بالاستقلال الوطني للبرازيل. فالبلدان يقيمان علاقات دبلوماسية متينة منذ سنة 1906. وبالرغم من أن العلاقات العريقة كانت ممتازة منذ فترة طويلة لاسيما في شقها السياسي إلا أن المغرب والبرازيل دشنا منذ الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس سنة 2004 مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية التي شهدت منذئذ تحسنا متناميا.
أما اقتصاديا، فالبرازيل تعد سادس قوة اقتصادية في العالم، وتمثل اليوم الشريك الأول للمغرب في أمريكا الجنوبية والزبون الثالث للمغرب في العالم فيما يمثل المغرب الشريك الاقتصادي الخامس للبرازيل في إفريقيا والعالم العربي. وخلال عام 2022، صدر المغرب أكثر من 2,06 مليار دولار إلى البرازيل، الشريك التجاري الرابع للمملكة، والذي قام بتصدير منتجات بقيمة 1,06 مليار دولار نحو المغرب، مما أدى إلى فائض تجاري ناهز مليار دولار لصالح المملكة.
في الواقع، إذا كانت الصادرات المغربية قد ارتفعت بشكل طفيف (+ 7,63 بالمائة)، فإن الواردات المغربية من البرازيل تضاعفت تقريبا في عام 2022، حيث زادت بنسبة 88,82 بالمائة مقارنة بعام 2021. وانخفض الفائض التجاري المغربي بنسبة 26,31 بالمائة مقارنة بالعام الماضي (1,35 مليار دولار).