في هذا الشهر تكون حكومة السيد بنكيران قد أنهت 4 سنوات من عمرها. على بعد أقل من سنة واحدة من انتخابات تشريعية سيكون أمر تقييم منجزات الحكومة تمرينا جيدا لا يمكن نعته باستهداف تجربة نظرا للمدة التي قضتها الحكومة في تسيير الشأن العام. قبل الدخول في التقييم الموضوعي للمنجزات, لا بد من التذكير بالسياق العام الذي طبع تشكيل و مسيرة الأغلبية و الحكومة الحاليتبن. فانتخابات 25 نونبر 2011 جاءت في سياق سياسي استثنائي كحلقة من سلسلة اجراءات للرد على مطالب الشعب المغربي و طليعته الشبابية المرفوعة في المسيرات المطالبة بالتغيير ذات 20 فبراير. إطلاق سراح معتقلين سياسيين, تعيين لجنة خبراء و الية من الأحزاب من أجل اقتراح دستور جديد, إعادة تشكيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان وفق مبادئ باريس, استفتاء دستوري, … فانتخابات سابقة لأوانها و تصدر حزب العدالة و التنمية الاسلامي للنتائج ب107 مقاعد نيابية. اختارت أغلبية المغاربة التفاعل ايجابا مع خطوات الدولة كما اختارت حزب العدالة و التنمية ليجسد التغيير, فتشكلت الأغلبية برهانين اثنين : 1- تفعيل التغييرات المؤسساتية و تنزيل مضامين الدستور الجديد 2- الاستجابة للمطالب الاقتصادية و الاجتماعية الملحة لشرائح واسعة من المغاربة. 1- الرهان السياسي : "إن الولاية التشريعية الحالية ولاية استثنائية بامتياز, بالنظر لما نص عليه الدستور من ضرورة تنزيل مقتضياته أثناءها. هو مسلسل إصلاح عميق للدولة و تجديد لوظائفها …" (التصريح الحكومي يناير 2012). بالنسبة للرهان السياسي كما نص على ذلك دستور 2011 و التزم به التصريح الحكومي, بمتم 4 سنوات من عمر حكومة بنكيران تم تمرير نصف القوانين التنظيمية و إرساء نصف مؤسسات الحكامة الدستورية. فهل ستكفي سنة للقيام بالنصف الاخر؟ و هل فعلا "أصلحت الدولة و تجددت وظائفها"؟ 2- الرهان الاقتصادي و الاجتماعي : بالرغم من سنوات مطيرة و انخفاض أسعار المحروقات على المستوى الدولي و رفع الدعم عنها وطنيا, لم يتجاوز معد نمو اقتصاد المغرب 4 بالمائة في أحسن الظروف مقابل 7 التي وعد بها حزب العدالة و التنمية. تعتبر الحكومة الحالية الاصلاح في الميدان الاقتصادي و الاجتماعي نقل عبئ "التكاليف" الاجتماعية من الدولة الى المواطن : إلغاء الدعم عن المحروقات و ترك المواطن عرضة لتقلبات مزاج كارتيل النفط دون أي استهداف للفئات المعوزة كما جاء به التصريح الحكومي, تعديل المعاشات المدنية بتقاعد أقل و مساهمة أكثر و سنوات خدمة أطول, … انصياعا "لتوصيات" المؤسسات النقدية الدولية. إلا أن المثال الجلي لتوجهات الحكومة في هذا الصدد يبقى هو تصريح رئيسها على أنه "حان الوقت لترفع الدولة يدها عن مجموعة من القطاعات الخدماتية مثل الصحة و التعليم … ينبغي أن يقتصر دورها على منح يد العون للقطاع الخاص الراغب في الإشراف على هذه الخدمات". و لنا أن نتساءل, ارتباطا مع "مسلسل إصلاح عميق للدولة و تجديد لوظائفها" كما صرح رئيس الحكومة أثناء تنصيبها هل كان يعني إصلاح الدولة أم تفكيكها؟ و هل سيفكر غذا في خوصصة الشرطة و المحاكم و حتى رئاسة الحكومة ذاتها؟ تقييم و انتخابات : و نحن ندخل في سنة انتخابية ستتمخض عنها أغلبية و حكومة جديدتين, لا بد من طرح سؤال التقييم, و معه نقتسم أسئلة نعتبرها مشروعة : هل ستستمر الكتلة الناخبة في دعم من يمثل مشاعرها أم ستنتقل إلى اختيار من يمثل مصالحها؟ هل تستطيع النخب الخروج من منطق التطبيع إلى منطق المشروعية؟ بصيغة أخرى, هل ستبقى السياسة مجالا لتدبير العلاقة و القرب من الملك أم ستنتقل إلى مرحلة مقارعة المشاريع الواقعية و محاولة تنزيلها؟ ما السبيل إلى إقناع المزيد من المغاربة في المشاركة السياسية في الوقت الذي تظل القرارات و المشاريع الكبرى مستمرة مهما تغيرت الحكومات و الأغلبيات, سواءا انصياعا لقرارات المؤسسات النقدية الدولية أو لمحيط الملك؟ و هل هذا المعطى مرتبط بضعف النخب و الأحزاب و غياب مشاريع حقيقية أم لأن الدستور لم يحسم بعد في من يمتلك السلطة الفعلية؟