اختار سعد الدين العثماني رئيس الحكومة، في لقائه الخاص مساء اليوم، الحديث بلغة الرؤى الاستراتجية، والخطط المندمجة والبرامج القطاعية، في محاولة للتميز عن سابقه في رئاسة الحكومة عبد الإله بنكيران، الذي كان يراهن على الخطابة السياسية، لعبته التي يتقنها، والتي كانت تجعل الفرجة مضمونة في كل مقابلاته الصحافية. لكن العثماني وإن راهن في استراتيجيته الخطابية على منطق الإنجاز بدل منطق اللغو، إلا أنه لم يكن قادرًا على تحمل قساوة هذه الاستراتيجية، التي تتطلب الإحاطة بالمواضيع بشكل شامل، من حيث طبيعة البرامج الإجرائية، والمدة الزمنية التي تستغرقها وكيفية تمويلها، والفئات المستهدفة، والأهم من ذلك هو تقديم ضمانات النجاح لهذه المخططات والبرامج، وذلك لسبب بسيط، وهو أن المغرب عرف تقديم عشرات المخططات والبرامج طيلة العقود الأربعة الأخيرة، ومع ذلك لم يكتب لها النجاح، ولا يكفي تكرار كلمة الحكامة، كل مرة، من أجل تحقيق خطاطة الإصلاح. وما حديث البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم علينا ببعيد، وكيف كان يتمأحمد اخشيشن يقدمه كعصا سحرية لإصلاح التعليم، لنستيقظ جميعا على فشله الذريع المرفوق برائحة فساد كريهة. وقبله كان عبد الله ساعف يكرر أنه حقق نسبة 94 في المائة من تعميم التعليم لنفاجأ بعد ذلك بالواقع الذي يكذب الأرقام. وبمناسبة الإصلاح، فقد ظهر جليا، أن العثماني، لا يتوفر على تعريف للإصلاح، قائم على مرجعية فلسفية معينة، بمعنى أن مفهوم العثماني للإصلاح، ومن ورائه حزب العدالة والتنمية، ليس مرتبطا بتصور واضح للمجتمع والدولة، وإنما بترقيعات قطاعية، أقصى ما تسعى إلى تحقيقه هو تقديم خدمات إجتماعية، تشكل خزانا انتخابيا للحزب الإسلامي. أما التفكير في تصور قائم على جعل الطبقة المتوسطة رافعة للمجتمع، فيصطدم بجهل العثماني ومعه حزب العدالة والتنمية بمفهوم الطبقة المتوسطة والأدوار التاريخية التي يمكن أن تقوم بها، والتحولات التي تقودها داخل المجتمعات، وكيف يخلطون ولا يميزون بين طبيعة الطبقة المتوسطة العصرية والطبقة المتوسطة التقليدية. العثماني، لم يؤسس سياسة حكومته، بناء على منهج “التحليل الملموس للواقع الملموس”، ويبني قراراته على ما تقدمه له مكاتب الدراسات من تقارير يتم إنجاز أغلبها من داخل المكاتب المكيفة، ولا أدل على ذلك كيف تحدث عن التعاقد في الوظيفة العمومية، خاصة في قطاع التعليم، والتكوين المهني، وكيفية خلق فرص الشغل وقطاع الصحة، الذي يفترض أن يكون أكثر إلماما به، بحكم انتمائه للجسم الطبي. ولذلك فقد أغرق في لقاء اليوم في اللغة الحالمة، التي لا تبني بلدانا ولا تقيم بنيانا، ولن تمنع نساء التهريب من الموت دهسا تحت الأقدام بباب سبتة، ولن تحول دون تكرار مأساة موت 15 امرأة بالصويرة، والأهم من كل هذا وذاك هو إعادة ثقة المواطن المغربي في بلده.