محمد كورسي (و م ع) يحل شهر رمضان هذه السنة في ظرفية استثنائية تتسم بالحجر الصحي بسبب انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19). هذه الظرفية تعززت أكثر بتمديد حالة الطوارئ الصحية بكافة ربوع المملكة والتدابير الصحية الجاري تنفيذها التي أثرت كثيرا على الحياة اليومية للمراكشيين، حيث اختفت مجموعة من العادات التي ألفوها خلال شهر رمضان وطرأت تغييرات كبيرة على أخرى. ووجد سكان مدينة سبعة رجال، المعروفون ليس فقط بحسهم الفكاهي وإنما أيضا بتعلقهم الشديد ببعض الطقوس الخاصة التي يحرصون على ممارستها خلال الشهر الفضيل، لاسميا بعد موعد الإفطار، كالخروج للتنزه ليلا وتبادل الزيارات العائلية وتقاسم الإفطار مع الجيران والتردد على الفضاءات الرئيسية للمدينة، أنفسهم مضطرين لتغيير عاداتهم اليومية بشكل جذري حتى تتلاءم مع مقتضيات حالة الطوارئ الصحية وتدابير الحجر الصحي. وبالفعل، فقد اعتاد المراكشيون خلال هذا الشهر الفضيل على ارتياد الفضاءات الخضراء والساحات العمومية والحدائق التي تعج بها المدينة، سواء صحبة أفراد العائلة أو بمعية الأصدقاء، والتي تشكل بالنسبة لهم ملاذا حقيقيا لقضاء لحظات ممتعة وحميمية بعيدا عن ضغوط الحياة اليومية. غير أنه كان لزاما على سكان المدينة الحمراء، في ظل فترة الحجر الصحي وإلزامية التباعد الاجتماعي، إعادة النظر في ممارساتهم اليومية وملاءمة بعض الطقوس التي ألفوها، لاسيما الروحية منها، مع تدابير الحجر الصحي وقضاء شهر رمضان “مختلف تماما عن سابقيه”، سيظل بالتأكيد محفورا في ذاكرتهم. فالظرفية الحالية تستلزم الصبر والسكينة كما عبر عن ذلك أهل مراكش منذ بدء سريان حالة الطوارئ الصحية، بالامتثال التام للتدابير التي أقرتها السلطات العمومية لاسيما في ما يتعلق بعدم التنقل إلا في حالات الضرورة القصوى. والأكيد أن رمضان شهر روحاني بامتياز يحرص خلاله المراكشيون على ممارسة عدة طقوس كصلاة “التراويح” أو تنظيم أمسيات دينية، كما يعكس ذلك التوافد الكثيف لآلاف المصلين خلال هذا الشهر على مسجد الكتبية بمراكش في جو من الإيمان والخشوع. غير أنه، وبالنظر إلى السياق غير المسبوق الذي يأتي فيه شهر الثواب والغفران هذه السنة، ليس أمام ساكنة المدينة الحمراء، شأنهم في ذلك شأن باقي المواطنين في مختلف أرجاء المملكة، من خيار سوى أداء هذه الشعائر بشكل مختلف وإقامة شعيرة الصلاة في بيوتهم فرادى أو جماعات بمعية أفراد الأسرة. وعبر مواطنون جاؤوا للتبضع من أحد الأسواق الكبرى بمناسبة حلول شهر رمضان عن التزامهم بالاستمرار في احترام التدابير المتخذة “بغض النظر عن قساوتها”، مسجلين أن السلامة الصحية للمواطنين والمصلحة العليا للوطن تأتي في صدارة الأولويات في مثل هذه الظروف. وأكدوا في السياق ذاته أن ذلك يأتي في إطار الواجب الوطني التي يتعين الإيفاء به بكل تضحية وتفان. وتابعوا أنه في مثل هذه الظروف، يصير لزاما على المواطنين إظهار قدر عال من المسؤولية الجماعية والمشتركة خلال هذا الشهر الفضيل الذي يتسم بالتضامن والتبادل والأجواء الروحانية. وشددوا على أن “رمضان شهر خاص بالتأكيد من حيث العادات الغذائية والترفيه، لاسيما خلال الأمسيات الرمضانية التي تميزه، لكنه يتعين علينا ممارسة هذه الطقوس بشكل مختلف في انتظار انتهاء هذه الأزمة الصحية”. ومضوا قائلين سيشعر المؤمنون من دون أدنى شك بنقص واضح، خاصة في ما يتعلق بأداء صلاة التراويح في المساجد، لكن هذا الوضع الذي يأتي نتاج “عدو غير مرئي” يشكل مناسبة مثلى لقراءة القرآن والرحمة والخشوع والتقرب إلى الله عز وجل. وبعدما أعربوا عن حسرتهم على عدم القدرة على “الاحتفاء بشهر رمضان وإمضائه كما يجب أسوة بالسنوات الماضية”، شددوا على أن الوقت حان للتضامن الفعال والالتزام الثابت والمواطن لتجاوز هذا الاختبار “الصعب” في أقرب الآجال. وخلصوا بنبرة ملؤها التفاؤل إلى أنه لا يمكن تحقيق هذا الهدف إلا إذا “واصلنا التحلي بروح المواطنة والمسؤولية” وامتثلنا بشكل صارم للتدابير المتخذة في إطار حالة الطوارئ الصحية. كانت تلك رسالة واضحة وصريحة من المواطنين، مفادها أنه حان وقت أخذ الحيطة والحذر والانضباط والامتثال الصارم لتدابير الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات الواقية للوصول سويا إلى بر الأمان”. وإذا كان، في هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر منها بلادنا، أصحاب البذلة البيضاء والسلطات المحلية وجميع الأجهزة الأمنية على مستوى جهة مراكش- آسفي، على غرار باقي جهات المملكة، في الصفوف الأولى للمعركة الشرسة ضد جائحة (كوفيد 19) ويتحدون بشكل يومي مخاطر العدوى بالفيروس، فيما لا يتوانى الفاعلون المؤسساتيون والجمعويون في إظهار قدر عال من التضامن والتعاون لفائدة الفئات المعوزة، فإنه يتعين على كل مواطن متشبع بقيم الوطنية الحقة مواصلة التحلي بالصبر كي نتجاوز سويا هذه الظرفية بأقل الخسائر.