* زينب مركز استمطار السحب أو زرع الغيوم بجزيئات صغيرة لجعلها تمطر أو تسقط ثلجا، له سمعة مراوغة تشبه تبدل أحوال الطقس. لأنه على الرغم من أن العلماء كانوا يبذرون السحب منذ الأربعينيات خاصة حين يشح ضرع السماء فوق نيويوركالأمريكية، فقد كان هناك القليل فقط من الأدلة على نجاح هذه التقنية. الآن، أظهر الرّبابنة الذين كانوا يقودون طائرتين صغيرتين عبر ضفّة من السحب في جبال الأطلس، خارج المختبر، أن المغرب يمكنه زيادة تساقط الثلوج والأمطار بشكل اصطناعي في سنة جفاف جد قاسية على الفلاحين تسببت في ندرة غير مسبوقة للمياه.
في نهاية الثمانينيات، وبعد توالي سنوات جفاف حادة بالمغرب، طلب الحسن الثاني من خبراء أمريكيين الاستعانة بخبرتهم في مجال الاستمطار الاصطناعي لتخفيف وطأة نُدرة المياه، بعد أن وصل انخفاض حقينة السدود إلى 14 بالمائة، وهي مستويات قياسية في تاريخ المملكة. ومنذ ذلك العهد، راكم المغرب خبرة استثنائية أصبح يلتجئ إليها ويدعم بها دولا إفريقية عديدة، حتى اكتسبت قواته المسلحة الجوية خبرة معتبرة في القارة الإفريقية.
يتم الاستمطار من خلال رش أملاح الفضة أو يوديد الصوديوم وسط السحابة، عن طريق طائرات أو عبر مولدات تزرع البذور انطلاقا من الأرض، وتتم مراقبة الأمر من خلال رادارات للتتبع.
وقد صرّح وزير التجهيز والماء نزار بركة، لأول مرة بشكل علني بأن وزارته ستطلق برنامج «الغيث» الهادف إلى رفع نسبة الأمطار أو الثلوج باستعمال تقنية تلقيح السحب، في إطار سعيها لإيجاد حلول بديلة لشح التساقطات المطرية التي تعرفها المملكة.
البرنامج سيستمر إلى أبريل من كل سنة، وتستعمل فيه مواد كيميائية غير ضارة بالبيئة مثل «يوديد الفضة» بالنسبة للسحب الباردة (-5 درجات) وملح «كلوريد الصوديوم» بالنسبة للسحب الدافئة.
وقد أثبت الاستمطار فعاليته بالمغرب طيلة ثلاثة عقود، حتى بات المغرب يمتلك خبرة تصدر إلى بلدان إفريقية، بينما أظهرت دراسة اقتصادية للمديرية الوطنية للأرصاد الجوية، بأن كل زيادة في معدل الأمطار بالمغرب بمقدار 10 في المائة ترفع القيمة الإجمالية للمحصول الفلاحي بنسبة 3.4 في المئة.
الأمريكيون سباقون لاستمطار السماء
في الأربعينيات من القرن الماضي، اكتشف عالم الغلاف الجوي برنارد فونيغوت أن جُزيئات يوديد الفضة يمكن أن تتسبب في تجمّد سحب فائقة البرودة من بخار الماء وتحويلها إلى ثلج في المختبر. إذ يمكن للجسيمات الدقيقة مثل يوديد الفضة أن توفر دعامة يمكن لجزيئات الماء أن تصطف عليها في بنية بلورية أو تتجمد. وقد تم استخدام هذه التقنية من قبل الجيوش والحكومات المدنية بشكل متقطع منذ ذلك الحين.
ولكن على الرغم من عقود من عمليات البذر السحابي، فإن إثبات أن هذه التقنية تعمل خارج السحب المصغرة التي تم إنشاؤها في المختبر كان بعيد المنال، لسبب واحد هو أن أدوات العقود الماضية لم تتمكن من قياس حجم قطرات الماء في السحب في الوقت الفعلي، دون معرفة كيفية تطوّر السحابة بعد البذر. لم يكن العلماء متأكدين مما إذا كان يوديد الفضة قادرا على استمطار السحابة، لذلك كانت الطبيعة المتقلبة للطقس تجعل التجارب الطبيعية الخاضعة للرقابة شبه مستحيلة، ذلك أن علماء المناخ، خاصة المهتمين بدراسة الغلاف الجوي، يرون أنه بمجرد أن تقوم بالبذر عبر يوديد الفضة، تتلوث السحابة بحيث لا يمكن تكرار التجربة لأننا لن نواجه نفس الظروف الجوية مرة أخرى.
هكذا يتم إسقاط المطر بشكل اصطناعي
عندما نستيقظ كل صباح، يكون أول ما نسعى لتعرفه هو حالة الطقس، أي توقعات المطر، والضباب، وربما الثلج، أو تحذيرات من عاصفة أو ريح قوية، أو حرارة مفرطة. يهتم الفلاحون خاصة بالتنبؤ بأحوال الطقس حتى يتمكنوا من الاستعداد له ويطمئنوا على فلاحتهم في بلد يرتبط كل شيء فيه بأمطار السماء. واليوم، أصبح علماء الفيزياء السّحابية يمتلكون قدرة على تعديل الطقس، عبر ما يُسمّى الاستمطار الصناعي الذي لجأ له المغرب مرتين خلال هذه السنة. فكيف تتم هذه العملية؟
تتكون السحب من قطرات ماء صغيرة تسمى قطرات السحب، تشكل مجموعات قطرات السحب بخار الماء أي الغاز أو بلورات الجليد. حين يكون بخار الماء غير كثيف بدرجة كافية ليسقط على الأرض، يرتفع إلى السماء ويصبح شديد البرودة، وفي النهاية، يتكثف أي يتحول إلى سائل حول جزيئات صغيرة من الغبار في السماء. تسمى هذه الجسيمات الدقيقة نوى التكثيف، ويتطلب الأمر مليارات من قطرات الماء المكثف هذه لتشكيل سحابة مرئية تتجمع وتشكل قطيرات أكبر، تصبح ثقيلة بما يكفي لسقوطها على الأرض، لكن عندما تنتشر جزيئات الماء، وتكون غير كثيفة بما يكفي لتشعر بجاذبية الأرض، يتم اللجوء إلى عملية استمطار السحب من خلال تعديل بنية السحابة لزيادة فرصة هطول الأمطار. يضيف البذر السحابي جزيئات صغيرة تشبه الجليد إلى السحب، وعادة، يتم استخدام جزيئات يوديد الفضة في هذه العملية.
تعمل هذه الجسيمات كنواة تكثيف إضافية، تتكثف جزيئات بخار الماء فائقة التبريد غير المرتبطة في السحب حول هذه الجسيمات، وبعد ذلك، تتجمع قطرات بخار الماء المكثف، وتستمر هذه العملية حتى تصبح القطرات كبيرة بما يكفي لتتساقط على شكل مطر أو ثلج.
هناك طريقتان لإضافة الجسيمات إلى السحب: استخدام مدافع كبيرة تُطلق الجسيمات في السماء، أو استخدام الطائرات التي تُسقط الجسيمات من الأعلى، وتتم العملية عبر انتظار ظهور السحب فائقة البرودة في السماء في درجات حرارة من 0 درجة مائوية إلى -15 درجة مائوية، تكون باردة بدرجة كافية لتتجمد، ولكن احتمالات حدوث ذلك جد منخفضة، فتطلق طائرة واحدة تقطع مسافة بين رادارين أرضيين، لتسقط عبوات تنثر يوديد الفضة في السحب. تحلق الطائرة نفسها عبر السحابة أثناء تدفق يوديد الفضة من أجنحتها لتخط طائرة أخرى محملة بمعدات قياس السحب مسارا عموديا لتقرأ البيانات المرتبطة بفعالية البذر السحابي.
تكبر جزيئات الماء في السحابة كلما اصطدمت بيوديد الفضة وتجمدت. بعد بضع ساعات، تنمو رقاقات الثلج من قطر بضعة ميكرونات إلى قطر 8 ملليمترات، لتصبح ثقيلة بما يكفي لتسقط على الأرض. إنه انتصار كبير لفيزياء السحاب وعلمائها، لكن السؤال المطروح في عملية الاستمطار الاصطناعي هو ذو طبيعة اقتصادية: هل يصنع البذر السحابي ما يكفي من الثلج وكميات الأمطار لإحداث تأثير كبير على الميزانية المخصصة للمياه؟ وهذا ما لم نعثر على جواب عليه لدى المختصين باعتبار الحديث عن الكلفة المالية للبذر السحابي من الأسرار.
يمكن أن يؤدي استمطار السّحب أيضا إلى إزالة الضباب عن طريق تحويله إلى أمطار، كما يمكن أن يساعد ذلك في تحسين الرؤية حول المطارات. يُستخدم البذر السحابي لإدارة البرد، إذ يزيد من عدد حبيبات الجليد في السحب المنتجة للبرد، ولكنه يقلل أيضا من حجم كل حبة، وهذا يقلل من الأضرار التي يسببها البرد. ويتم استخدام البذر السّحابي لمكافحة الجفاف أو حرائق الغابات، لكن يجب التأكيد أن البذر السّحابي لا يمكن أن يخلق السحب. يمكنه فقط إضافة جزيئات إلى الغيوم، لتتفاعل هذه الجسيمات مع بخار الماء الموجود بالفعل في الهواء.
ما هي المخاطر المحتملة لبذر السحب؟
للبذر السحابي استخدامات عديدة كانت موجودة منذ فترة طويلة لكن لم يقتنع الجميع بأنها فكرة جيدة، وإن كانت هناك أدلة على أن استمطار السحب مُجدي ويمكن أن يخلق زيادة بنسبة 10 إلى 15٪ في هطول الأمطار.
كما اختبر العلماء البدائل غير السامة ليوديد الفضة، إذ وجدوا أن كلوريد الكالسيوم فعال ومن غير المحتمل أن تضر الجرعات المنخفضة من هذا الملح بالبيئة، ويبحث فيزيائيو السحب اليوم عن إمكانية استخدام الأيونات السالبة الشّحنة بدلا من البلورات الشبيهة بالجليد، ولكن هناك مخاطر أخرى محتملة لزيادة هطول الأمطار في منطقة معينة وهل المطر في منطقة يجلب الجفاف إلى منطقة أخرى؟ هل يمكن أن يتسبب البذر السحابي في هطول أمطار غزيرة؟ هل يمكن أن يسبب فيضانا؟ لا يعرف العلماء كل الإجابات بدقة لأن أنظمة الطقس معقدة للغاية.