في ربيع سنة 1997، نظمت مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد ندوة تحت عنوان "تجارب الانتقال الديمقراطي في العالم"، كان من بين المتدخلين فيها الأنثربولوجي جون واتربوري، الذي قال إن التجربة السياسية المغربية تفرز عناصر تغيير أكيدة، بطيئة ولا شك، والتفاوض حولها صعب وقاس أحياناً، لكن النظام السياسي، بكل مكوناته، تمكن من التكيف مع ضغوط الزمن والإنصات إلى الاختلافات وإلى مصادر الاعتراض، بل واضطر أغلب الفاعلين في الحقل السياسي إلى تغليب الرؤية السياسية على القناعات الإيديولوجية. وهي الفكرة نفسها التي ذهب اليها المفكر محمد عابد الجابري حين قال ردا على مفكرين أمريكيين حاولا تفسير طبيعة العلاقة بين الحكم والمعارضة بالقول إن تحليل معطيات الصراع في مرحلة السبعينات يفضي إلى الخلاصة باستشراف تغيير عميق قادم، وهو الأمر الذي فنده الواقع و فسر الجابري بأن تاريخ العلاقة بين الحكم والمعارضة في المغرب يصل في مراحل إلى مستوى يكاد فيه احدهما أن يجهز على الآخر ليحصل انفراج معين يفسح هامشا ديمقراطيا، وإذا ما استحضرنا المحطات التي عرفت مدا ديمقراطيا وجزرا سلطويا واستقرأناها في صيرورة تاريخية نستخلص أن ذلك هو تراكم الاستثناء المغربي الذي يفسح إمكانية الإصلاح والاستقرار في آن. محطة 7 أكتوبر، لم تكن مجرد لحظة انتخابية عرفت تدافعا بين القوى الديمقراطية وتيار التحكم، بل كانت انعطافا في تعامل الإدارة مع الشأن السياسي بشكل عام. عوض ترجيح التوافق مع القوى السياسية واستعمال استراتيجية سلسة في تدبير العملية الانتخابية في أفق الضبط الذي لا يخل بموازين القوى، شهدنا استنفارا لمجموعة من القوى المؤثرة في المجتمع و التي تستمد ايجابيتها أساسا من حيادها السياسي المحتشم على الأقل. 1- رجال الأعمال: رأس المال جبان، لكن الجبن تجلى في الخضوع لسطوة السلطة في مواجهة المؤسسات المنتخبة، و لول مرة تصدر جمعية رجال الأعمال بيانات وتصريحات تنتقد السلطة الحكومية في مرحلة انتخابية بل تجاوزت التلميح إلى التصريح بالتصويت لاختيار سياسي معين. 2- الادارة : عرَّت مسيرة البيضاء والأشرطة المتواترة عن مواطنين تعرضوا لضغوط من قبل رجال الإدارة المفروض فيهم الحياد، بشكل يدل على وجود خيط ناظم بين الإدارة وإردة التحكم. 3- النقابات الكبرى: شكلت حيادية بعض النقابات نقطة قوة في مسارها مما مكنها من الحفاظ على مكانة متميزة في مقابل تراجع النقابات الحزبية. غير أن نقابة الاتحاد المغربي للشغل في هذه الاستحقاقات وخلافا لدأبها منذ أزيد من نصف قرن اختارت الاصطفاف إلى جانب التحكم. 4- الاعلام : شكل الإعلام سيف ديموقليس المسلط على رقاب المعارضين للتحكم سواء في الحكومة أو من المجتمع المدني، سواء بافتعال فقاعات إعلامية (قضية توظيف بنت رئيس الحكومة في الأمانة العامة، قضية عمدة الرباط…) او إلصاق التهم المضحكة (قضية المعطي منجب) السمة الغالبة عدم مراعاة ذكاء المجتمع. 5- تدجين الأحزاب الوطنية: شكلت الأحزاب الوطنية عبر التاريخ حاضنة للأطر السياسية التي استعانت بها الدولة في عدة مراحل، سواء كانت هذه الأحزاب في الحكومة أو المعارضة. عملت قوى التحكم على إضعاف هذه الأحزاب عبر تنصيب العامة على رأسها ودفعها للعب المعارضة البهلوانية التي أفرغت هذه الأحزاب من نخبها وجعلتها "قاعا صفصفا لا عوجا فيها ولا إمتا". 1. الاحزاب الادارية: لعبت الأحزاب الإدارية دورا وطنيا في التاريخ السياسي الحديث، سواء في تدبيرها للشأن العام أيام برنامج التقويم الهيكلي، أو في ضمان أغلبية لحكومة التناوب. استفراد حزب التحكم بالأعيان والتهامه للقواعد الاجتماعية لهذه الأحزاب مما أدى إلى أضعافها بشكل غير مسبوق. لقد شكلت هذه القوى/الوسائط طبقة عملت على امتصاص الهزات التي يمكن أن يتعرض لها المجتمع. وبتجميع كل هذه المعطيات ووضعها في سياقها الانتخابي والسياسي وما شاب هذه المحطة من تدافع وتوتر، فإنها تعكس نزوعا نحو الهيمنة وفرضَ توجه واحدٍ مما يهدد استقرار الدولة و المجتمع.