تنتظر زينب العدوي الرئيسة الأولى للمجلس الأعلى للحسابات، ملفات حارقة، من أجل الحسم فيها، خاصة بعد توصل قضاة ادريس جطو لتقارير حول مجموعة من القطاعات والتي شابتها اختلالات كثيرة. للمجلس الأعلى للحسابات مهمة قضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية اتجاه كل مسؤول أو موظف أو عون بأحد الأجهزة الخاضعة لرقابة المجلس، والذي يرتكب إحدى المخالفات المنصوص عليها في مدونة المحاكم المالية.
ويعمل المجلس الأعلى للحسابات في مجال التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية كمحكمة بكل ما يستلزم من ضمانات لحقوق الدفاع والاستماع لأي شخص يمكن أن تثار مسؤوليته بحضوره الفعلي أو بحضور محاميه أثناء جلسة الحكم وذلك فضلا عن استدعاء الشهود.
فهل ستحرك العدوي المتابعات القضائية، بعدما تأكدت المؤسسة الدستورية من الاختلالات القانونية بعدد من الجماعات الترابية والمقاولات العمومية، وهو ما أكده ضمنيا البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بمناسبة هذا التعيين، والذي حثّ على تنفيذ المهام الدستورية للمجلس.
ميزانية الأحزاب
فجر المجلس الاعلى للحسابات المسكوت عنه في مالية الأحزاب، حين أصدر ثلاثة تقارير، يهم الأول تدقيق حسابات الأحزاب وفحص نفقاتها في إطار الدعم الممنوح لها للمساهمة في تغطية مصاريف تدبيرها خلال 2015، وخص التقرير الثاني فحص مستندات الإثبات المتعلقة بصرف المبالغ التي تسلمتها الأحزاب والمنظمات النقابية في إطار مساهمة الدولة في تمويل حملاتها الانتخابية سنة 2015، أما التقرير الثالث، فيتعلق ببحث جرد مصاريف المرشحين الخاصة بحملاتهم الانتخابية والوثائق المثبتة لمناسبة الاقتراع ذاته.
وكشف التقرير أن الأحزاب استفادت من مساهمة الدولة في تمويل الحملات الانتخابية بمبلغ قدره 250 مليون درهم في انتخابات 4 شتنبر الجماعية والجهوية، و30 مليون درهم في انتخابات 2 أكتوبر لمجلس المستشارين، مؤكدا أن ثمانية أحزاب لم تقدم ما يثبت إرجاعها إلى الخزينة العامة المبالغ غير المستحقة، في إطار مساهمة الدولة في تمويل حملاتها في انتخابات 4 شتنبر 2015، ويتعلق الأمر ب 4.475 ملايين درهم.
البرلمان وتقارير قضاة المجلس
اشتكى إدريس جطو، الرئيس الأول السابق للمجلس الأعلى للحسابات، من لامبالاة البرلمان بالتقارير التي ينجزها سنويا، والتي تصل العشرات، وذلك ضمن اجتماع لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، اليوم الثلاثاء، خلال تقييم برنامج مدن بدون صفيح، منذ 2008 إلى 2018.
وقال جطو أمام البرلمانيين، أن قضاة المجلس الأعلى للحسابات يشتغلون على هذه التقارير دون أن يتم التفاعل معها، موردا: "نشتغل على هذه التقارير ولا يُشتغل عليها، سواء في لجنة المالية أو اللجان البرلمانية الأخرى". وأوضح جطو: "تم السنة الماضية العمل على خمسين تقريرا، وبعضها أكثر أهمية من التقارير التي نشتغل عليها اليوم، وتم المرور عليها مرور الكرام، دون أن يبالي بها أحد"، مضيفا: "نحاول البحث عن أسلوب ليشتغل البرلمان على عمل المجلس، ويؤكد لنا أن ما نقوم به يؤخذ بعين الاعتبار، وهو أمر نحتاج العمل عليه مستقبلا".
افتحاص ملفات الجماعات الترابية
حلت لجن جهوية عن المجلس الأعلى للحسابات، بعدد من الجماعات الترابية بهدف افتحاص الملفات المتعلقة بالمال العام. وتعرف قرابة 1503 جماعة ترابية عمليات افتحاص، من أجل التدقيق السنوي للعمليات المالية والمحساباتية، التي تنجز من قبل المفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للإدارة الترابية، وذلك طبقا لمقتضيات المادتين 214/215 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية.
ويركز قضاة المجلس الأعلى للحسابات على مصالح المالية المتعلقة بالمصاريف والمداخيل، إضافة إلى المصلحة المتعلقة بالوسائل التقنية التي لها صلة برخص البناء، وغيرها من الملفات المرتبطة بالمال العام.
شقير : ينتظر من العدوي ربط المسؤولية بالمحاسبة
قال محمد شقير المحلل السياسي في تصريح ل"الأيام24″، أن زينب العدوي الرئيسة الجديدة للمجلس الأعلى للحسابات المعروفة بقوتها وصرامتها، تنتظرها مهمة صعبة للحسم في مجموعة من القرارات التأديبية بربط المسؤولية بالمحاسبة، ومواجهة توغل اللوبيات.
وأضاف شقير أن المجلس الأعلى للحسابات تعرض لانتقادات كثيرة نتيجة عدم تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة فيما يتعلق بالتقارير الدورية الصادرة عن هذه المؤسسة الدستورية، والعدوي دورها إعطاء نفس جديد للمجلس الذي أنجز مجموعة من التقارير التي لم تعطي نتائج ولم يتم تفعيلها من أجل محاربة الفساد ومتابعة المسؤولين.
وأكد شقير أن تعيين الملك للعدوي في هذا المنصب هو رسالة ملكية موجهة للحركة النسائية في اليوم العالمي للمرأة، وهي أن المرأة المغربية يمكن أن تمارس مهام كرئيس المجلس الأعلى للحسابات، خاصة أن العدوي تولت مناصب قوية في الداخلية.
من جهة أخرى يضيف المحلل السياسي، أن تعيين العدوي، هو رسالة قوية لتغيير عمل وطريقة المجلس، وان كان السؤال المطروح هو هل يمكن للعدوي وحدها أن تهز الأرض تحت أقدام مسؤولين كبار وتقدمهم للمحاكمة ، خاصة أن هذا الأمر مرتبط بالإرادة السياسية القوية ومواجهة لوبيات متوغلة داخل المؤسسات، وبالتالي تنجح فيما فشل فيه ادريس جطو الذي أعفي من منصبه كرئيس للمجلس الأعلى للحسابات.